بين عاصمة التسويات ومملكة الدماء وضياع الحلّ في سورية

علي ابراهيم مطر

يعوّل الكثيرون في العالم على نجاح مؤتمر فيينا حول سورية، لما لعاصمة التسويات – إذا أمكن تسميتها – من أهمية في نسج حلول الأزمات العالمية، كونها شهدت مؤتمرات عدة لابتداع الحلول لأزمات حصلت عبر التاريخ وصولاً إلى توقيع الاتفاق النووي بين السداسية الدولية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.

دون أدنى شك أنّ للاجتماعات التي تحصل في فيينا ـ مدينة الديبلوماسية وعقد الاتفاقيات العالمية التي وقعت فيها الاتفاقات التي تنظم العلاقات الديبلوماسية بين الدول ـ ذات أهمية معتبرة – للوصول إلى حلّ للأزمة السورية إذا أرادت الدول المجتمعة ذلك وعقدت النيات على الوصول إلى حلّ للأزمة.

اجتراح هذه الحلول قد يكون ممكناً، لما نراه من ظروف محيطة بالأزمة المعقدة، لا سيما بعد دخول روسيا على خط محاربة الإرهاب وإظهار زيف الغرب في ادّعاءاته بأنه يحارب الإرهاب من خلال التحالف الدولي. لكن حتى الآن يُطرح سؤال جوهري ليست الإجابة عليه باليسيرة، فكيف يمكن لهذه الحلول أن تبصر النور في ظلّ مشاركة مملكة تدعم سفاكي الدماء، وهي التي غذّت الوحش ودعمته ليكبر ويبطش ويمتصّ دماء السوريين، إنها المملكة الوهابية التي لا يمكن أن تسمح بالحلول طالما أنها تدعم الإرهاب والإرهابيين، وتمدّهم بالأموال والسلاح، وتضغط لمنع تسمية جماعات الإرهاب المفترض محاربتها بأنها إرهابية ووقف الدعم لها، على طاولة البحث في أروقة قصور فيينا.

كيف يمكن أن نصل إلى حلول في منطقتنا العربية وهناك دولة تسفك دماء الأبرياء في سورية والعراق واليمن والبحرين مباشرة وبالوكالة؟ كيف يمكن ذلك وهناك نظام يتبنّى التفسير الوهابي التكفيري للإسلام ويبيّن الإسلام كما يشاء ووفق مصالحه ويشوّه صورة المسلمين الطيبة، ويسخّر إمبراطوريته الإعلامية الوحشية لتحقيق أهدافه اللاإنسانية. هذه الماكينة الإعلامية التشويهية أثرت بشكل كبير للأسف في الشباب المسلم في مختلف أنحاء العالم، وأنتجت جيشاً من «الدعاة» المتشدّدين أصحاب الأفكار التفكيرية، مستخدمة المنابر لنشر أفكار الوهابية.

لا بل أنّ السعودية سمحت لهؤلاء بالتوجه للتأثير بالشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليتحوّلوا إلى «مشاهير» في التكفير يتابعهم الآلاف لا بل الملايين من الشباب المسلم الذي يتأثر بأفكارهم فيذهب إلى القتال في سورية. ووصل تتبّع البعض منهم إلى 8 ملايين مثل محمد العريفي على «توتير»، وتأتي السعودية وتدّعي أنها تريد التصدّي لتنظيم «داعش»، وهو الوحش الذي صنعته أياديها السوداء، ولكن هذا هراء وزيف، وقد بدأنا نرى كيف أنّ جرائم الوحش تصلها بشكل متكرّر.

كيف يمكن أن تسمح السعودية بحلّ الأزمة وهناك تقارير تتحدّث عن مشاركة أكثر من 7 آلاف سعودي في القتال في صفوف «داعش»، ناهيك عمّن يقاتل في صفوف «جبهة النصرة» – فرع القاعدة في بلاد الشام، ومعظم هؤلاء يشاركون في عمليات انتحارية، وقد ظهر العديد منهم على موقع «يوتيوب». وحتى الآن يزداد عدد السعوديين المقاتلين في صفوف الجماعات الإرهابية، لا سيما بعد توسع «داعش» بشكل كبير في العراق وسورية، كما أنّ هناك بيئة حاضنة كبيرة لهؤلاء داخل السعودية، وحتى الآن تستمرّ السلطات السعودية في التغطية عليهم، لا بل أنها تعتبرهم «ثواراً» وتريد إسقاط النظام السوري ليحكم هؤلاء! فكيف يمكن لحلّ أن يحصل من خلال دولة تعتبر الإرهابيين على حق! وتستمرّ في إطلاق الأكاذيب وتعمل بمعايير مزدوجة في محاربة الإرهاب وهي تقتل شعباً بأكمله في اليمن؟

نحن هنا لا ننعى مؤتمر فيينا، ولا نقول إنه يستحيل الوصول إلى حلّ للأزمة السورية، لكن دون أدنى شك أنّ الحلّ يريد أطرافاً لديها نيات حقيقية في الوصول إلى حلول ولا تتحدّث بشيء وتفعل عكسه على أرض الواقع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى