شخصنة الأزمة

عدنان كنفاني

مما يدعو إلى السخرية، والأسف في آن، أن نجد ونسمع تصريحات نارية يطلقها مسؤولون كبار، ليس بما يخصّ بلدانهم فقط، بل، وبادّعائهم حمل مسؤولية الحراك الدولي والعالمي سواء السياسي أو العسكري، وبحكم القوّة التي يملكونها، وقدرتهم على السيطرة المطلقة على معظم القرارات والتوصيات التي تخرج من مجالس ومؤسسات وجدت أصلاً لنصرة الحق، وحماية الإنسان وحقوقه بحيث لا تخرج عن توجهاتهم ومصالحهم ولو كانت في تجاوز أمنيات وتطلعات الشعوب باختيار قرارهم وحكوماتهم وقياداتهم، وتلقي بذلك كله في سلّة افتراء وكذب وكأنه لم يكن، ثم تتبجّح بالديمقراطية، وتفرض ما تريد على الدول الأضعف والأصغر بكلّ وسائل متوفرة بما فيها اجتياحات عسكرية، أو حصارات اقتصادية خانقة، بحيث تخضعها، وتنضمّ إلى ركبها الاستعماري.

ولو تجرّأت دولة ما على التمسّك بسيادتها وحقوقها وقرارها الوطني المستقلّ، وأعلنت رفضها الانضواء في ركب المستسلمين والتابعين، تتكالب عليها تلك الدول، ومن في ركبها، وعملائها في محاولات مستميتة لكسر صمودها، وإذلالها بكلّ وسائل ممكنة، وخارج منظومة الأخلاق والقيم.

الجديد الذي بدأ العالم يسمع به، وعلى مستوى دول كبرى، ومن يتبعهم وفي ركبهم، كان الصوت خافتاً وأصبح علنياً وصارخاً، هو في «شخصنة» قضايا الدول المستهدفة، وتجاهل كلّ المعطيات الشرعية والقانونية التي تؤهّل «شخصاً» ليكون رئيساً لحكومة بلاده، وعبر الوسائل «الديمقراطية» التي يتبجّحون بها، ثم يأتي من يرفض ويشكك في شفافية ونزاهة الانتخابات مثلاً كي يبرّر مخططات استهدافها بكلّ الطرق «غير الشرعية» الممكنة، ومن منطلق القوّة، والإعلام، والكذب والتزييف، وهيمنتهم على كثير من المؤسسات الدولية، ومن خلال عملائهم وتابعيهم، لكن الحقيقة تكمن في أنّ هذه الانتخابات لم تأت بما يريدون له أن يكون تابعاً لهم، وفي ركبهم، وعلى إيقاع مصالحهم.

من المؤسف، وما يدعو للسخرية أن نجد السيد «كيري»، وهو وزير خارجية دولة عظمى تدّعي أنها القطب الأوحد في قيادة العالم، يخرج علناً، وعبر وسائل الإعلام ليقول ودون خجل، وبالفم الملآن إنّ بقاء الرئيس بشار الأسد رئيساً هو العقبة التي تقف حائلاً دون حلّ المشكلة «الأزمة» في سورية، وعليه أن يرحل! .

ويردّد وراءه «ربعَ» العملاء والتابعين في السعودية وقطر وتركيا القول ذاته علناً، ولا يفوّت أحداً منهم الفرصة في ملامسة «الحسّ الإنساني» في أن يتبع قوله هذا في تبرير سخيف لم يعد ينطلي على أحد «إنقاذ الشعب السوري…»!

منذ ما يقارب خمس سنوات على عمر «الحرب» المعلنة على سورية، وسورية صامدة، بحكومتها ومؤسساتها وجيشها والبنيان الشعبي المتراصّ في التصدّي لكلّ السبل التي جهدت على كسر صمودها، والإطاحة بحكومتها، ورئيسها شخصياً، ولم تفلح أيّ منها في كسر إرادة سورية، ولا في استلاب حقها الشرعي كدولة ذات سيادة، على الرغم من طرائق الاستهداف المختلفة، بما فيها تجييش مرتزقة من أساطين الإرهابيين، وحثالة المجرمين والساقطين من دول العالم، وتزويدهم بأحدث السلاح، وتأمين دخولهم إلى الأراضي السورية ومعداتهم العسكرية عن طريق دول تابعة وعميلة ومأجورة، ومدّهم بدعم ماليّ سخيّ، وتغطيتهم إعلامياً واختلاق شعارات «إسلامية» مذهبية وطائفية كاذبة، تضرب على وتر شديد الحساسية للتغطية على الهدف الأساس من استهداف سورية على وجه الخصوص والذي أصبح واضحاً وجليّاً يعمل على جرّ سورية إلى معسكر استسلام مهين يكسر تنامي محور المقاومة، ويشكل تهديداً مباشراً لدول «صاعدة» قد تُنزل دولة القطب الأوحد عن برجه وغروره وتطلعاته، وتعمل بالتالي على تحقيق عدالة دولية وفق قوانين وأنظمة المجتمع الدولي التي تنادي أساساً باحترام خصوصية كلّ دولة، وشأنها في اختيار سياستها وحكومتها وقياداتها، وهو امتداد جغرافي وسياسي «من فلسطين إلى جنوب لبنان، فسورية، العراق، إيران، روسيا، الصين ومجموعة دول بريكس، وحتى دول أميركا اللاتينية»، كمحور مقاوم في وجه «المغامر» الأميركي، والعملاء التابعين، ولا يفوتنا أن نقول وبكلّ اليقين، أنّ ذلك كله لا بدّ «لو كتب له النجاح» أن يصبّ في مصلحة الكيان الصهيوني كذراع ضاربة في قلب المنطقة، ولصالح الولايات المتحدة الأميركية، وبعض دول أوروبا، وللأسف بعض الدول العربية التي رهنت قرارها وسيادتها لأمر «الشيطان الأكبر»، وقدّمت كلّ ما تستطيع من دعم مالي وإعلامي وتحريضي، وعلى مدى ما يقارب خمس سنوات من حرب تدميرية مجنونة استهدفوا فيها البشر والحجر والبنى التحتية والتاريخ والتراث والاقتصاد، وكلّ شرايين الحياة، لكنهم جميعاً لم يفلحوا في كسر الصمود السوري.

فهل يمكن، أو من المعقول، وهل يصدّق أحد بأنّ ذلك كله، وحجم التضحيات التي قدّمها الشعب والجيش وتدمير البنى والحياة في سورية، وعلى مدى ما يقارب خمس سنوات كانت كلها من أجل «شخص»؟

وهل يمكن لأحد أن يصدّق بأنّ هذا كله كان لإنقاذ الشعب السوري من سطوة «النظام»، وتوفير حياة كريمة وحرية وديمقراطية وجلب «رفاهية وترف» للسوريين؟!

إنّ «شخصنة» المشكلة، والإعلان الوقح من قبل وزير خارجية أميركا، وعلناً، ثم تخرج أصوات العملاء والتابعين في دول أجيرة أخرى في المنطقة، والجوار السوري وخارجها لتردّد مقولته هذه لتأكيد فكرة «الشخصنة»، وتحميل الرئيس السوري بشخصه «وحده» وهو المنتخب شرعياً من قبل الشعب السوري سواء قبلوا بذلك أم لم يقبلوا مسؤولية ما جرى ويجري؟ وأنه شخصياً وبشخصه المسؤول الوحيد عما يجري، وأنّ الخلاص في تنحّيه عن سدّة الرئاسة في سورية؟!

أيّ غباء هذا؟ بل أيّ استغباء لعقول الناس وقلب الحقائق، والتغطية على الغايات الفعلية من استهداف سورية، وغير سورية من دول أدركت الأبعاد الشيطانية من وراء ذلك كله، وبقيت متمسكة بحقوقها وسيادتها، ولم تقبل التبعية، ولا العمالة، ولم تغرّها الوعود البرّاقة الخلبيّة، ولا إلغاء دورها الإنساني، ولا طموحها لتطوير حياة شعوبها للأفضل.

أما آن لهذا الفكر الاستعلائي الاستعماري المغرور الغبي أن يتعلّم من دروس تجاربه السابقة في أكثر من مكان وأكثر من حالة؟ أما آن لمن يدّعون التحضّر والعقلانية من استخلاص العبر وقد قيل قديما: من جرّب المجرّب، عقله مخرّب ؟!

لقد دخلت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها تجربة منذ وقت قريب عندما قضت بالقتل على أسامة بن لادن فهل قضت على تنظيم القاعدة؟

ودخلت حرباً في العراق وأعدمت صدام حسين، فهل انتهت مشكلتها في العراق؟

ودخلت «ربيع ليبيا» وقتلت معمّر القذافي، فكيف يمكننا تقويم الوضع في ليبيا الآن؟

ونقول «من الآخر» كما يقول البعض انتهاءً… وعلى افتراض أنّ الرئيس بشار الأسد تنحى واستقال، ثم ترشّح من جديد للرئاسة إلى جانب عشرة مرشحين آخرين، «أجرؤ وأقول أن تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها باختيارهم للترشّح بما يتفق مع توجهاتهم»، وتجري جولة انتخابات تشرف عليها دول، وأكبر المؤسسات العالمية ذات الشأن، ويعلن الجميع قبل فرز الأصوات سلامة الانتخابات ونزاهتها وقبول نتائجها، ثم تبيّن فوز الرئيس بشار الأسد، هل من يجيبني كيف يمكن أن يكون الحال بالنسبة لهم؟ وبأي «فبركة» جديدة سيأتون بها؟

ثم، «ومن الآخر» أيضاً… لنفترض أن الرئيس بشار الأسد تنحى نهائياً، وجرت انتخابات جديدة، ونجح فيها من يحمل الفكر ذاته، والتوجّه ذاته، والرسالة ذاتها، والصمود ذاته، والفكر المقاوم ذاته، والتصدّي ذاته الذي يحمله الرئيس بشار، بمعنى أنّ التغيير فقط لامس الشخص والشكل وليس المضمون، كيف سيكون ردّ فعل هؤلاء الأغبياء؟

إنّ هذه التصريحات المسعورة، والحقد غير المبرّر على شخص الرئيس، سواء جاءت من العملاء أو من السيد اليانكي شخصياً، وكما نفهمه، لا يعني ولا يمسّ «شخصنة الأزمة» وكأن الرئيس سببها، وسبب ديمومتها، هي تصريحات تمسّ الرئيس كشخص بطبيعة الحال، لكنها بالأساس تسعى لشطب دور سورية المحوري، وتوجّهها بالعام، وكسر إرادة الصمود والمقاومة التي تمثّل سورية طليعته الباهرة، وفي كل الأحوال، والنتائج والأسباب والمسبّبات، لا يسعنا إلا أن نقول… أهلااااااااااااا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى