حديث السيسي… مصالحة مع «الإخوان» أم مغازلة للغرب؟
بشير العدل
الحديث الذي أدلى به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، ونشرته أخيراً على موقعها الرسمي على شبكة الاتصالات الدولية «الإنترنت»، وخاصة الجزء المتعلق منه بجماعة «الإخوان المسلمين»، وموقف الشعب والدولة منها، أثار العديد من ردود الفعل في الأوساط السياسية المصرية، فضلاً عن أنه أثار أيضاً تساؤلات حول مغزاها وهدفها، وعما إذا كانت تحمل في طياتها رغبة دفينة في مصالحة «الإخوان»، أو كونها مغازلة للغرب، انطلاقاً من بريطانيا التي يقوم السيسي بزيارة رسمية لها، وسط انتقادات وحالات رفض من المعارضين له، سواء من جانب أنصار الجماعة في الخارج، أو حتى من جانب مؤسسات المجتمع المدني الأوروبية، التي رفض بعضها الزيارة.
الحديث جاء ضمن حوار مطوّل أجراه الرئيس السيسي على خلفية زيارته لبريطانيا، وأشار فيه إلى أنّ جماعة «الإخوان» تمثل جزءاً من الشعب المصري، وهو من يقرّر دورها في الحياة السياسية، وذلك رداً منه على تساؤل حول إمكان إشراك الجماعة في الحياة السياسية، وفي ما يتعلق بالأحكام الصادرة ضدّ بعض قيادات الجماعة وأنصارها، خاصة التي وصل منها إلى عقوبة الإعدام، قال السيسي إنها لن تنفّذ، واستند في ذلك إلى الإجراءات القانونية التي تمنح من صدر بحقه الحكم في الاستئناف عليه، وعدم التنفيذ في بعضها كونها صدرت غيابياً.
وقد قابلت الأوساط السياسية المصرية ذلك الحديث بنوع من التباين الواضح، فهناك من فسّرها على أنها رغبة من الدولة المصرية في إجراء مصالحة مع جماعة «الإخوان»، وهي الفرضية التي أثارت حفيظة الكثيرين من المناوئين للجماعة وأنصار نظام الحكم الحالي، معتبرين أنها تمثل حالة من الضعف والتراجع من جانب الدولة في مواجهة الجماعة التي وصفها كثيرون بأنها التي تقف وراء كلّ العمليات الخارجة على القانون، سواء المتعلق منها بضرب الاقتصاد القومي، أو باستهداف رجال الشرطة والجيش، وبحسب هؤلاء فإنّ حديث السيسي يمثل عندهم رغبة في إجراء مصالحة مع الجماعة، لاستيعابها ضمن المكون الشعبي، بعد أن أظهرت الدولة ضعفاً في مواجهتهم، وعليه، وبحسب هؤلاء، فإن الرئيس السيسي يسير في اتجاه غير الذي اختاروه من أجله، وهو ما ينتقص من شعبيته لديهم، ومن دعمهم أيضاً له ولنظام الحكم الحالي.
في المقابل، فإنّ وجهة نظر أخرى تبنّاها فريق آخر، مؤدّاها أنّ رغبة الرئيس السيسي في تحسين صورة مصر في الخارج، وتأكيد شرعية نظام الحكم الحالي، خاصة في ظلّ حالة التباين التي بدت بها بعض الدول، وساندتها في ذلك منظمات المجتمع المدني خاصة في أوروبا، تفرض على السيسي كرجل سياسي ورئيس دولة محورية في العالم، أن يلجأ إلى مثل هذا الحديث الذي يمثل في حقيقته رسالة طمأنة للغرب، وتحديداً لمنظمات المجتمع المدني التي تدّعي دفاعاً عن حقوق الإنسان، والتي ترفض، شأنها في ذلك شأن الدول التابعة لها، عقوبة الإعدام وتراها، وفقاً لقوانينها إجحافاً بحق الحياة، وهي العقوبة التي لا تعترف بها أوروبا وغيرها من الدول.
كان تركيز السيسي إذن على التقليل من أهمية الأحكام الصادرة بالإعدام في حق بعض قيادات جماعة «الإخوان» وأنصارها، بمثابة مغازلة للغرب، الذي امتعض وما زال لتلك الأحكام، خاصة أحكام الإعدام، فضلاً عن أحكام سابقة صدرت بحق صحافيين أجانب، في القضية المعروفة إعلامياً بقضية «خلية الماريوت» والتي انتهت بالعفو الرئاسي عنهم، الأمر الذي زاد إلى حدّ كبير من الموقف الداعم لنظام الرئيس السيسي، والذي يريد تأكيده وبصورة أوضح مع جماعة «الإخوان»، التي لا تزال تحظى بدعم خارج مصر، من جانب جماعات وتنظيمات وأفراد، شعرت الأنظمة الغربية بممارستهم لنوع من الضغط عليها لتأييد الجماعة ورفض نظام الحكم في مصر.
وقد ظهر ذلك في أغلب الزيارات السياسية التي قام بها الرئيس السيسي لأوروبا وأميركا والتي قابلها معارضوه، بشغب أو تظاهرات أو فعاليات كلها تصبّ في رغبة من جانبهم في ممارسة الضغط على الأنظمة الأوروبية والأميركية لعدم دعم النظام المصري الحالي، الذي ترى فيه بعض الدوائر السياسية الغربية والأميركية أنه أتى على حساب رئيس مدني منتخب، متجاهلين أنه جاء بإرادة شعبية رفضت حكم جماعة «الإخوان»، التي فشلت في إدارة شؤون مصر بعد توليها المسئولية بعام كامل، وهو ما يؤكد أنّ حديث السيسي جاء داعماً للفرضية الثانية.
وأياً كان المغزى من حديث السيسي سواء كان رغبة في مصالحة مع «الإخوان» أو مغازلة للغرب، فإنّ التفسير الحقيقي لها لا يمكن الأخذ به من دون الرجوع إلى الشعب المصري، صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، فهو وفقاً للدستور صاحب السلطات ومانحها ومانعها أيضاً، وهو أعلى وأكبر من أيّ إرادة أخرى، وهو ما يعني أنّ كلّ ما دار في حوار السيسي لا يخرج عن كونه رؤى خاصة تحتمل الصواب أو الخطأ، ليبقى الحكم النهائي للشعب المصري صاحب القرار الأول والأخير في كلّ ما يتعلق بشؤون السياسة والاقتصاد.
كاتب وصحافي مصري
مقرّر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة