لو تخجلُ «السلطة»…!
هاني سليمان الحلبي
فلسطين مسرح الحجر والسكين. وليس فيها ما يستحق غيرهما.
شخوص رسمية تتمنطق أزياء رؤساء ووزراء ونواب نصفهم في السجون فضلاً عن رئيس برلمانهم، والباقون يتنعّمون بهوائها الطلق بدفء أسرهم ونعمى مناصبهم الفاخرة في سلطة التسوّل.
مواكب أمنية لنقل ضابط كبير، بين أهله وأقرانه، صغير لما يجلس على طاولة التنسيق مع ضباط العدو، عدوّ الوجود والروح والوطن، ليتسلّم لائحة المقاومين المطلوبين لعدالته اللاعادلة، فعدالةُ المحتلّ الظلمُ كله. وتكون أظلم عندما تنفذها سلطة تتبرقع بالوطنية، سلطةٌ ظلّ تتنفذ باسم عملية سياسية مفادها تزيين أنوثة الاحتلال الوحشية، وباسم مجتمع دولي لأمم كواسر تتجمّع على وليمة الضحية أكانت فلسطين ام لبنان أم العراق ام سورية ام اليمن. كلٌّ بميعاده المرسوم في استئناف خطط الاحتلال والانتداب والوصاية والاستيطان في أرض ميعاد صهيوني من النيل للفرات.
ما قيمة السلطة؟! وها قد غدت شابة ناضجة برسم زواج مأمول، بعد أكثر من عقدين، وقد التمعت رقة حتى ذابت في مفاوضات العقود فلا يُسمع صوتها ولا غناؤها ولا نشيجها، بينما تصيح استنكاراً لصواريخ مشبوهة تصيب براري النقب القاحلة وتخترق هواء الكيان اليهودي خوفاً من أن يلحق بربيبتها «إسرائيل» حيفٌ او يبعثر شعرها عصفُ مفرقعات. أين ذلك الصوت غير المسموع همساً الآن بعد شهرين من هول حرب خاضتها سواعد الفتيان والفتيات الفلسطينيين بسكاكين المطابخ ومقاليع الحبال؟
ولا يُسمع للسلطة صدى نأمة حتى، رفضاً لحرب الإعدامات القاتلة في ميادين المدن والقرى الفلسطينية التي تُردي أطفالها بمجرد أن تلمحهم على رصيف مقفر، بذريعة الاشتباه فيه أنه ينوي طعن جندي أو مستوطن من مسافة مئات الأمتار؟
هل تنتظر سلطة عباس ودحلان وحكومة هنيّة رعاتهما الخليجيين والمموّلين العرب والرباعية الدولية لتكفكف دموعهما وترفع عنهما رهاب فقدان الموارد وتشرّد القفار بعد نعم الاستقرار في كنف الاحتلال؟
أليست هي أمّ الصبي، بل أمّ الأطفال الفلسطينيين والفلسطينيات الذين علّموا العالم فداء الأوطان وأثبتوا أنّ «أزكى الشهادات هي شهادة الدم» العبارة لأنطون سعاده ويمكن للأسنان والأظافر والسكاكين والحجارة والمسامير، على منتهى ضعفها التقني وتهالكها الآلي وبساطتها التسليحية، أن تحاصر «إسرائيل» النووية وتفضح عربها المعتدلين وأجانبها الرعاة احتلال فلسطين منذ 400 عام، بل منذ الف سنة يوم بدأت حملات الفرنجة التي سُمّيت فتنة صليبية للعودة إلى أرض الميعاد، شعاراً مفتاحاً رفعها المدعو بطرس والموصوف قصداً انه ناسك؟
لو كانت السلطة حقاً هي أمّ الصبي، لكانت خجلت من سكوتها المشبوه، وترفّعت عن انتظار نجدات الدعوات الأميركية للعودة إلى المفاوضات، ولكانت لم تتلقف بعد شهر من الدماء همسة كيري للقاء الأردن ليخرج باتفاق مسخ رذله شباب فلسطين وأظهروا أنّ السلطة سقطت بالموت السريري ولا أحد يهتمّ لها ويأتمر باتفاقاتها!!
آخر ما قدّمته السلطة، قنبلة عباس الأممية، أننا لن نلتزم بـ»أوسلو» ما لم تلتزم به «إسرائيل»! بئس القنابل… قنابل الكساح على منابر الأمم. كساح الفكر والروح وكساح الوجدان القومي والعزيمة القائدة. هم كساح السياسة الخائفون التفريط مما يتذوّقونه من فيتامينات الثروات بعد هجرانهم منذ عقود فيتامين الشرف.
لو كان عباس قائداً، لخلع حذاءه ولوّح به من منبر الأمم المتحدة، وقال:
«أوسلو الذي تتذرّعون به ونسيتموه، وكنا نراه هدنة لالتقاط الأنفاس، مات فور التوقيع عليه. ومن هنا أنحني لدماء شهداء فلسطين وثورتها العتيدة وأعتذر عن خطايانا بإقامة سلطة لم تكن سوى كفّ خشنة مأجورة للاحتلال. وأعدكم بأني سأمرّغ أوسلو بهذا النعل، يا مَن احتللتم وطني سبعة عقود وقتلتم شعبي ودمّرتم مدني وقراي وسجنتم زهرات أجيالي واستوطنتم سهولي وحقولي. من هنا من منبر السلام الدولي المزعوم أعلن حرب الوجود الفلسطيني على الاحتلال الزائل. وإنها لثورة حتى النصر».
أما وقد فاتك هذا الوحي وما التقطت حينها إلهام فلسطين، ولما تلتقطه بعد، فما أنت فاعل؟ وماذا عليك ان تفعل يا أبا مازن؟
اعتذر عن خطاياك. استخرج سلاحك الصدئ. وقف وقفة رجل فيه دم فلسطيني وما تبقّى من شرف، وابعث رميم «فتح» من ثلاجتها. وتبيّنوا إنْ بقي فيها ثوار، ولو كانوا عجائز، او أفسحوا لروحها الفتية بالشباب لتقود انتفاضة حتى النصر.
انتفاضة لا تساوم، انتفاضة شريفة، كانتفاضة أيّ شعب حيّ لا يتوق إلى اقتسام أمه مع مغتصبها، ولا للمساومة على ثيابها ولا على أساورها وعلى رائحة عطرها ولا على قمحها… ولا على فطائر الصباح… ولا على ما يتناثر من سقيط شعرها.
اخجلوا وعودوا إلى بيوتكم أو التحقوا بمؤخرة الانتفاضة شرط ألا تشدّوا بها إلى الوراء فترتدّ سكاكينها النجلاء إلى نحوركم.
شباب فلسطين لن ينتظروا مفاوضاتكم، ولا عبساتكم المسرحية، ولا دعواتكم لحماية دولية عاجلة للشعب الفلسطيني!!
للذكرى إنْ تنفع بعد عقم مديد: أنّ فلسطين لم يتمّ احتلالها إلا تحت وطأة انتداب إنكليزي بأمر من عصبة الأمم، ولم يتمّ تقسيمها عنوة إلا بقرار من وريثة العصبة جمعية الأمم المتحدة علينا.
أيها الفاشلون، لا قوة في الكون يمكنها أن توقف فلسطين عن الانتصار بانتفاضتها.
أما آن لكم أن تتعلّموا «أنّ الحياة كلها وقفة عز فقط»، كما علّمها أنطون سعاده وحياها، فخلُد ملهمَ حقّ وحرية لشعبنا والعالم، أبد الدهور؟
كفى! قبل ان يجرفكم سيل الانتفاضة الهادر قريباً.
ناشر موقع حرمون