خطوة تاريخية وإلا الخطر

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

ليس هناك نقاش يطال أساس عملية بناء الدولة. منذ سنوات ونحن على هذا الحال، نَصِف الواقع ولكن لا نبحث عن العلاج، وكل ما يجري اليوم من حوارات لا يتعدّى إطار حلّ بعض المشاكل الداهمة كمشكلة النفايات. لقد وصلنا إلى مرحلة الفشل وصارت دولتنا من الدول الفاشلة والمريضة التي لا تستطيع مداواة نفسها ولا التكيّف مع طبيعة الظروف الطارئة التي تستدعي تعديلاً دستورياً أو قوانين استثنائية، وحتى رواتب الموظفين بات صرفها يحتاج إلى اتصالات وتوافقات بين أركان السلطة لإتمامها.

لقد أوصلنا الطائف إلى نظامٍ برؤوس كثيرة حتى بتنا لا نعرف حقاً مَن هو الحاكم الفعلي. هذا الاختلال المُزمن لم يصل بالبعض إلى الإحباط فحسب، بل جعل من عملية الإصلاح والتطوير عملية شبه مستحيلة، أما التسويات المؤقتة فلم تجرّ على البلد إلا المزيد من العلاقات السلبية المعقدة، وظلّت مجالاً مفتوحاً للاجتهادات المتناقضة والتجاوزات المختلفة. فما العمل في ظلّ هذا الواقع المأزوم والتطورات الخطيرة في المنطقة. هل نكتفي بالمراوحة أم علينا جميعاً كلبنانيين أن نذهب إلى خطوة تاريخية جبارة ننقذ بها بلدنا ونحمي بها أرضنا ومؤسساتنا.

لقد كان البعض يتذرّع سابقاً بالوجود السوري، فقد خرج السوريون من لبنان. فما الذي حدث؟ هل تخطينا الطائفية والمذهبية والمحسوبيات؟ هل انتقلنا من نظام طائفي إلى نظام مدني عادل؟ هل استقامت علاقة القوى بعضها مع بعض؟ هل أصبح لبنان سيداً حراً مستقلاً؟ هل استطعنا أن ننتخب رئيساً للجمهورية بمفردنا؟

ولقد كان البعض يتذرّع بسلاح حزب الله. وكأن سلاح حزب الله هو سبب أزمة النفايات وأزمة الكهرباء والماء وسبب كل هذا الشلل في مؤسسات الدولة. أليس من المعيب أن يُضلل الناس بهذه الطريقة وتزوَّر الحقائق وتنشر الأكاذيب فيما العلة في مكان آخر لا علاقة لها بالوجود السوري ولا بسلاح حزب الله.

إن شئنا حقاً أن نتخلص من كل الحالات السلبية الماضية فعلينا أن نبدأ من نقطة الصفر. وهذه النقطة هي نظام انتخابات وطني عادل متوازن يتم على أساسه بناء مؤسسة برلمانية جديدة ثم انتخاب رئيس للجمهورية ثم تشكيل حكومة وطنية تنتج ظروفاً أفضل لهذا الشعب.

هذا المناخ الحالي من المناكفات لا يدرك خطورة ما يجري لشعوب المنطقة ودولها، ولا يقدّر مصلحة البلد، وجعل أهل الحكم يخرقون الدستور لحساباتهم الخاصة، أو يريدون تكييفه مع مصالح دول إقليمية ودولية خنقت لبنان وجعلته رهينة له كالسعودية وأميركا وفرنسا. وهؤلاء يريدون رئيساً إمّعة لا يأخذ قراراً إلا بعد مراجعة هذه الدولة أو تلك ويمتنعون عن انتخاب رئيس يريد لبنان سيداً حراً مستقلاً بالفعل وليس على طريقتهم بالشعارات المجانية. من لا يعرف تراب لبنان ولم ينزل ليتبارك منه لن ينجذب إلا لرائحة الصفقات، ولن يكترث إن جاء أعداؤه ليخرّبوه، فمن شغلته أهواؤه الشخصية سينسحق أمام إغراءات دول نفطية أو غيرها ولو كان يعلم أنّ لسياساتها تأثيراً سلبياً على روح بلده وأمنه وقيمه.

وقد سمعنا ما حصل للإعلام اللبناني عندما أراد أن ينتقد ملكاً أو نظاماً كيف تأتي الضغوط من الخارج، ويتفاعل معها كل ضعيف على حساب الحريات والكرامات وسيادة الوطن، فهل المطلوب من لبنان أن يصبح المملكة العربية السعودية أو أن تتغيّر المملكة لتصبح لبنان على صعيد التعايش والتسامح الديني وقوة المقاومة. لا لن نقبل من أميركا أو السعودية أو أي دولة من الدول أن تصادر حق اللبنانيين بالتعبير الحر لقد رفعوا مؤخراً السيف في وجه قناة الميادين ويريدون معاقبتها ووقف بثها، لأنها تكشف جرائم آل سعود في اليمن، فتريد المملكة السعودية الضغط على الدولة اللبنانية للقيام بهذا الإجراء. فهل وصلت الأمور إلى هذا الحد من انهيار المؤسسات والقيم؟ وهل وصلت التبعية إلى مستوى إنفاذ أمر المملكة على حساب مصالح اللبنانيين وقيمهم؟ لذلك لا بدّ من القيام بخطوة تاريخية جبارة، وإلا فإنّ الحريات والأمن والأرض في خطر عظيم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى