فؤاد الشمالي شاعراً… انتصر على الموت بلا رياء ولا جهد مسرحيّ إنما بالنضال والحبّ
لمى نوّام
وُلِد المناضل فؤاد الشمالي في بلدة السهيلة الكسروانية عام 1936، أتمّ دروسه الثانوية في الجامعة الوطنية في عاليه، وأُجيز في الحقوق من الجامعة اليسوعية في بيروت. انتمى إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1948، وتولّى مسؤوليات قيادية فيه. وعند انطلاقة حركة «فتح» انضمّ إلى العمل النضاليّ المسلّح عبرها، وكان من أبرز القياديين الذين ساهموا في تعريف الرأي العام العالمي إلى الثورة الفلسطينية.
شارك الشمالي في المحاولة الانقلابية التي قام بها الحزب السوري القومي الاجتماعي ليلة رأس السنة 1961 ـ 1962، وحُكم عليه غيابياً بالسجن، فظلّ متخفّياً لفترة قبل أن ينتقل إلى الأردن، مع عدد من القوميين. ثمّ راح يتنقل بين باريس وغيرها من المدن الأوروبية مثل جنيف ولوزان، بحسب ظروف عمله كما ظروفه الصحية لاحقاً. وقد بدأ عمله، إلى جانب تسجيله في جامعة السوربون لنيل شهادة الدكتوراه التي حالت الظروف دون إنجازها، في اتحادات الطلبة العرب قبل أن يلتحق بالثورة الفلسطينية.
عمله في هذا المجال لم يقتصرعلى الجانب الثوري الذي جرى التركيز عليه إعلامياً، لأن نشاطه في إيجاد مراكز لفتح في أوروبا وإلقائه المحاضرات وعقده الندوات واللقاءات مع شخصيات ثقافية وعلمية دعماً للمسألة الفلسطينية، لا يقلّ شأناً عن النشاط الذي اتخذ صفة العمل الكفاحي المسلّح.
تزوّج فؤاد الشمالي من إليسار سعاده، كريمة زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي ومؤسسه أنطون سعاده، وذلك عام 1963، وكات قد تعرّف إليها من قبل في لبنان، يوم كان يتولّى مسؤولية منفّذ عام الطلبة الجامعيين في بيروت عام 1961.
أُصيب فؤاد بالسرطان عام 1966، ولكنه واصل النضال بأشكاله كافة حتى الساعة الأخيرة من حياته. كان، على ما كتب عنه الشاعر الشهيد كمال خير بك «يستشهد كل يوم وكل دقيقة. كان تحت وطأة السرطان، ينحني مرتين: مرة على آلامه الهائلة ومرّة على جراح وطنه، يمسِك أحشاءه بيد وباليد الأخرى يخطب ويكتب ويقاتل».
استمرّ فؤاد في النضال على رغم مرضه الذي كان ينظر إليه باستخفاف، حتى الثالث من آب عام 1972، تاريخ وفاته. وقد نُقل جثمانه لاحقاً وأقيمت له جنازة حاشدة ودُفن في مقبرة الشهداء ـ الطيونة. وطبعاً هناك عدد من المقالات والبيانات الحزبية والفلسطينية التي نعت الشهيد وكتبت عنه، وعما كان يمثّله في حقيقة الصراع الدائر في أمتنا.
واليوم، ضمن سلسلة نشاطات «كلمة مقاومة»، نظّمت جمعية «حق وخير وجمال»، و«دار نلسن»، ندوة حول ديوان «من بحر الموت» للمناضل الراحل والشاعر المقاوم فؤاد الشمالي، وذلك مساء الخميس الماضي، في صالة المنتدى في مبنى «جريدة النهار» في ساحة الشهداء. ناقش الديوان كل من الدكتورة فاتن المرّ، الدكتور محمود شريح، الدكتور لؤي زيتوني، والكاتب حليم رزوق. كما شهدت الندوة قراءات شعرية من قبل الشاعرة أمية درغام والشاعر محمد صوّان، وعزفَ مقطوعات موسيقية من العازف طارق بشاشة.
حضر الندوة عدد كبير من القوميين والوجوه الإعلامية والثقافية، تقدّمتهم إليسار أنطون سعاده.
كلمات ومداخلات
الكلمة الأولى كانت للكاتب حليم رزوق وجاء فيها:
لا تقولوا مات صوت الشاعر الحرّ الغريب
قبل أن ينشر في الأرض حريقه
لا تقولوا مات لم يكمل طريقه
ها رفاقي حملوا عنّي الصليب
أنّى لي أن أكتب عن فؤاد الشمالي. لا بل أنّى لي أن أخوض غمار هذا البحر العميق والمترامي. إنها مهمة تُقارب الاستحالة.
ولكن، لأن لفؤاد على حق، هو حقّ على جيل بكامله عاش وتربّى على مواقف ونضالات فؤاد. ولأن فؤاد عنى لي الكثير، ليس فقط بسبب صلة القربى التي قد تكون الأضعف بين الحلقات، إنما بسبب وهجه وشخصيته الآسرة وروحه الساخرة والمحبّبة، ذلك ما جعلني أجرؤ وأقبل خوض هذه المغامرة.
من زواج مارونيّ تخطّى التقاليد في أوائل القرن الماضي، بين ماروني من كسروان، أي قلب لبنان، هو المحامي أسعد منصور الشمالي، وبروتستانتينية من مرجعيون، أحد الأطراف الجنوبية لـ«دولة لبنان الكبير»، هي سمية سليم مسلّم، وُلِد خمسة أبناء وبنتان، كان فؤاد الثالث بينهم.
كان، على ما كتب عنه الشاعر الشهيد كمال خير بك، يستشهد كل يوم وكل دقيقة. كان تحت وطأة السرطان، ينحني مرّتين: مرة على آلامه الهائلة ومرة على جراح وطنه، يمسِك أحشاءه بيد وباليد الأخرى يخطب ويكتب ويُقاتل. ومن أجل هذه الآلام الكبيرة، رأيناه يعمل ليلاً ونهاراً بصبر الأبطال الصامتين المجهولين حتى الساعة الأخيرة من حياته.
ويُتابع كمال خير بك: كان فؤاد الشمالي، الذي عايش موته طوال هذه السنين، ينتصر على جسده كل الدقائق وكل الساعات التي ملأها، بلا رياء ولا جهد مسرحي، بالنّضال والحب والشعر والمرح.
وتحضرني في هذا الصدد، كما أقراني من أقرباء فؤاد، كيف كنّا نشعر كأنما هو ينظر باستخفاف إلى مرضه، الذي عنى ولا يزال يعني للكثيرين الرعب بذاته.
وإلى ذلك، كان فؤاد، كما قرأنا في الأبيات الشعرية التي تصدّرت مقدّمة ديوانه، شاعراً حرّاً وغريباً، وكل شاعر حقيقي، في رأيي، هو حرّ وغريب. لا بل قد تكون الحرّية والغربة من صفات الشاعر الشاعر. فالحرّية التي تنطوي على التمرّد الخلاق تقود حكماً إلى غربة الشاعر. وهو، وإن كان مُقلّاً في نصوصه المكتوبة، فإن القليل الذي تركه يُؤكّد على شاعريته.
ثم ألقت الدكتورة فاتن المرّ كلمة جاء فيها: يستعين الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار بالعناصر الأربعة الماء، الهواء، الأرض، النار التي تناولها الفلاسفة القدماء لدراسة المحفّزات التي تُساهِم في إلهام الكاتب. وفق باشلار، تظهر في العمل الإبداعي تجليات عنصر أو أكثر تحمل دلالات عميقة. فالخيال المبدع يحتاج إلى رمز من عالمنا المحسوس ليحمّله مخزون العواطف والأحاسيس. تلك العناصر الأربعة تشكّل المحور الذي بُنيت عليه قصائد فؤاد الشمالي، حتى يبدو كأن الشاعر قد خلع عنه رداءه الإنساني ليتّحد بها، ليُصبح هواءً وماءً وأرضاً وناراً.
إن الإشارات إلى الماء والهواء هي الأكثر ظهوراً في المجموعة الشعرية التي نحن في صدد دراستها. الماء وفق باشلار قد يكون عنصراً أنثوياً، أمومياُّ، فالماء هو المحيط الذي يتكوّن فيه الإنسان، وله دلالات على الانبعاث والتجدّد والتطهّر. في هذا الإطار يستعيد الشمالي صورة أمّه فتتراءى له نبعاً رقراقاً، والنبع بمياهه الجارية النقية يحمل دلالة الولادة والطهر، كما يحمل صفة الديمومة، الاستمرارية التي تنفي النضوب فتسكن مخاوف الطفل من فقدان الأم. يقول لها:
«يا ميمتي
يا نبع ما بيشحّ
يا ميّة عيوني…». ص 29 .
ولكن للماء في شعر فؤاد الشمالي دلالة أخرى هي الرحيل، الموت.
يقول باشلار: «إن الموت اليومي هو موت الماء. الماء يجري دائماً، الماء يقع دائماً، وينتهي بموت عمودي». تتجلّى هذه الصورة بوضوح في شعر فؤاد الشمالي، إذ ترتبط الحياة بالترحال والموت بالرحيل الأخير عبر البحر:
«العمر رحلة زغيرة
والموت بحر…». ص 12 .
أو «الحب مينا ناطرة
والموت بحر…». ص 35 .
فالماء كما يكتب باشلار، هو عنصر الموت الشاب والجميل، يبحث في المسوغات التي حملت الإنسان الأوّل على صناعة مركب ليمخر به عباب الموج ويُواجه الأخطار العظيمة، فالفائدة وحدها لا تُفسّر المخاطرة، يقول إنّها بلا ريب مسوغات قوية، حملت رغبة عاتية وأحلاماً كبيرة. البحّار الأوّل هو الإنسان الأكثر شجاعة. لهذا، يبدو الموت في شعر فؤاد الشمالي، عندما يرتبط عبر الاستعارة بالبحر، موتاً عظيماً، عالماً لا نهاية له ينتظر الشاعر، فيواجهه، بحّاراً مُجرّداً من المخاوف، مستعدّاً لخوض تلك الرحلة الأخيرة.
العنصر الثاني، أي الهواء، وهو يحمل معنى الحركة، ومرّة أخرى الرحيل، ولكنّه رحيل يحرّر الشاعر من كل ارتباطاته وأحلامه المادية. فالهواء الذي لا يحمل شيئاً، ولا يقدّم شيئاً يُحرّر الإنسان من الرغبة.
قد تحمل صورة الريح حين تتحوّل إلى عاصفة، معاني الغضب والعنف، فتصبح العاصفة شخصية أسطورية تبث الرعب حيث تمرّ:
«خمسين شمعة قتلتُن هالعاصفة
والريح خلف الباب
والبلبل اللاطي ورا الشباك
تنتّف جناحو
زيحي ستارات الصوف… بلكي العاصفة
بتستتر بعهرا
بتضبّ شعراتا على صدرا
وبتروح تبكي بعيد …». ص 18
ولكن بعد المحاولة غير مضمونة النتائج بلكي لصدّ العاصفة بوساطة ستائر الصوف التي ترمز إلى دفء الحياة المنزلية وحميميتها، تأتي عبارة تحمل في طيّاتها مفتاح الخلاص والوسيلة الأنجح لإسكات عنف العاصفة: «وناوليني كتاب هالشعر القديم»، فإذا بالشعر يقف ندّاً لكل الرموز السلبية التي تحملها العاصفة.
ويبدو الرمل، في شعر الشمالي، مكوّناً من مكوّنات الأرض، ولكنّه المكوّن الذي يرتبط بمعاني القحط والجفاف، أي بالشيخوخة، فلا عجب إذاً أن يضعه الشاعر في مواجهة الطفولة التي تحمل دلالات الخصب والحيوية:
«والطفولة فارس
صدّ حجوم الرمل…». ص 57 .
أمّا المرأة، المرأة الجبّارة الممثّلة بهاليس، فيمنحها الشاعر تشبيهاً يربطها ربطاً وثيقاً بالأرض، فتُصبح هاليس «حلوة متل تراب عم ينطر شتي». ص 41 . وهنا يتجلّى التمييز بين الرمل الذي يرمز إلى الصحراء بفقره وانعدام الزرع فيه، وبين التراب القابل لحمل نتاج غنيّ.
وترتبط تجليات القوّة النفسية أيضاً بمفهوم النار، العنصر الرابع الذي لا يظهر إلا مرّة واحدة في هذه المجموعة الشعرية، ولكن لهذا الظهور الوحيد دلالات قوية. يقول: «بقلبي ألف بركان عم بيفوح». ص 14 .
والنار وفق باشلار تحمل صفات متعارضة: هي داخلية وخاصة وهي كونية، تسكن في القلب كما في السماء، تلتمع في الجنة وتحرق في جهنم، هي رقة وعذاب، فهي بذلك واحدة من وسائل تفسير الكون. تلك النار التي تستعر في قلب الشاعر الذي يصبح عبر الاستعارة بركاناً يرمز إلى الرغبة في التغيير، في إيصال حياته الشخصية، كما الأهداف التي يطمح إليها في الحياة العامة إلى ذروتها، وذلك كالبركان الذي يتفجّر، في أقصر وقت ممكن. كأنّ الشمالي، الذي كان يعرف أن العمر سيكون بخيلاً في السنين التي سيمنحها له، أراد أن يحقّق التغيير الذي يصبو إليه، بكل ما أوتي من طاقة عقلية وجسدية وبأسرع وقت ممكن. يرى المتصوّفون في البركان الوسيلة التي بوساطتها تتطهّر الأرض وتتجدّد. وفي بركان فؤاد الشمالي، كما في بركان كمال خير بيك، رفيقه في الصراع وفي الحلم، توق إلى مواجهة الشرّ الذي ما فتِئ يسعى إلى خنق أحلام المؤمنين.
وكانت مداخلة للدكتور لؤي زيتوني جاء فيها: قد يكون الفعل النضالي عملية تضحية رسالية تستهلك حياة الفرد وفكره، وتسمه بطابع ينفي عنه كلّ وجهٍ آخر، نظراً إلى كونه فعلاً يحتاج إلى تكريس تام للوقت والجهد والدم… وقد يكون الفاعلون في معترك النضال لا يملكون الحياة اللازمة التي تُؤهّلهم كي يُبرزوا خلفيتهم الثقافية والوجدانية، تلك التي أدّت بهم إلى هذا المستوى من الالتزام والانتماء.
لكن هذه الحال لا تنطبق على النتاج الإبداعي الذي بين أيدينا الآن. فمع أنّ صاحبه مناضل من الدرجة الأولى، إلّا أن ذلك لم يمنعه أن يكون عاشقاً ومبدعاً ورؤيوياً في الآن عينه. ولعلّ هذا يمكن أن نستشفّه من خلال مقاربة ديوانه «من بحر الموت» الذي يُبرز حقيقة ما نذهب إليه.
ومن هذا الباب، نجد في الثنائيات الدلالية المبثوثة داخل الديوان، مسلكاً يوصلنا إلى معرفة الأبعاد الخفيّة من حياة فؤاد الشمالي. فكيف يقدّم لنا الديوان ذلك؟
ثنائية الغربة ـ الألفة: تبرز هذه الثنائية على نحوٍ فاعل داخل قصائد الديوان موضحة هذا الصراع النفسي ـ العاطفي الذي عاشه الشاعر في ظل الغربة، سواء مادياً أو معنوياً.
ثنائية اليأس ـ الأمل: هذه الثنائية التي تبدو أكثر عمقاً في الديوان، لا تخلو منها أيّ قصيدة، وهذا ما يدعونا إلى الاعتقاد أن الصراع النفسي لدى الشمالي يتجلّى بشكله الأوضح داخل هذه الثنائية:
«يا ربي ليش تا قدّم عذابي
ع مذبح شعب عشقان الخطيّة
وليش تا خلقت هالأمة الشقية
تتصلبني؟ تإفديها بشبابي؟
تتنكرني وتعبدني رخامة؟
وتنسى لوعتي وحبّي وحناني
وتنكر دم بإيدا أمانة
وتفرح كل ما زادت آلامي…».
ثنائية الحياة ـ الموت: تأتي الثنائية الوجودية الأشمل والأكثر مصيرية لتدلّل على هواجس الشاعر النهائية من الثنائيتين آنفتَي الذكر. إذ إن الهجس بالمصير الوجودي للإنسان بدا واضحاً في طيّات الديوان. وقد اتّخذت منحىً قلقاً بين اليقين بالمصير المأسوي للفرد، وبين حياة منشودة تحوي أملاً بقلب ذلك المصير. لذلك يحاوره الموت، بداءةً معلناً:
«يا موت!
ع مهلك ع إيامي
عندي قصايد بعد ما قلتا
عندي خبار
مخبّيا لبعدين
ع بيادري غلّة سنين مكدّسِه
خايف تمرّ الريح
بكرى وتاخدا
خلّي ولنّو الطير
يدرّي مواسما…».
شريح
«البناء» حضرت الندوة وواكبت فعالياتها، وأجرت لقاءات جانبية مع المنتدين.
الدكتور محمود شريح أدلى بتصريح إلى «البناء» جاء فيه: الندوة هذه لتخليد ذكرى الرفيق الراحل فؤاد الشمالي، الذي انتمى إلى الحزب القومي السوري الاجتماعي وهو حدث بعد، وذلك عام 1948، أي قبل سنة واحدة من استشهاد زعيم الحزب وباعث النهضة السورية القومية الاجتماعية أنطون سعاده. ثمّ تبوّأ مناصب عدّة في الحزب، وآخرها قبل سفره إلى باريس والمنفى، تولّى مسؤولية منفّذ عام الطلبة في بيروت.
وكما قلت في مداخلتي، أننا يمكننا الإضاءة على فؤاد الشمالي النضالي كشاعر، من منطلق سعاده فقط، لأن الإيمان بأن مقاومة أعداء الأمة لا بدّ أن تشمل الأدب، فنهل فؤاد الشمالي من تراث بلاد الشام وأدبها، ومن تراثها الميثولوجي الذي أشار إليه الزعيم سعادة في كتاب الصراع الفكري في الأدب السوري.
الشمالي
وقالت فيلومين شقيقة الراحل فؤاد الشمالي: أشكر جمعية «حق وخير وجمال» و«دار نلسن» لتكريم شقيقي الراحل. وإن كان لدينا عتب كبير، إذ مرّت أربعون سنة ولم يذكره أحد. أشكر القيّمين على هذه المبادرة، في حين أبت الدولة، عمداً أو عن عجز، أن تبادر إلى تكريم شقيقي. في أوروبا حيث كان فؤاد يعيش، كُرّم من قبل جهات كثيرة، لكنه في لبنان يُكرّم للمرّة الأولى .
زيتوني
وقال الدكتور لؤي زيتوني لـ«البناء»: معرفتي بالراحل فؤاد الشمالي كانت من خلال الاطلاع على فعله النضالي في مرحلة الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي، التي شارك فيها في العمل النضالي في أوروبا مع حركة فتح، وانتمائه الأوّل إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي. ومؤخّراً، اكتشفت أن لديه ديواناً شعرياً، وهذا ما دفعني إلى الإعجاب به أكثر، لأنه إنسان ثوري مناضل، وينظم الشعر أيضاً.
وأضاف زيتوني: عندما قرأت ديوان «من بحر الموت»، لفتتني مواضِع فيها شاعرية حقيقية، فهي ليست على قاعدة «المستثقفين» الذين يكتبون شعر ليظهروا للرأي العام أنهم مثقفون، ولكن على قاعدة الشعر القصيد الذي يظهر من خلال المعاناة التي ظهرت في الشعر.
وأكّد زيتوني: هذه المعرفة، قرّبتني أكثر من فؤاد الشمالي، وبيّنت لي أنه ليس فقط مناضلاً مهماً، فهو أيضاً شاعر ورؤيوي كبير. وبحسب الدراسة النقدية التي قدّمتها، يمكننا القول إن فؤاد الشمالي المناضل قد كشف عن وجهه الإبداعي الصريح في ديوان «من بحر الموت» وقدّم نفسه شاعراً حقيقياً. وتبيّن لي أن هناك ثنائيات دلالية مرتبطة بأبعاد وجودية واضحة تتمحور حول المصير الإنساني. فكانت ثنائية الغربة/لإلفة التي غلب فيها الشعور بالغربة المادية والنفسية، ثم ثنائية اليأس/الأمل التي أظهرت القلق الكيانيّ الذي يطغى على ذاته، وختاماً ثنائية الحياة/الموت التي أطلقت تحويلاً لمفهوم الموت، إذ بدل أن يكون مصدر رعبٍ فقط، أضحى حالاً مرغوبةً بوصفه أملاً في طريقٍ لحياةٍ جديدة. وعليه، فإنّنا لا بدّ من أن نعترف بشاعرية فؤاد الشمالي أسلوباً ورؤيةً، كما فرض نفسه منضالاً قيدوماً.
المرّ
وقالت الدكتورة فاتن المر لـ«البناء»: أقمنا هذه التكريم للمناضل الراحل فؤاد الشمالي، وقد قدّمنا موعد التكريم تزامناً مع ذكرى استشهاد رفيقه في الصراع والنضال الشاعر كمال خير بك. ووددنا أن نُسلّط الضوء على صفته كشاعر، إضافة إلى صفته كمناضل. ونعود ونوصل شعره واسمه وتاريخه إلى الجيل الجديد الذي أوشك نوعاً ما على نسيانه.
وأضافت المر: ركّزت في مناقشتي خلال الندوة حول ديوان فؤالد الشمالي «من بحر الموت»، على العناصر الأربعة الماء، الهواء، الأرض، والنار في هذا الديوان، وهو الديوان الوحيد للشمالي. فقُمت بدراسة العناصر الأربعة التي تحدّث عنها الفيلسوف الفرنسي باشلار وطبّقتها على ديوانه الشعري.