«أن بي أن»
أربعة أيام تفصلنا عن عقد الجلسة التشريعية تحت شعار الضرورة، والمواقف حتى الساعة واضحة:
الرئيس بري مصرّ على عقد الجلسة، وهو لأول مرة يخاطر بالميثاقية، لأنّ عدم تأمينها عبر الكتل المسيحية الوازنة، أقل خطراً من انتحار لبنان على المستوى المالي في حال عدم توفير نصاب الجلسة.
الكتل المسيحية الوازنة، مدعومة من بكركي، لن تحضر وموقفها أيضاً واضح، فالمطلوب الشراكة الوطنية، ليس فقط على المستوى المالي، إنّما الأهم على مستوى قانوني الانتخاب وإعادة الجنسية، المطروحَين أمام مجلس النواب منذ حوالي 10 سنوات.
وفيما يحضر النواب المسيحيون المنتمون لتيار «المستقبل» وتيار «المردة» الجلسة، يبقى ترقُّب مواقف نواب حزب «الطاشناق» والنواب المسيحيين المستقلين الذين يحاولون فتح كوّة ما، تحمي الميثاقية وتؤمّن عقد جلسة يخرج فيها الجميع «لا غالب ولا مغلوب».
جلسة التشريع هذه كشفت المذهبية المقنّعة وراء الشعارات الوطنية، وخلطت أوراق التحالفات التي ازدادت هشاشتها.
وما باتَ يُعرف بـ»سلطة حكم الأزعر»، نجح في جعلنا نلهو أياماً مضت عن النفايات المتكدّسة والحلول المستحيلة، وجعلنا حتى ننسى أنّ بيننا 1800 أستاذ مهني وأكثر من 500 موظف في وزارة الزراعة، لم ينالوا رواتبهم حتى اليوم، لأنّ في السلطة من قرّر ابتزاز الفقير حتى في تعبه وشقائه.
«الجديد»
ما خلا الماراتون الرياضي في بيروت اليوم أمس ، فإنّ الكتل النيابية تهرول إلى الخلف وتسحب الضرورة من عمق التشريع، لتعطّل خميساً أصبح في عداد السكارى. فالنصاب يتلوّى والكتل الرئيسة من المكونات المسيحية، ستبدأ بإعلان مواقفها تباعاً مطلع الأسبوع، لكنها باتت أقرب إلى عدم الحضور، من «الكتائب» المحسوم غيابها، إلى «القوات» التي ستقرّر غداً اليوم ، فـ»التيار» المعلّق على موقف معراب بعد صفاء «ورقة النيّات» وتوحيدها على بند الجلسات.
أما الحاضرون فهم غائبون اليوم، وأبرزهم وليد جنبلاط المغرّد في وضعية الراحة «ومسطّح عالطراحة»، كما كتب على «تويتر»، منتقداً «الخلط والعلك طول الوقت».
هذه المقاطعة، وصلتها اليوم عِظة روحية مساندة، إذ أعلن البطريرك الماروني بشارة الراعي، وبخلاف تصريحاته السابقة، أن لا تشريع بغياب الرئيس، مرشداً الحكومة ومجلس النواب إلى اتّخاذ إجراءات، سمّاها تقنيّة، حيال المشاريع المالية.
لكن الراعي أصاب الهدف بانتقاده غياب قانون الانتخاب عن الجلسة، وهذا ما يدفع الكتل المسيحية البارزة إلى المقاطعة، لأنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يقدّم مبرّرات دستورية أو سياسية تمنع إدراج المشاريع الانتخابية على جدول الأعمال، ولم يدلِ بالأسباب الدفينة الكامنة وراء ترحيل مشاريع قوانين الانتخاب إلى اللجان. ومن هذه الأسباب أن أيّاً من الأطراف غير جاهز حالياً للانتخابات النيابية، وربما يتقدّم تيار «المستقبل» هذه الأطراف، حيث تقول أنباء السعودية إنّ زعيم التيار سعد الحريري المقفلة صناديقه المالية، لن يسمح له وضعه بفتح صندوقة انتخابية، وهو بحسب تعبير أوساط سعودية بارزة «موضوع في الثلاجة» داخل المملكة، ولم يحنْ أوان فتح الباب بعد.
ولن يكون الحريري وحده المتضرّر من الانتخابات، إذ إنّ أطرافاً سياسية كثيرة لن تقيم وزناً لعملية انتخابية ستعطيها النتائج عينها. من هنا يصبح مطلب سمير جعجع وطنياً، ومن هنا يقرأ كلام البطريرك الراعي على أنّه استثنائي في توقيته، لأن أيّ حلول خارج قانون انتخاب عصري وتعطيل التمديد الثالث، ستبقي البلاد تحت وابل من سلطة تآكلها الفساد، وترنّحت على رائحة النفايات، واستحلّت التمديد غير المكلف، وتحلم بمزيد من ديكتاتورية ناعمة.
المستقبل
في الأيام الثلاثة الفاصلة عن جلستي تشريع الضرورة الخميس والجمعة المقبلَين، البلاد تعيش على حافّة الهاوية في مسار الحفاظ عل المؤسسات الدستورية. فانعقاد الجلستين من دون مشاركة «القوات» و«التيار العوني» و«الكتائب»، على خلفية أولوية انتخاب الرئيس، ستكون له انعكاساته على مسار الوحدة الوطنية والتحالفات السياسية في البلاد.
فيما عدم انعقاد الجلستين، سيترك بصماته على العمل التشريعي، فيؤدي إلى شلل المجلس النيابي، واستطراداً إلى أخطار داهمة على الاستقرار الاقتصادي والمالي في البلاد، في ضوء عدم إقرار عدد من المشاريع واقتراحات القوانين المتّصلة بالشأن الإنمائي، والمتعلّقة أيضاً بعلاقات لبنان الدولية لناحية مكافحة التبييض ومواجهة الارهاب.
المعلومات المتطابقة أكّدت اليوم أمس أنّ تحرّكاً ستقوم به شخصيات في قوى الرابع عشر من آذار، باتجاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في محاولة لإيجاد مخرج من المأزق الراهن. في وقت ينتظر أن يعقد غداً اليوم رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مؤتمراً صحافياً، يتحدث فيه عن الوضع المتعلّق بجلسات التشريع. وقد طرحت مصادر سياسية أسئلة عمّا إذا كانت «القوات» ستعارض المشاركة في الجلستين بالمطلق، أم أنها ستفصل الشقّ المالي والاقتصادي وعلاقات لبنان الدولية، عن مسار الجلستين، لتُبقي على تمسّكها بإدراج قانون الانتخابات على جدول أعمال الجلسة.
واليوم نبّه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، من خطر داهم على الاستقرار النقدي والمالي، معتبراً في الوقت نفسه أنّه في ظل الفراغ الرئاسي لا يمكن التشريع بشكل عادي، ولا الخلط بين الضروري الوطني وغير الضروري، مشدّداً على التقيّد بالدستور، معتبراً أنّ أولوية العمل في المجلس النيابي تبقى انتخاب رئيس للجمهورية.