النفايات والحراك
حسين حمّود
أنْسَت الجلسة التشريعية التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري تحت عنوان «تشريع الضرورة»، اللبنانيين ملف النفايات.
على مدى أسبوعين، والبلد بطوائفه وأحزابه وفاعلياته السياسية والدينية والاقتصادية، مشغول بالجلسة، ودخل الجميع ولا يزالون في سجال واسع حول تفسير عبارة «تشريع الضرورة» استناداً إلى المعايير القانونية والدستورية وحاجتها الوطنية والاقتصادية، وما تفرّع عن العنوان من مفاهيم سياسية وقانونية ودستورية، وأهمّها مفهوم «الميثاقية» وما إذا كان مُدرجاً في الدستور كشرطٍ لانعقاد المجلس النيابي والقيام بوظيفته التشريعية، أم هو عُرْف وحاجة لتمتين الوحدة الوطنية. وما إذا كان جائزاً أصلاً، التشريع في ظلّ الشغور الرئاسي، أم لا، بينما لا يزال البلد غارقاً في نفاياته بالرغم من ارتفاع أصوات الجهات والجمعيات البيئية والصحية محذّرة من خطورة بقاء هذا الوضع من دون حلّ، خصوصاً في فصل الشتاء، لما يسبّبه اختلاط النفايات بالأمطار من أمراض وأوبئة فتّاكة.
إهمال بعض الطبقة السياسية ملف النفايات ليس مستغرباً. فقد بدا ذلك منذ حلول الكارثة، وبدل إيجاد الحلول العاجلة للملف حوّلوه إلى مشكلة مناطقية وطائفية، وأُعطيت سلطة القرار في العلاج ونوعه للبلديات التي تكتّلت بدورها وأجمعت على موقف واحد هو رفض كلّ بلدية في أيّ منطقة استقبال نفايات المناطق الأخرى، لتصبح بذلك سلطات فدرالية تتمتّع بالحكم الذاتي بعيداً من السلطة المركزية التي تمثّلها الحكومة العاجزة عن فرض أيّ قرار، ولو تعلّق الأمر بكوارث بيئية وصحية خطيرة.
لكن ما يثير التساؤل هو غياب الحراك المدني الشعبي الذي فجّرته في الأساس أزمة النفايات، عن الساحات، فلا اعتصامات ولا تظاهرات ولا بيانات منذ إعلان وفاة خطة وزير الزراعة أكرم شهيّب ومستشاريه لمعالجة المشكلة، وكأنّ الحراك ماتَ أيضاً.
لكن قيادياً في الحراك نفى أن يكون الوضع وصل إلى هذا الحدّ، أو أن يكون الحراك فشل في تحقيق الأهداف التي انطلق من أجلها، موضّحاً أنّ النشاطات مجمّدة بغية إجراء تقييم التحرّكات التي جرت سابقاً ونتائجها على الحراك والمشاركين فيه من جهة، والتأثير الذي أحدثته على المستويين السياسي والشعبي عموماً من جهةٍ أخرى.
وكشف المصدر عن ورشة عمل لقيادات الحملات الناشطة على هذا الصعيد تهدف إلى إيجاد إطار تنظيمي شامل يضمّ الجميع تحت قيادة موحّدة، ورؤية سياسية واضحة وجامعة بعيداً من اصطفافات 8 و14 آذار وطروحاتهما.
وإذ لفَتَ إلى أنّ التحرّكات لم تغبْ عن الشارع، بل تشعّبت وتوزّعت بين الحملات القائمة التي نفّذت اعتصامات أمام مرافق حكومية متعدّدة في العاصمة والمناطق، أعلن أنّ الإطار التنظيمي الموحّد الجديد يُحضّر لتنفيذ تحرّك نوعي مفاجئ في عيد الاستقلال في الثاني والعشرين من الشهر الحالي، موضحاً أنّ هذه الخطوة لا تزال قيد الدرس والنقاش بين القيادات.
وأشار المصدر إلى أنّ الطبقة السياسية تعاملت بذكاء مع الحراك السابق من خلال التسبّب بصدام بين الناشطين أنفسهم، وهذا ما يتمّ التركيز عليه في النقاشات من أجل تحاشيه في المرحلة المقبلة.
ورفض أن يكون تجاوز الحراك موضوع النفايات إلى مطالب أخرى قد أثّر عليه، مؤكّداً أنّ الهدف ليس فقط معالجة هذه المشكلة، بل إصلاح النظام برمّته ومحاسبة الفاسدين، وهذا الأمر لا يتحقّق إلا من خلال قانون انتخابي يؤمّن التمثيل الشعبي والسياسي لجميع الأطراف في المجلس النيابي وإجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن، لذلك هذا المطلب هو الأساس في التحرّك.
الحراك، إذن، متمسّك بمطالبه بالرغم من «ذكاء» السلطة بحسب توصيف المصدر، وهو يعمل على «تجديد نفسه برؤية سياسية وتنظيمية موحّدة» ليكون أكثر فعالية في نشاطه المقبل، بينما الأزمات على مستوى السلطة تتكاثر يوماً بعد يوم من دون أيّ أفق أو حتى طرف خيط لمعالجة أيّ ملف من الملفات العالقة، وفي طليعتها ملف النفايات الذي ينتظر عقد جلسة لمجلس الوزراء تبدو مستحيلة، بينما الجلسة التشريعية المحدّدة يومي الخميس والجمعة المقبلين غير واضحة المعالم والمصير حتى الآن، والكلّ يتبادلون الاتهامات بالشلل والتعطيل.