الطائرة الروسية… والإقلاع عن السياحة المصرية

بشير العدل

لم تمرّ سوى ساعات على حادث الطائرة الروسية المنكوبة، والتي سقطت في شبه جزيرة سيناء، في 31 من شهر تشرين الأول الماضي، إلا وبدأت التكهّنات والتفسيرات حول أسباب الحادث، الذي راح ضحيته كلّ مَن كان على متنها، وذهبت أغلب التفسيرات التي هي أقرب إلى التأويلات، إلى تأكيد أن العمل الإرهابي كان السبب الرئيس في سقوط الطائرة، بعد حوالي نصف ساعة من إقلاعها من مطار شرم الشيخ الدولي.

واستندت تلك التأويلات إلى بيان أصدرته جماعات متشدّدة، أعلنت خلاله مسؤوليتها عن إسقاط الطائرة بصاروخ من سيناء، وهي الفرضية التي ارتكن إليها كثيرون ممّن يريدون تصدير صورة سلبية عن مصر للعالم، وإيصال رسالة أنّ الدولة المصرية فاقدة سيطرتها على سيناء، وأنّ قواتها المسلحة فشلت في عملياتها النوعية هناك في مواجهة الإرهاب. وظلّ الكثيرون من أعداء مصر يروّجون لتلك الفكرة، وخاصة أنّ بيان المتشدّدين ربط بين تدخل روسيا في الحرب على الإرهاب في سورية، وبين استهداف الطائرة، وكان ذلك كله في إطار تأويلات ثبت عدم صحتها، مع ظهور بيانات الطائرة التي كانت تقلع على ارتفاع 31 ألف قدم، وهوت بعده إلى ارتفاع 6 آلاف، وهو ما تعجز صواريخ المتشدّدين عن الوصول إليه، خاصة أنها صواريخ محمولة على الأكتاف، ليثبت في النهاية عدم صحتها.

ورغم عدم انتهاء اللجنة الدولية للتحقيقات، والتي تضمّ أكثر من ثلاثين خبيراً في شؤون الطيران والملاحة الجوية، من بينهم 17 روسياً، و10 من ممثلي الشركة المصنعة للطائرة، بجانب خبراء مصريين، من تحقيقاتها التي تستند بالدرجة الأولى في عملها إلى تحليل بيانات الصندوقين الأسودين، خرجت تأويلات أخرى كثيرة، تصبّ جميعها في اتهام مصر بالتقصير في الجوانب الأمنية، تارة بالحديث عن عدم التأمين في مطار شرم الشيخ، وأخرى بعدم قدرة الدولة المصرية على تأمين حدودها الجوية، وإمعاناً في استهداف الدولة المصرية، ورغبة من الذين يحيكون المؤامرات ضدّها، انتقل الحديث إلى الإطار ذاته وهو العمل الإرهابي، ليتحوّل إلى تأكيد البعض قيام متشدّدين ينتمون إلى تنظيم «داعش» في العراق بزرع قنبلة في مكان الحقائب بالطائرة قبل إقلاعها من مطار شرم الشيخ، ما أدّى إلى انفجارها في الجو. وهي الفرضية التي سارت عليها بريطانيا، واستندت فيها إلى ما قالت عنه أجهزة استخبارية ومكاتب وطنية تتابع تسجيلات المتشدّدين، وبحسب الرواية البريطانية، فإنها رصدت محادثات بين متشدّدين بريطانيين حول هذا الأمر.

لم تكتف بريطانيا بمجرّد وضع فرضية لأخذها في الاعتبار أثناء نظر التحقيقات، ولكنها أخذتها على أنها السبب الحقيقي، والذي على أساسه قامت بطلب إجلاء رعاياها من مصر، حتى قامت بنقل حوالي 11 ألف بريطاني من مصر في أعقاب الحادث، وذلك حسبما نشرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية الاثنين الفائت. وهي لم تكتف بالمتابعة وإنما أمعنت في الإساءة إلى السياحة المصرية بتقارير تشوّه الخدمة السياحية في بعض الفنادق.

وكان للرؤية البريطانية، والتي استبقت التحقيقات الرسمية، صداها لدى بعض الدول الأخرى ومنها روسيا ذاتها، التي أمرت بتعليق رحلات الطيران من مطارات مصر وإليها، فضلاً عن قرارات شركات طيران دولية أخرى بوقف رحلاتها إلى شرم الشيخ.

وأياً كانت التفسيرات والتأويلات ومحاولات التشكيك في القدرات الأمنية المصرية، إلا أنه يمكن القول إنّ ما يحدث يصبّ جميعه في إطار تشويه بلادي مصر، وذلك كله بهدف ضرب السياحة المصرية، واستثمار الحادث من جانب البعض في محاولة تصدير فكرة سلبية للعالم، مفادها أنّ الطائرة الروسية المنكوبة تمثل إقلاعاً بلا عودة من مطار السياحة المصرية.

ولدينا أسباب تبدو منطقية على أنّ الهدف هو شنّ حرب جديدة على الدولة المصرية، ولكنها هذه المرة حرب اقتصادية، بعد أن فشلت قوى الشرّ الدولية في الحرب الإرهابية المسلحة التي أعلنتها جماعات وتنظيمات ضدّ مصر.

من بين تلك الأسباب أنّ قطاع السياحة في مصر حقق انتعاشة كبيرة خلال أكثر من عام مضى، حتى وصلت نسبة الإشغالات في فنادق المناطق السياحية وتحديداً شرم الشيخ إلى أكثر من 90 في المئة، بعد أن شهدت تراجعاً في فترة حكم جماعة «الإخوان» إلى أقلّ من 60 في المئة، فضلاً عن انتعاش حركة السياحة الوافدة إلى مصر، بسبب الحملات الترويجية التي تقوم بها وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة المصريتان ومكاتبهما في الخارج.

سبب آخر أنّ هناك حرباً اقتصادية فعلية على بلادي مصر، تمثلت في إصابة العملة المحلية بالتراجع مقابل العملات الأجنبية الأخرى، فضلاً عن نقص الدولار الأميركي في سوق الصرف المصري وظهور أسواق موازية للتعامل معه، وهو ما كشفت عنه الأيام القليلة الماضية.

الأسباب كثيرة ولكن المساحة لاتتسع لسردها، غير أنه يمكن القول إنّ كلّ محاولات استثمار حادث الطائرة الروسية المنكوبة في الإضرار بمصر، خاصة بقطاع السياحة كي يقلع عنها السائحون من الدول المختلفة، لن يجدي نفعاً لبعض الدول التي ما زالت خاضعة لضغوط جماعات الإرهاب، ومنها ما كانت تسمّى بـ«الإخوان المسلمين»، التي ما زالت تلعب دوراً في الخارج من أجل التأثير على الاقتصاد المصري، والتي تكن رغبة دفينة في إصابته بالشلل حتى يتضرّر أبناء بلادي مصر اقتصادياً، ومن ثم ينقلبون على نظام الحكم، وهو الأمر الذي لن تنجح فيه الجماعة الإرهابية أو أنصارها في الداخل أو الخارج، فكما نجحت بلادي مصر في مواجهة الإرهاب المسلح، فإنها قادرة على عدم السماح بتهديد اقتصادها أو قوت أبنائها، وسوف يعود قطاع السياحة والدولة بكافة قطاعاتها، إلى دورها الريادي ليس فقط في المنطقة، وإنما في العالم أجمع.

كاتب وصحافي مصري

مقرّر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى