ماذا يريد زهران علوش؟

عامر نعيم الياس

لا يفوّت زهران علوش قائد ما يسمى «جيش الإسلام» مناسبةً، إلا ويُظهر فيها عمالته وارتباطه الوثيق بمملكة آل سعود. فتارةً يباشر بحملة قصف مكثفة على العاصمة دمشق، في لحظة خلاف سعودي ـ روسي على الأولويات في سورية، وطوراً يبتكر أساليب إذلال للآخر واستفزازٍ لمشاعر السوريين تتجاوز أيّ اعتبار إنسانيّ. هذا ما عكسته مشاهد الأقفاص الحديدية التي بثّت قبل أيام والتي تضمّ في داخلها مواطنين سوريين اختطفوا من عدرا العمالية، ليكونوا دروعاً بشرية لمواجهة محاولات الجيش السوري والقوات الرديفة توسيع طوق الأمان حول العاصمة دمشق، وضرب مركز القوة العسكرية في الغوطة الشرقية.

استفزّ زهران علوش الروس وقصف سفارتهم، بعد أيام من التدخل العسكري الروسي الجوي في سورية، وتحرّكت موسكو لتقول إن مصدر القصف «جماعة إرهابية» في حي جوبر، ليست مدرجة ضمن تصنيف المجموعات الإرهابية التي يحاربها المجتمع الدولي في سورية، وبدأت العمليات ليس انطلااقاً من جوبر، إنما اقتربت من مسقط رأس زهران علوش، وعاصمة ريف دمشق مدينة دوما وامتداها الحيوي ممثلاً بمدينة حرستا. قام الرجل كعادته بعملية استعراضية انتحارية للسيطرة على أوتوستراد دمشق ـ حمص الدولي، وتحصّن في بعض النقاط، لكن الهجوم وهدفه النهائي بتغيير خطوط المواجهة لم يتحقق بشكل كامل، إنما كانت الخسارات في صفوف إرهابيي علوش فادحة. لكن تكتيك الأقفاص الحديدية لأسرى عدرا العمالية وبعض العاملين في القوات المسلّحة السورية، ترافق مع تغطية غربية إعلامية شبه كاملة على وحشية الحدث، وتوجيهه بما يخدم تبريره أولاً، وتحقيق الهدف من وراء هذا التصرّف القذر ثانياً، وهو منع الروس والسوريين من استكمال العملية العسكرية في عاصمة الريف الدمشقي ومحيطها من حرستا إلى جوبر. وتقوم هذه التغطية على أساس الربط بين حادثة الأقفاص و«إيقاف قصف النظام لدوما» على قاعدة ردّ الفعل الطبيعي من قبل «ثوار» لا يملكون شيئاً في مواجهة التفوّق الجوّي والتغطية النارية الكثيفة للجيش السوري وحلفائه.

هنا تقول «نيويورك تايمز» الأميركية: «قام المتمرّدون بتنفيذ خطة تقضي باستخدام السجناء من الذكور والإناث كدروع بشرية من خلال وضعهم في أقفاص ونشرهم في الشوارع لمنع حدوث مزيد من القصف»، أما «تلغراف» البريطانية فكانت أكثر وقاحة في تبريرها بالقول: «الثوار السوريون برّروا وضع عشرات المدنيين في أقفاص في ضواحي دمشق على أنها رسالة إلى العالم من أجل وقف القصف الذي تتعرض له مناطقهم».

إن التغطية التي تواكب عمليات الإرهابي زهران علوش لا تطرح الرجل بصفته رجل السعودية في سورية فقط، إنما هو رجل الغرب في محيط دمشق، والحملات الإعلامية التي تبرّر استهدافه العاصمة دمشق بصواريخ الكاتيوشا بحجة ردّ الفعل أيضاً، هي الأخرى تظهر حجم الاعتماد عليه في ابتزاز الدولة السورية وحلفائها، ورفع كلفة أيّ جهد لتحرير المناطق المحيطة بالعاصمة، خصوصاً حي جوبر، والذي لا يمكن أن يكون لتحريره أي معنى من دون الدخول إلى مدينة دوما مسقط رأس علوش، وغالبية المنضوين تحت راية تنظيمه الدموي. هذه العملية التي من الممكن أن تضع العاصمة دمشق، وخصوصاً شرقها تحت ضغط القتل المجاني لصواريخ علوش وقذائف الهاون التي باتت كثافتها مرتبطة بغضب مموّل ما في الخارج، أو ضغط ميدانيّ على مواقع تنظيم علوش في الغوطة الشرقية.

لا يقلّد زهران علوش تنظيم «داعش» في تكراره مشهد الأقفاص، فالرجل من المدرسة ذاتها، ويدرك جيداً ما يفعله، لكن تجاوزه كافة الخطوط الحمراء يعكس في جزء منه حجم الورطة التي يعانيها وإحساسه بوجود خطة متكاملة لاقتلاع الوجود العسكري له ولجيشه من محيط العاصمة دمشق، مدركاً أن الرياض لا يمكنها أن تستمر إلى ما لا نهاية في تحدي الوجود الروسي العسكري والجهد السياسي الدولي الموازي له. ولذلك، يطرح الرجل نفسه باعتباره مالكاً أوراق لعبةٍ خاصة به في بعض جزئياتها، وبالتالي يجب الاتفاق معه.

خرق زهران علوش كل ما هو إنساني قبل أن يخرق كل ما هو وطني، خرق كل ما هو حيوي واستراتيجي قبل أن يخرق ما هو تكتيكي عسكري، والشخص بما يمثله على الصعيد الذاتي، وعلى صعيد تحالفاته، لا يمكن أن يكون سوى أحد أهم المطلوبين إن لم يكن المطلوب رقم واحد لدى الدولة السورية والحلفاء الذين يقع على عاتقهم وضعه وجماعته في رأس قائمة التنظيمات الإرهابية المتّفق عليها دولياً، وإلا ففرضٌ للأمر الواقع والنهاية الحتمية بالقوة المناسبة.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى