فرنسا… والدور المتهالِك

هتاف دهام

تسعى فرنسا ليكون لها دور في الانتخابات الرئاسية اللبنانية بعدما دخل الشغور الرئاسي شهره الثاني. بدأ الحراك الفرنسي في العاصمة الفرنسية باريس بعنوان الأزمة الرئاسية لتجنيب لبنان التداعيات السلبية للأزمة العراقية. جمعت باريس لقاءات بين مسؤولين لبنانيين، ودوليين وإقليميين. وشهدت في أيار الماضي لقاءً عقد بين رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، لتعود وتشهد لقاءً بين جنبلاط والرئيس سعد الحريري، الذي التقى بدوره أول من أمس، وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، ويلتقي اليوم وزير الخارجية الأميركي جون كيري، كما يلبّي رئيس جبهة النضال الوطني الأسبوع المقبل دعوة من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لإجراء جولة أفق حول الوضع اللبناني والإقليمي.

تراجع الدور الفرنسي في لبنان. اللقاءات الباريسية لم تعد تقدم أو تؤخر في الملف الرئاسي. الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عطل دور بلاده بسبب موقفه المعادي لسورية، وذهابه بعيداً في تقاربه مع «إسرائيل»، فكان أكثر انحيازاً للمجموعات المسلحة من الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي نفض يده مما يُسمّى معارضة معتدلة في سورية، وأطلق عليها وصف «الفانتازيا» وقال: «إنّ فكرة إسقاط الرئيس بشار الأسد غير واقعية»، مشيراً إلى «أن تنظيم داعش يهدّد حلفاء واشنطن في المنطقة، ويقوّض الاستقرار في العراق الأمر الذي يمكن أن يمتدّ إلى بعض حلفائنا»، أما وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس فاستمرّ في ترويج الادّعاءات الكاذبة كقوله: «إنّ نظام الرئيس بشار الأسد مستمرّ باستخدام الأسلحة الكيماوية»، نافياً «أن تكون كتائب الثوار استخدمت هذه الأسلحة».

تتحرك فرنسا اليوم على ضوء مصالحها في الخليج، ففرنسا هولاند مشغولة بمشاكلها السياسية والاقتصادية، بالتالي فإّن هامش تحركها سيكون وفق مصالح المملكة العربية السعودية وقطر. تحاول باريس أن يكون لها دور مميّز في علاقات دبلوماسية مرنة تكتسب من خلالها علاقات اقتصادية مع دول غنية بالنفط كقطر والسعودية، فهولاند بعد لقائه أمير قطر أكد أنه سيكون حليفاً لدول الخليج في قضايا سياسية معينة.

يؤكد مصدر فرنسي أنّ هناك توجّهين يحكمان السياسة الفرنسية، الأول يعبّر عنه الرئيس هولاند الحليف الأول للسعودية والخائف في الوقت نفسه من عودة الإرهابيين من سورية والعراق إلى فرنسا، ويدعو إلى انتخاب رئيس في لبنان، فيما التوجه الآخر تعبّر عنه الاستخبارات الفرنسية والتي تدعو إلى فك الارتباط بين سورية ولبنان.

انقلب هولاند على غرار الرئيسين الفرنسيين السابقين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي على الدور الفرنسي الذي كان في التسعينات متوازناً إلى حدّ ما. وباتت السياسة الفرنسية سياسة رفع العتب، فموقفها المنحاز ضدّ سورية وحزب الله، عطل عليها تحقيق أي تقدم. ولم تعد اللقاءات الفرنسية إلا صورية وشكلية، وباتت الشكوك تدور حول إمكانية أن تحدث خرقاً ما في أيّ ملف تفوّض به.

ويؤكد مصدر دبلوماسي أنّ الإدارة الأميركية عندما توكِل إلى الفرنسيين أيّ ملف معيّن مع ما يستتبع ذلك من هامش للتحرك، لا تكون صادقة. واليوم الولايات المتحدة ليست مكترثة كفاية بالملف اللبناني. فهي لا تعير أي اهتمام للانتخابات الرئاسية، واهتماماتها تصبّ في الشأنين السوري والعراقي، ولذلك لا تضع لبنان على سلم الأولويات.

لم تتناول مفاوضات وزير الخارجية الأميركي في جولته الملف الرئاسي اللبناني، بل الوضع الأمني الذي تخشى الإدارة الأميركية أن ينفجر، ولذلك فإنّ الضغط الأمني التفجيري الذي عاد بإيعاز من السعودية سيكون في حدود معينة للاستثمار في العراق، لأنّ من شأن الانفجار الأمني في لبنان أن يقلب الأوراق لغير مصلحة المملكة والدول الغربية، فيما المطلوب أن يبقى لبنان آمناً ضمن سقف معيّن. وجلّ ما تقوم به الإدارة الأميركية هو تكليف سفيرها في بيروت ديفيد هِلْ بزيارة المسؤولين اللبنانيين ونصحهم بتسيير عمل الحكومة في فترة الشغور الرئاسي والعمل على إدارة الفراغ الطويل.

خطفت الأحداث الأمنية التي حصلت في العراق الأضواء مما يجري في سورية. الأحداث العراقية تختلف عما يجري في سورية، العراق يقع على حدود إيران، وعلى حدود السعودية، ما يؤشر إلى أن أي تقارب حُكي عنه بين الجمهورية الإسلامية والمملكة السعودية انقطعت أوصاله. وفي موازاة ذلك سيبقى لبنان يعيش مرحلة انتقال الأزمة من سورية إلى العراق، وسيبقى في حالة انتظار التطورات العراقية التي يتوقف عليها التفاهم الإيراني السعودي، فاهتزاز الساحة العراقية أثبت أن لا إمكانية للتواصل، فنقل السعودية المعركة الإرهابية إلى العراق ضرب كلّ المعادلات وضرب معها أية إمكانية لتفاهم رئاسي في لبنان، وهذا ما برز في كلام الرئيس سعد الحريري بعد لقائه في باريس الرئيس ميشال سليمان حين ردّ على كلام العماد ميشال عون بالقول: «لست في حاجة لأيّ أمن سياسي، التصريح كان في غير محله، وهو لا يُقال، لا لسعد الحريري ولا لأيّ سياسي آخر في لبنان. نحن لدينا مسيرة سنكملها وهي وحدة لبنان ومصلحة لبنان أولاً»، وهو تصريح رأى فيه أكثر من متابع نعياً للاتصالات مع عون، نتيجة لتوجيهات سعودية، واستجابة لمطالب النائب جنبلاط وحليفه رئيس حزب القوات سمير جعجع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى