فيينا… التفصيل والمقاسات وفق الرؤية السورية

جمال رابعة

في مؤتمر جنيف2 لوّح وزير الخارجية السوري وليد المعلم بإصبعه موجهاً رسالة إلى وزير الخارجية الأميركي جون كيري قائلاً: «سيد كيري لا أحد في العالم له الحق في تدمير الشرعية أو التدخل في سورية ولن يقرّر مصير سورية إلا السوريين أنفسهم».

في زيارة لي ضمن وفد شعبي إلى إيران ووفق البرنامج كان هناك لقاء مع الدكتور علي أكبر ولايتي مستشار المرشد السيد علي الخامنئي، في هذا اللقاء أكد الدكتور ولايتي تواصل الدعم الكبير للدولة السورية برئاسة الدكتور بشار الأسد، وجاء في معرض حديثه أنّ المتآمرين على الدولة السورية تصوّروا أنّ أسابيع عدة وتسقط سورية، وقد مضى أكثر من أربع سنوات والدولة صامدة وأصبحت أكثر مقاومة واكثر شجاعة، وقال أيضاً إننا لن نوافق على أية مبادرات لن يوافق عليها الشعب السوري والرئيس بشار الأسد.

ما كان يُراد في جنيف واحد وملحقاته من قبل أعداء سورية وتحت مسمّى «المعارضة السورية»، هو إسقاط الدولة السورية بالسياسة بعد أن عجزوا بالإرهاب والعمل العسكري بنهكة أميركية صهيونية خليجية تغيب عنها إيران الدولة المؤثرة والفاعلة في أي تسوية سياسية سورية، فما كان من الدبلوماسية السورية وفي مقدّمهم الوزير المعلم وبدعم روسي التركيز على بند مكافحة الارهاب كأولوية لبدأ الحلّ السياسي والحوار.

وفي السياق ذاته وبعد طلب رسمي من الدولة السورية شارك الطيران الروسي بقوة الى جانب الجيش العربي السوري في العمليات العسكرية كافة وعلى امتداد الجغرافية السورية، وتم تحقيق نتائج كبيرة بتدمير مراكز القوة لدى «داعش» و»النصرة» وبقية العصابات التكفيرية، حيث تمّ استهداف مراكز التدريب ومستودعات الأسلحة ومقار هذه القيادات الإرهابية.

أما ميدانياً فقد استطاع الجيش العربي السوري أن يحرز تقدماً ملحوظاً في جبهات القتال والمواجهة كافة مع هذه العصابات التكفيرية.

وبالتوازي مع الحسم العسكري، كان لدبلوماسية الهواتف والاجتماعات المتنقلة بين مختلف العواصم العربية والغربية والعاصمة موسكو صدىً تلوح فيه بوادر لحلّ الأزمة السورية، تجلى ذلك في مؤتمر فيينا الذي ضمّ 16 دولة ومنظمتين، كان الحاضر الأبرز الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدعوة من الخارجية الأميركية، وما اتصال أوباما بسلمان إلا لفرض الأمر الواقع ما يؤكد أن هناك تبدلاً في المشهد العام.

ما يميّز مؤتمر فيينا عن مؤتمر جنيف غير العامل الجغرافي معطيات مهمة، ودورها حاسم في صياغة أيّ مقرّرات وبنود، منها المشاركة العسكرية الروسية الفاعلة والمؤثرة والكاسرة للتوازن على قوى الإرهاب وداعميه، مضافاً الى ذلك اللقاء المهم بين الرئيسين الأسد وبوتين وما تمخض عنه من نتائج معلنة وغير معلنة.

أما الحضور الإيراني المميّز والداعم صاغ قوة، وحضور كبير الى جانب الدولة السورية، وكما قال نائب الوزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان «إن إيران لم تسمح خلال اجتماعات فيينا باتخاذ أي قرار عن الشعب السوري».

وفي سياق آخر، ومن خلال قراءة بسيطة لمجريات الأحداث والدول المشاركة في مؤتمر فيينا يتضح لنا أنّ هناك مخرجات كبيرة كان من أهمّها أنّ كثيراً من المعطيات والمفردات والمنظومات والطروحات والأدبيات أصبحت في خبر كان بعد فيينا، وأصبح الحديث الأبرز لأولوية مكافحة الإرهاب والقرار للشعب السوري وضرورة الوصول لحلّ سياسي يشارك فيه كلّ الأطراف.

ما يؤكد ذلك توقيع المشاركين جميعاً على بنود مؤتمر فيينا، حيث أشارت الفقرة الثامنة الى مفردة لفظية، وكما وردت في ذاك البند العملية السياسية وليس العملية الانتقالية وسوف يقود هذه العملية السياسية الشعب السوري وهي ملك السوريين وأنّ الشعب السوري هو من سوف يقرّر مستقبل سورية.

بهذه الصياغة تمّ إلغاء الوثيقة الذي رسم أحرفها وكلماتها في مؤتمر جينيف جيفري فيلتمان ممثلاً لصقور الإدارة الأميركية مخططي الحرب الظالمة على الدولة السورية وشعبها ويسير في ركبهم الفرنسي هولاند والتركي أردوغان وآل سعود من شبه الجزيرة العربية، والذي اقترب زمنها من السنة الخامسة باستسلام لشروط الشعب السوري والدولة السورية باسمها الكبير المقدس الجمهورية العربية السورية.

كما لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الذين حضروا في مؤتمر جنيف وناقشوا وشاركوا بالمناقشات والأفكار والصياغة والتآمر على الدولة السورية معلنين وقتها ولادة بنود جنيف 1 هم اليوم ولا أحد سواهم من وقع على بنود فيينا حيث أضحت نسخة سارية المفعول تحلّ محلّ نسخة جنيف.

المؤكد أنّ موسكو تدرك السياسات الالتفافية للغرب حول الحلّ السياسي في سورية، ومن هنا بالتحديد جاءت المشاركة العسكرية الجوية لروسيا الاتحادية ومساندة الدولة السورية وحلفائها لتحدّ من هامش أيّ مناورات أو استدارات أميركية بهذا الخصوص، فهي من جهة تمضي جدياً في مكافحة الإرهاب وفي نفس المسار تطرح المبادرات والخطوط العريضة للحلّ السياسي في سورية على قاعدة عدم المساس بشخص الرئيس الاسد الذي لا جدال في قيادته لأيّ مرحلة بالعملية السياسية، فكانت رسائل زيارته لموسكو وفرد السجاد الأحمر له كمصادقة روسية غير قابلة للتداول على شرعيته.

من خلال ما تقدّم نفهم أن هناك موافقة ضمنية للروس بنسف جنيف واحد على قاعدة الأولوية في مكافحة الإرهاب بعيداً من الطروحات التي كانت تصرّ عليها الإدارة الاميركية عبر ما يسمّى المعارضة السورية، كحكومة انتقالية بصلاحيات واسعة، من هنا نفهم وبعد المشاركة الروسية بالعمليات الجوية للقضاء على الإرهاب كأولوية يعني أنّ هناك خريطة طريق جديدة ترسم خطوطها في فيينا بحضور الأطراف المؤثرة كافة والمعنية بالحلّ السوري، وما وجود كلّ من روسيا وإيران حلفاء الدولة السورية كطرف أساسي في جنيف، إلا ضمانة أساسية للحفاظ على السيادة الوطنية السورية، وحرية قرار الشعب السوري بتقرير مصيره بنفسه بعيداً عن الهيمنة والعنجهية الأميركية وحلفائها.

عضو مجلس الشعب السوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى