انتحارٌ جماعيّ…
روزانا رمال
إذا أراد كُتّاب السيناريوات السينمائية صياغة رواية مشهدية تحكي انتقام البشر من بعضهم البعض عبر رسم أقدارهم وترجمة الكراهية أفعالاً لتحصيل حقّ هُدر، أو وقف ظلم وقع، فإنّهم سيعجزون أمام مطالعتهم فكر التكفيريين الذين يقدّمون أغلى ما يملكه إنسان في هذه الدنيا، وهي الروح.
المحظور الذي وقع في ضاحية بيروت الجنوبية فاق أي اعتبار من الوحشية، ولم يعد سراً بالنسبة للمتابع أنّ ما جرى مرتبط بالأحداث الإقليمية وتحديداً بالأزمة السورية. لم يعد سرّاً أيضاً أنّ الذي جرى يؤكد الفشل الذي تعيشه المجموعات الإرهابية عموماً، وتنظيما «داعش» و»النصرة» خصوصاً، بعدما تمّ تحرير مطار كويرس العسكري شرق حلب، وهو أول هزيمة لـ»داعش»، وبعدما تمّ تحرير منطقة الحاضر التي تُعتبر مفصلاً مهمّاً في سير العمليات في منطقة ريف جنوب حلب، كونها المعقل الرئيس لـ «النصرة» في ريف حلب الجنوبي، ما يعكس قيمة الإنجازات ويؤشر إلى الانهيارات في المناطق المجاورة في الحالتين في الأيام المقبلة.
سياسياً، لم يعد سرّاً أنّ قطار المفاوضات المتعثر حول سورية يسير ببطء وبدقة شديدين، وأنّ طريق هذا القطار لن يتضح بسرعة وأنّ ركابه جميعاً يسعون إلى الوصول المريح من دون توقف عند عقبات قد تعيده إلى بداية السكة، أي إلى نقطة الصفر، من دون الوصول إلى أهدافه وخريطته المعتمدة.
اللاعبون كُثُر والمتغيّرات سريعة. إنها سورية التي ترتبط جزئياً وكلياً بلبنان واللبنانيين وهي التي أدخلت لبنان في محنة، بسبب أزمتها، وهي القادرة على إخراجه. مصير واحد… وحدة مسار ومصير، سلباً وإيجاباً، قدر واحد. أيقن الرافضون لهذه المقولة اليوم أنّ هذه هي الحقيقة الوحيدة وأنّ اتهام حزب الله بجلب الويلات إلى لبنان بات عجزاً عن التعبير، حيث لا يمكن لمشهد أن يفسّر ما يجري ولا يمكن للسياسة وحدها أن تتحدّث لأنّ التركيبة النفسية والإجرامية للعقول التي يتمتع بها عناصر التنظيمات الإرهابية تحكي ما هو ما أبعد من السياسة وإغراءات المال والدنيا وتؤكد أنّ للإرهاب طائفة. نعم إنها طائفة الإرهاب، ذلك الذي قالوا فيه إن لا دين له، لكنه أثبت في الضاحية الجنوبية أنه طائفة بحدّ ذاته، انتمى إليها كلّ ضالٍّ وفاسد.
أربعة عناصر من تنظيم «داعش» أو خمسة، لم يعد يهمّ، دخلوا إلى الضاحية الجنوبية متخطين أمنيّات حزب الله التي نجحت في إطالة عمر الاستقرار هناك، ليس لأنّ هؤلاء الإرهابيين نجحوا اليوم في فكّ شيفرتها، بل على العكس، فهم لم يتوقفوا عن محاولات تخطيها والعبث بأمن البلاد، حتى كاد لا يمر أسبوع لا تلقي الأجهزة الأمنية اللبنانية، من الأمن العام واستخبارات الجيش وقوى الأمن على خلية إرهابية خططت لتفجيرات إرهابية في لبنان بمختلف مناطقه، بل لأنهم أرادوا الكشف عن نوع جديد من العمليات الانتقامية…
كان انتحاراً جماعياً!
انتحروا جميعاً… ليس مشهداً سينمائياً. إنها الحقيقة. لم يعد لديهم حلّ لمواجهة حزب الله والشعب الذي يحتضنه ويمدّ له حبل الانتصارات الذي خنق رقابهم. هذا الحبل هو صنيعة هذا الشعب القادم من زمن دحر أعتى جيوش المنطقة. لا ينتظر الإرهابيون شيئاً، ويعرف «داعش» أنّ حزب الله لن يتراجع عن سياساته ولو لثانية، ويعرف التنظيم أنه دخل مرحلة الخطر، لكنّ هناك من يبذل جهداً كبيراً لإيقاع البلاد والمنطقة في المحظور، الفتنة السنية ــــ الشيعية، وهي الهدف الذي لم ولن تتنازل عنه «إسرائيل» التي عززت المشروع التكفيري للقيام بالمهمّة.
انتحار جماعي وصل صوته صراخاً إلى آخر معقل من معاقل التكفير، ترجم منازعة للموت، فالساعة أتت والأوراق اختلطت والنصر حليف فريق واحد.
في هذه الحرب لا يوجد نصف منتصر، بل هناك حياة أو موت، وقد دعا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الأطراف التي عبثت بسورية بعد إعلان انتصار «كويرس» إلى المثول للمفاوضات من دون شروط، أي بكلام آخر قال لهم: أصبحتم في نهاية الطريق.
على أي حال هناك رسالة وصلت إلى حزب الله قبل انفجار برج البراجنة، وهي الرسالة المدوِّية التي أطلقتها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بوضعها ملف حزب الله على الطاولة منذ أيام بشكل لافت للنظر، فبعدما جدّد أوباما، خلال لقائه رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، التزام واشنطن بأمن «إسرائيل»، شدّد على ضرورة التصدّي لأنشطة حزب الله و»داعش» في سورية.
إنّ ربط حزب الله بالملف السوري واضح، وهذا التشدُّد في التصدّي لا يكون من دون رسائل دموية تكسر نشوة انتصاراته لإحداث أكبر قدر ممكن من الألم في قاعدته الشعبية وإرساء موجة من الإحباط في صفوفها.
«إسرائيل» المرتبكة والعاجزة عن تنفيذ مخططاتها في لبنان واقعة بين فكّي كماشة إلقاء القبض على متعاونين معها وبين عزلة سياسية ليست قادرة على خرقها بعد، للدخول على خط المفاوضات الإقليمية الساخنة.