رسائل سعودية سلبية للبنان أمنياً وسياسياً

يوسف المصري ـ خاص

بدأت لعبة خلط الأوراق بين ما هو سياسي وأمني وبين ما هو إقليمي وداخلي تتعاظم. أول التحذيرات للبنان من خطورة ما يحدث في العراق وانعكاساته عليه، كان من مصادر استخباراتية غربية، بدرجة أولى الاستخبارات الأميركية وبدرجة تالية من الاستخبارات الألمانية.

وينقل عن السفير الأميركي في بيروت ديفيد هِلْ، أنه بالتزامن مع تحذيرات القنوات الاستخباراتية لبيروت، حذر في مجالسه الخاصة من وجود جهات تريد تخريب لبنان على إيقاع صراعات إقليمية. البعض رأى في كلام هِلْ أنه أوضح كلام أميركي يغمز من قناة المملكة السعودية.

ولم يعد خافياً أنّ تفجير الأمس الذي حصل في منطقة الطيونة عند مداخل الضاحية الجنوبية لم يكن مفاجئاً للمحافل المتابعة بقلق للوضع الأمني في لبنان منذ بدأت أحداث العراق. وكان واضحاً أن سيارة المرسيدس التي حملت ما بين 30 إلى 35 كلغ من المتفجرات كانت تستهدف قتل أكبر عدد من المواطنين في رسالة إلى من يهمّه الأمر تفيد بأنّ فترة الهدنة الأمنية والسياسية في لبنان انتهت، وذلك تسديداً لفاتورة تطوّرات استجدت على ملفيْ الحرب في كلّ من سورية والعراق.

ويفيد هذا التحليل أنّ بعد تأكد الرياض من خسارتها للحرب في سورية، فإنها تشنّ الآن معركة ضدّ أطراف محور الممانعة في كلّ من بغداد وبيروت لإرباكهما، وإضعاف قدرات دعمهما في المعركة السورية.

ويبدو أنّ رسالة العراق اللبنانية عمّمت على أطراف داخلية موالية للسعودية، وهذا ما يبرّر أنه بنفس اليوم الذي حصل فيه تفجير ضهر البيدر، تمّ رصد رسالتين سعوديتين الأولى مكتومة تمثلت بعودة السفير السعودي في لبنان علي العسيري إلى الرياض. وهذا تقليد حفظه اللبنانيون حيث يقوم العسيري بترك البلد في كلّ مرة تقوم فيها الرياض بتصعيد الوضع الأمني، ثم يعود مع ظهور إرهاصات تهدئة أمنية وتدشين مرحلة هدنة سياسية. الرسالة الثانية سرّبتها الرياض عبر دولة الإمارات العربية التي أصدرت خارجيتها بياناً دعا كلّ مواطنيها في لبنان للعودة فوراً الى بلدهم.

وكان الانطباع بأنّ السعودية لا تزال تضع قرار التصعيد في لبنان على الطاولة قد وصل لبيروت حتى قبل أحداث العراق، وذلك من خلال تحليل الإجابة التي قدّمها الرئيس سعد الحريري على سؤال طرحه عليه النائب وليد جنبلاط ومفاده أنه بعد تحييد كلّ من الجنرال ميشال عون والدكتور سمير جعجع من الساحة الرئاسية، فانه بات علينا العمل المشترك لاختيار رئيس توافقي». ردّ الحريري: «بخصوص تحييد عون وجعجع، يمكنني طمأنتك بأنهما ما عادا مطروحين، ولكن بخصوص التوافق على رئيس فإنّ هذا القرار ليس عندي، ولم ينضج بعد عند أصحابه».

… طبعاً يقصد الحريري بأصحاب القرار الرياض، وهذا ما يؤشر إلى أنّ قرارها بخصوص لبنان لا يزال عند مربع استمرار جمود أوضاعه كرهينة للاستثمار بحسب تطورات الوضع الإقليمي الصراعي.

وضمن هذا الانطباع الآنف عن أنّ الموقف السعودي وحلفائه في لبنان ليس جذرياً بخصوص تطوير الهدنة السياسية التي بدأت مع تشكيل حكومة المصلحة الوطنية، فإنّ مرجعاً سياسياً لبنانياً في 14 آذار – تسود مخاوف عليه في هذه الفترة-، عبر في كواليسه عن استيائه من حقيقة أنّ أطرافاً سياسية لبنانية تلقت حدث توسع داعش في العراق بكثير من الارتياح. ومن وجهة نظره، فإنّ هذا يعكس أنّ هناك جهة في لبنان مدّت إحدى يديها لربط النزاع مع الطرف الآخر ضمن حكومة المصلحة الوطنية، وفيما أمسكت باليد الأخرى التي أخفتها وراء ظهرها بخنجر لتشهره في الوقت المناسب.

وخلال الساعات الأخيرة شاع بين أوساط السفارات الغربية في بيروت استفسار ملح، مفاده هل تستطيع طائرة حكومة المصلحة الوطنية أن تقلع في رحلتها التالية التي دشنها الفراغ الرئاسي وذلك بنفس منسوب الانسياب الذي اتسمت به بعد تشكيلها.

تظهر المعلومات أنّ هناك قراراً سعودياً بإنشاء سياسة تجاه لبنان تتكوّن من اتجاهين يسيران في وقت واحد:

ـ الاتجاه الأول هو الحفاظ على حكومة تمام سلام بوصفها حكومة للإمساك بالمرحلة الإقليمية الصعبة فوق الساحة اللبنانية، ومن هنا جاءت دعوة الكويت لسلام لزيارتها مع تقديم وعود له بدعم اقتصادي. وواضح أنّ السعودية فضلت أن تمدّ سلام بمصل كويتي حتى لا يفهم قيامها هي بهذا الأمر على أنه موقف من قبلها موافق على حكومة تضمّ حزب الله.

ـ الاتجاه الثاني هو العودة إلى التصعيد في لبنان تحت مطلب سحب حزب الله من سورية وتشديد الضغط على أطراف محور الممانعة الداعم لسورية، أي بغداد وبيروت.

باختصار التوقعات الاستخباراتية الغربية وأيضاً الدبلوماسية تحذر من صيف ساخن، والسؤال هل تصمد حكومة المصلحة الوطنية ضمن هكذا ظروف صاخبة مستجدة؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى