عتاب الرئيس… وكارثة قطاع الإعلام المصري
بشير العدل
لم تكن إشارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أزمة الصحافة والإعلام في بلادي مصر، والتي جاءت ضمن كلمته في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة الأحد الماضي، سوى رسالة عتاب قوية بعثت بها الدولة إلى الإعلاميين عموماً تطالب فيها بتصحيح المسار الذي يسير عليه الإعلام، ولتأكيد أنّ هذا المسار يعترض طريق الدولة التي تنشد البناء وإعادة الأمن والاستقرار في ربوعها.
والحقيقة أنّ عتاب الرئيس لم يحمل في طياته مجرد طلب بتعديل المسار وتصحيح الاعوجاج في الأداء الإعلامي، وإنما كشف النقاب عن وجود كارثة حقيقية في قطاع الإعلام بأشكاله كلها، من صحافة ووسائل مرئية ومسموعة، ودون استثناء أيّ منها.
وحينما يصل الأداء الإعلامي إلى حدّ عتاب من رأس الدولة، قد يتطوّر إلى حدّ الشكوى منه، فهذا يعني أنّ الفوضى الإعلامية قد بلغت ذروتها ووصلت إلى قمة الهرم، وهو ما يستوجب على الجماعة الصحافية والإعلامية التنبّه إلى ذلك الخطر الداهم الذي لا يهدّد فقط ثقافة المجتمع وتعاليمه وقيمه ومبادئه، وإنما أيضاً أسس الدولة وبناءها.
ولم تكن كارثة الإعلام مفاجئة، أو تمّ الكشف عنها لمجرد عتاب الرئيس، وإنما هي محسوسة وملموسة، على الأقلّ عند المهنيّين الذين يعون جيداً حدود المهنة وأخلاقها ومواثيقها، وقبل ذلك مواثيق ومعايير أخلاقهم التربوية التي نشأوا عليها، فقد سبق أن نبّهنا إلى ذلك كثيراً سواء في مقالات منشورة، أو من خلال بيانات لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة، وكلها، والتي امتدّت لأكثر من 4 سنوات، تطالب الجهات المعنية، بضرورة ضبط الأداء الإعلامي، وفقاً للقوانين والمعايير والأخلاق، لكن لا حياة لمن نادينا، وما زلنا ننادي.
غير أنّ تطرقاً مهماً في هذا الصدد لأسباب الفوضى والانحراف الإعلامي يُعدّ من الأمور المهمة وذلك لوضع الأمور في نصابها.
فحينما نعدّد أسباب الكارثة نجد أنها متشابكة غير أنها تنتهي إلى نقطة وعنصر أساسي وهو العامل المادي، وهو ما ينطبق على نظم صناعة الإعلام في بلادي مصر، وكذلك على عناصره، وأيضاً على طبيعة الرسالة الإعلامية التي يقدّمها.
فبعد أن تحوّل الإعلام في بلادي مصر، إلى تجارة يمارسها أصحاب رؤوس الأموال الخاصة، قدّموا مغريات كثيرة جميعها مادية، سواء في التجهيزات أو المرتبات، مما عمل على إحداث حالة من هجرة الكفاءات الصحافية والإعلامية لمؤسساتها، إلى تلك المؤسسات الخاصة بحثاً عن المال وليس عن الرسالة الإعلامية، فغاب الأداء المهني لدى أغلب مقدّمي البرامج، ومعظمهم من الصحافيين، خدمة لأنفسهم أولاً، ولأصحاب المحطات الفضائية ثانياً، وكانت المصلحة العامة خارج اهتمامات الجميع، فتحوّلت أغلب الفضائيات إلى منصات لتبادل الاتهامات والتجريح الذي وصل في كثير من الأمور إلى حدّ السبّ والقذف في حق المجتمع نفسه.
أضف إلى ذلك أنه ومع سطوة رأس المال ظهرت تجمّعات أخرى وكيانات تسمّى بالغرف، لتتحكم هي في صناعة الإعلام الخاص، وهي أيضاً يسيطر عليها الفكر الاستثماري وخدمة المصالح الاقتصادية، فأصبحت معايير اختيار الرسالة الإعلامية ومقدّمها أيضاً، قائمة على أساس الربح المادي وخدمة الأهداف الاقتصادية لأصحاب رؤوس الأموال الخاصة.
بجانب ذلك غياب دور الجهات المسؤولة عن ضبط الأداء الإعلامي، وهنا تتحمّل نقابة الصحافيين الجزء الأكبر منها، نظراً لأنّ أغلب مَن يعملون في الفضائيات الخاصة هم من أعضائها، وحينما تغاضت النقابة عن تطبيق المعايير المهنية ومواثيق الشرف الصحافية في الصحف، انتقلت العدوى إلى البرامج المرئية، حتى كانت الكارثة الحقيقية التي يعاني منها المجتمع.
عامل آخر لا ينبغي تجاهله في أسباب الفوضى والكارثة الإعلامية وهو غياب دور الدولة أيضاً في الرقابة، وكذلك في تقنين أوضاع كثير من الصحافيين والإعلاميين، الذين خضعوا للاستقطاب المادي بعد أن تجاهلتهم الدولة وأهملت حقوقهم.
كارثة الإعلام إذن مسؤولية تبادلية بين الدولة من ناحية وبين الجهات المعنية من ناحية أخرى، فعلى الجميع القيام بمسؤولياته قبل فوات الأوان، وعلى نقابة الصحافيين أن تقوم بدورها وتعود إلى ما كانت عليه، وألا تترك زمام الأمور، حتى تفاجأ بمطالب رسمية، وتخضع لخيارات صعبة تحت عامل الزمن مما يوقعها في أزمات حقيقية، كما حدث في مشروع القانون الموحّد للصحافة والإعلام الذي خرج تحت ضغوط الوقت ومطالب الدولة، فكان مشروعاً غير مرضٍ للجماعة الصحافية.
كاتب وصحافي مصري
مقرّر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة