فياض: روسيا ستردّ على إسقاط الطائرة المدنية بتكثيف العمليات العسكرية وإجراءات ضدّ داعمي الإرهاب
حاورته روزانا رمّال
أكد الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حبيب فياض أنّ «معركة تحرير مطار كويرس هي بوابة الفتح لمعارك أخرى سوف نشهدها قريباً وصولاً إلى تحرير جسر الشغور وحلب، بما يؤدي إلى قلب المشهد الميداني في سورية، وقد رسمت خطوطاً حمراء أمام أي محاولة تركية للانقلاب على التدخل الروسي في سورية».
وأشار فياض، في حوار مشترك بين صحيفة «البناء» وقناة «توب نيوز»، إلى أنّ «الردّ الروسي على عملية سقوط الطائرة، سيكون من خلال تكثيف العمليات العسكرية في سورية وإجراءات عقابية ضدّ الأطراف التي تشكل خلفية داعمة للإرهابيين، ولا سيما تركيا وقطر والسعودية».
وجزم فياض بأنّ «عملية إرهابية كسقوط الطائرة الروسية لن تؤدي إلى تغيير موازين القوى أو معادلات أو تعديلات في الخطط الروسية على مستوى المنطقة»، معرباً عن اعتقاده بأنّ «السبب الأول للدخول الروسي إلى سورية، هو القضاء على الإرهاب، بوصفه عاملاً أساسياً معرقلاً لأي عملية تسووية، والسبب الثاني تثبيت النظام في ظلّ حرب عالمية تعرض لها على مدى خمس سنوات»، موضحاً «أنّ هذا الدخول جاء بتنسيق مع إيران للوصول إلى مرحلة الحسم والجلوس إلى طاولة المفاوضات وفرض حلول سلمية تتماهى مع المزاج العام الذي يريده الشعب السوري».
وإذ اشار إلى التعنُّت والعناد السعودي – التركي – القطري حيال سورية، أوضح فياض «أنّ المعطى الميداني في النهاية سوف يفرض على مسار المفاوضات السلمية».
وفي ما يلي نصّ الحوار كاملاً:
هل ترى تشابهاً بين تداعيات حادثة سقوط الطائرة الروسية في سيناء وما حصل بعد أحداث 11 أيلول 2001؟ وهل ستعطي هذه الحادثة تبريراً للتدخل الروسي في سورية أمام المجتمع الدولي؟
ـ لا شكّ أنّ تعرض الطائرة الروسية لعمل إرهابي سوف تكون له تداعيات أساسية وخطيرة على مستوى المنطقة، لكن أن نقول أنّ هذا الحدث يوازي ما حصل في 11 أيلول على مستوى الولايات المتحدة الأميركية، ففي ذلك الكثير من المبالغة. منذ البداية، عندما اتخذت موسكو قرار التدخل في الأزمة السورية وضعت في حساباتها مجموعة ردود فعل من خصومها، منها أعمال إرهابية تطال مصالحها في المنطقة والعالم. الردّ الروسي على العملية سينحصر في مجالين أساسيين: الأول تكثيف العمليات العسكرية على مستوى الداخل السوري، باعتبار أنّ عملية إسقاط الطائرة تهدف إلى إظهار موسكو بموقف الضعيفة وبالتالي دفعها إلى التردّد في المشاركة العسكرية في سورية، لكنّ روسيا ستتجه إلى المزيد من الانخراط في العمليات العسكرية ضدّ الإرهابيين في سورية. ثانياً، موسكو لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء الأطراف التي تشكل خلفية داعمة للإرهابيين في سورية، بمعنى أننا يمكن أن نشهد مجموعة من الإجراءات العقابية التي تقوم بها روسيا تجاه تركيا وقطر والسعودية، تحديداً، بوصفهم داعمين للإرهاب وربما يكونون قد قدموا نوعاً من التنسيق الأمني للإرهابيين الذين قاموا بعملية تفجير الطائرة الروسية.
هناك طائرة شحن روسية سقطت جنوب السودان كما وجد مسؤول روسي مقرب من الرئيس فلاديمير بوتين ووزير إعلام سابق، ميتاً في أحد فنادق واشنطن. ألا يُعقِّد هذا النوع من الضغط على روسيا خلال المفاوضات السياسية في فيينا؟
ـ الأعمال الإرهابية التي يُمكن أن تتعرض لها روسيا وردود الفعل من روسيا لن تغير في المشهد العام وهناك خطوط عامة يخضع لها المشهد السياسي، تبعاً لما يحصل من معطيات وتطورات على المشهد الميداني. الجانب الأمني والاستخباراتي هو الهامش، أما الأصل فهو العمليات العسكرية التي تحصل في الميدان وارتباطها بالعمليات التفاوضية السياسية التي من المفترض أن تؤدي إلى خيارات سلمية لحلّ الأزمة. هناك نوع من القبول الضمني، على مستوى الصراعات الدولية والإقليمية، وعندما يدخل العامل الأمني على الخط لا يؤدي إلى قلب الطاولة، لأنّ المواجهة عندما تكون مفتوحة بين محورين يدخل العامل الأمني كعنصر في المواجهة من دون أن يكون الأساس الذي يتحكم بالمشهد. إنّ عملية إرهابية، كسقوط الطائرة الروسية، لن تؤدي إلى تغيير موازين القوى أو معادلات أو تعديلات في الخطط الروسية على مستوى المنطقة.
بعد خمس سنوات على الأزمة في سورية، ما هو المتغير الرئيسي الذي دفع روسيا إلى الدخول عسكرياً إلى سورية؟ ألا يزيد تدخلها المشهد تعقيداً؟
– الدخول الروسي انطلق من ثلاثة عوامل أساسية مرتبطة بالأهداف الروسية – الإيرانية المشتركة. الأول هو أنه ومنذ بداية الأزمة السورية دعت طهران وموسكو إلى حلّ الأزمة سلمياً، لكن ثمة عقبات كانت تمنع دائماً الوصول إلى الحلّ السلمي، لذلك كان العامل الأول للدخول الروسي وهو القضاء على الإرهاب عاملاً أساسياً معرقلاً أي عملية تسووية أو على الأقلّ إضعافه. الثاني تثبت النظام ومنعه من السقوط في ظلّ حرب عالمية تعرض لها على مدى خمس سنوات، رغم أنّ ما قام به الجيش السوري طوال تلك المدة هو عمل أسطوري، وفي المرحلة الأخيرة بات الجيش منهكاً وليست لديه القدرة على ضبط الميدان على كامل الأراضي السورية، وفي المقابل ثمة إنجازات للجيش إلى جانب حلفائه، وتحديداً المقاومة اللبنانية تستحق أن ينبى عليها وأن توظف وتُستثمر لكي تستكمل من قبل دول مثل روسيا تؤدي في نهاية الأمر إلى الانتقال من حالة الدفاع إلى الهجوم ومن حالة الاستهلاك إلى حالة الإنتاج التي رأيناها مؤخراً، وربما كان هناك إمكانية للإخلال بموازين القوى بما يؤدي إلى تراجع على مستوى الجيش السوري الذي حارب بطريقة بطولية على مدى خمس سنوات.
هل توافق على أنّ روسيا تدخلت في سورية بعدما استشعرت بأنّ الجيش السوري لم يعد قادراً على ضبط مجريات الأحداث؟
ـ المسألة تتراوح بين أمرين، ثمة إمكان لتراجع الجيش السوري أمام الإمكانات الهائلة التي تقدمها الدول الخارجية للإرهاب وللمعارضة السورية المسلحة. فالسعودية وبعض الدول الخليجية استثمرت أموالها في الأزمة السورية وتركيا شكلت غرفة عمليات متواصلة ومن يسمون بالمبلغين يجوبون أقطار الكرة الأرضية لتجييش السلفيين والإسلاميين لكي يأتوا للقتال في سورية، والحدّ الآخر بعد استثمار روسي- إيراني – سوري على مدى خمس سنوات في معركة مواجهة الإرهاب كان من الطبيعي الانتقال من حالة الدفاع إلى الهجوم، فجاء التدخل الروسي، بتنسيق إيراني، لكي يرسم إطاراً رابحاً في الأزمة السورية، ما يعني الدخول في مرحلة الحسم والتحول والجلوس إلى طاولة مفاوضات لفرض حلول سلمية ومنصفة وعادلة ومنطقية تتماهى مع المزاج العام الذي يريده الشعب السوري.
هل جاء التدخل الروسي في الوقت المناسب، بما يعني أنّ الطرف الآخر اقتنع بأن لا مجال إلا الذهاب إلى تسوية في سورية، أم أنّ لديه الزخم والإمكانات للاستمرار في الحرب، وخصوصاً بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الأخيرة ؟
ـ روسيا تدخلت في الوقت المناسب من أجل إحداث مرحلة انتقالية ميدانية تهيّئ لمرحلة انتقالية سياسية، والبعض قد يخطئ في الحسابات بتقييم الدور الروسي. روسيا رسمت مساراً ميدانياً موازياً ومعادلاً للمسار السياسي ولا يوجد عملية حسم سريع، سواء للمواقف السياسية أو العسكرية. السعودية وتركيا وقطر يتصفون بتعنت وعناد، لكنّ المعطى الميداني في النهاية سوف يفرض على مسار المفاوضات السلمية. الأزمة اليمنية تحولت إلى مستنقع للسعودية ما أدى إلى تخبّط موقفها في الملف السوري، ما سيدفعها إلى التعاطي بمقدار أكبر من المرونة مع الأزمة السورية وقبول التحولات التي تفرض نفسها. تركيا أيضاً، باتت بين فكّي كماشة، فهي من جهة تريد إسقاط النظام في سورية، ومن جهة ثانية، تقول المؤشرات إنّ الإرهاب الذي دعمته من الممكن أن يتحول إلى مشكلة تركية داخلية. سورية وإيران تقولان منذ البداية إنّ سورية دولة ذات سيادة وفيها شعب ومهمّة على مستوى التاريخ والثقافة. الشعب السوري يملك ما يكفي من الوعي الذي يُخوِّله أن يقرّر مصيره بنفسه، ودعوا العالم إلى مواجهة الإرهاب في لقاء فيينا بعد أن أصبح خطراً عالمياً.
يُقال إنّ السعودية باتت أكثر ليونة في المفاوضات حول سورية، وخصوصاً بعد لقاء بين اللواء علي المملوك ووزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان في الرياض، ولكن من عرقل الخطوة الثانية كان إيران. هل ترى أنّ تعدُّد الأطراف في الأزمة السورية زادها تعقيداً؟
ـ الذين يُروِّجون أنّ إيران هي التي عرقلت التقارب بين دمشق والرياض يريدون دقّ إسفين في العلاقات الإيرانية – السورية وهذا ضربٌ من الوهم. سورية ذهبت إلى الرياض، بتشجيع إيراني، لأنّ إيران هي التي ابتدعت سياسة مدّ اليد للسعودية لكي تتفاهم معها لحلّ أزمات المنطقة بطريقة سلمية، وفي مقدمتها الأزمة السورية. ما لم تحققه طهران بسياسة مدّ اليد للسعودية، بادرت دمشق إلى القيام به من خلال لقاء المملوك بن سلمان، إذا صحّ حصول اللقاء. النظام في سورية يدرك أكثر من الإيرانيين الطرق التي يجب أن ينتقل من خلالها إلى أي عملية سياسية مع المعارضة وأي عملية تسوية مع السعودية وغيرها. من يمتلك الأوراق الميدانية يستطيع أن يرسم سقفاً محدّداً للحلّ. أميركا ذهبت إلى التفاهم مع إيران بالملف النووي، بمعزل عن موقف دول الخليج وكانت لذلك تداعيات كبيرة على مستوى إعادة تعويم الموقف الإيراني في المنطقة وعلى مستوى شرعنة أي دور يمكن أن تقوم به إيران على مستوى المنطقة.
ما هي أهمية تحرير مطار كويرس في حلب؟ وهل هو دليل على أنّ تركيا رضخت للحسم الروسي – السوري؟
ـ لا يمكن أن نربط بين تحرير المطار وطيبعة التعامل التركي مع الأزمة السورية. الإنجاز يدلّ على بطولة ما الجيش السوري وحلفائه، وقد صنَّف خبراء عسكريون هذه المعركة بأنها أكبر هزيمة يتعرض لها تنظيم «داعش» منذ تواجده في سورية والعراق، وبالتالي يمكن البناء عليها لتحقيق إنجازات عسكرية مهمّة أقلّ تعقيداً وصعوبة. معركة تحرير مطار كويرس هي بوابة الفتح لمعارك أخرى سوف نشهدها قريباً، وصولاً إلى تحرير جسر الشغور وحلب، بما يؤدي إلى قلب المشهد رأساً على عقب ميدانياً على مستوى الأزمة السورية. وتكمن أهمية هذه المعركة في انها رسمت خطوطاً حمراء أمام أي محاولة تركية للانقلاب ضدّ التدخل الروسي في سورية.
هل هناك ما يشير إلى تحول تركي على صعيد الأزمة السورية؟
ـ يجب التعامل مع الأتراك على قاعدة أنّ مواقفهم السياسية من الممكن أن تنطوي على الخديعة والمراوغة. تركيا محكومة لمُمالقة «داعش» والانسجام معه خوفاً على أمنها القومي الداخلي. صحيح أنّ العلاقة بينهما بدأت على أساس مصلحة تركيا في تأجيج الأزمة السورية، وصولاً إلى إسقاط النظام، لكنّ العلاقة الآن تحولت إلى علاقة ابتزاز، لأنّ الأتراك يعلمون أنّ آلاف المواطنين الأتراك ينتمون إلى «داعش» ويقاتلون في سورية وفي أي لحظة يلمس «داعش» تحولاً في الموقف التركي يمكن أن ينقلب إلى الداخل التركي، ما يؤدي إلى ضرب الموسم السياحي وبالتالي الاقتصاد التركي، فالخنجر «الداعشي» من الممكن أن يطعن تركيا في ظهرها إذا ما قرّرت تغيير موقفها من سورية.
نلاحظ أنّ أزمات المنطقة كلها مفتوحة ولم تُحلّ أي أزمة حتى الآن، لا اليمن ولا سورية ولا العراق ولا فلسطين، حتى بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني. أين مفتاح الحلّ في رأيك؟
ـ لو لم يُوقع الاتفاق النووي الإيراني، هل كانت لتدخل روسيا إلى سورية؟ ولولا هذا الدخول هل كان لدينا فيينا1 وسوف يكون فيينا 2 أو جنيف 2 لليمن؟ المنطقة اندرجت فعلياً في مسار الجلوس على طاولة المفاوضات عسى أن يؤدي ذلك إلى إيجاد حلول وتسويات. المسألة الفلسطينية والصراع العربي ـ «الإسرائيلي» لهما طبيعة مختلفة عن باقي أزمات المنطقة، الشعب الفلسطيني يراوح بين حدين، الأول المقاومة التي تمثل «حماس» رأس حربتها وللأسف لم تعد المقاومة والتحرير الوطني أولوية وحيدة على أجندتها، بل أصبحت جزءاً من مشروع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي يعمل في مصر وسورية. الحدّ الآخر، هو السلطة الفلسطينية التي انخرطت في مشروع التسوية والسلام، وفي ظلّ انسداد الأبواب أمام الشعب الفلسطيني بات يعتمد على نفسه ويخرج إلى الشارع ويصنع من وسائل للمقاومة من العدم لفكّ الحصار الذي يتعرض له.
مساعد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان زار بيروت أمس وأشارت تصريحاته إلى وجود علاقة سيئة بين طهران والرياض، وخصوصاً عندما أعلن أنّ إيران تريد من السعودية إعادة السفير الإيراني السابق غضنفر ركن آبادي حياً. ماذا يعني ذلك؟
ـ إيران أجرت تحقيقاً وعُرض على مجلس الشورى الإسلامي الإيراني. هناك شهود عيان إيرانيون شاهدوا آبادي يؤخذ جريحاً في إحدى سيارات الإسعاف. إيران متأكدة من أنه على قيد الحياة، ولا أستبعد الخبث والمؤامرة السعودية في هذا المجال لخدمة المشروع الفتنوي الذي تُعتبر السعودية رأس حربة فيه.
يُبثّ هذا الحوار كاملاً اليوم الساعة الخامسة مساءً ويُعاد بثه عند الحادية عشرة ليلاً على قناة «توب نيوز» على التردُّد 12034