نتنياهو ـ أوباما «الحساب كبير مع حزب الله»

روزانا رمّال

لا يحضر ملف حزب الله أو كلّ ما يتعلق به من دون حضور «إسرائيلي» مقابل، فهاتان القوتان إذا صحّ التعبير هما كناية عن جهازين أمنيّين بقدرات عالية يكرّسان وقتيهما لجمع المعلومات عن بعضهما البعض.

24 ساعة من العمل الدؤوب وسبعة أيام في الأسبوع عين لا تنام. مقاومة حاضرة وعدوّ متربص. حرب لم تنته وهدنة أُعلنت ولم تعلن حقاً، فلا 1701 قادر على أن ينهي الصراع العربي ـــــ «الإسرائيلي»، ولا غيره من قرارات الأمم المتحدة قادر على أن يلغي المقاومة من المعادلة، ولا حتى حروب تشنّ، وكلّ هذا تتعايش معه «إسرائيل» كأمر واقع، لكن من دون الاستسلام.

لا تستطيع «إسرائيل» توفير أيّ جهد قادر على إضعاف خصمها. وهي غير قادرة على التأقلم مع فكرة تعاظم القوى مقابلها. فهي بهذا تفقد من هويتها ككيان متفوّق في المنطقة لا ينسجم مع النمو الطبيعي للجوار بين موارد بشرية أو حيوية أو مقدّرات دولة تبشّر بمستقبل مستقرّ، وحزب الله هو القوة الوحيدة تخرج من الأزمة من دون ثمن سياسي يقدّمه على طاولة المفاوضات، إنما بثمن مكتسَب، فأي تسوية تفرزها طاولة فيينا أو ربما سواها إذا اعتمدت للحلّ السياسي للأزمة السورية عاجلاً أم آجلاً، ستكون عبارة عن نصر وتقدّم لموقع حزب الله داخلياً وإقليمياً على صعيد خاص. هذا من دون الأخذ بعين الاعتبار تقدّم إيران وتفوّقها نووياً في المنطقة، وحلّ أزمتها مع الغرب الذي يفتح لحزب الله آفاقاً وضمانات مستقبلاً مضموناً مادياً ومعنوياً أيضاً.

«إسرائيل» أمام كل هذا غير قادرة حتى على الدخول إلى خط المفاوضات بما يمكنها من أن يكون لها مكان في التسويات المقبلة، خصوصاً أنها لم تستطع إحداث أيّ خرق حتى على صعيد الملف الفلسطيني، ولم تتمكن من حلّ ملفَّي شبعا والجولان، ما يؤكد أنّ الصراع يبقى مفتوحاً عند تعافي الدول من أزماتها ولو طال الزمن، ما يعني أنّ الولايات المتحدة التي فشلت بسحب اعتماد من إيران على عدم اعتبار «إسرائيل» زائلة من الوجود أو عدواً مطلقاً، فشلت أيضاً بالالتزام بتسوية تحافظ على ضبط النفس وتقدّم لتل أبيب التزاماً بأنّ حزب الله أو سورية لن يتقدّما نحو حروب هي غير قادرة على الدخول فيها بسهولة.

رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو زار الولايات المتحدة مؤخراً، بحيث لفتت زيارته الأنظار لجهة الانسجام الواضح مع الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد زيارته التي جاءت تحدياً له عشية الاختلاف على التفاهم النووي مع إيران وخطابه الشهير أمام الكونغرس وحينها لم يستقبله أوباما، وكان واضحاً أنّ العلاقة الأميركية ــــ «الإسرائيلية» دخلت في أزمة، أما اليوم فكلّ شيء أوضح والعلاقة ممتازة وهناك تفاهم تامّ وأجواء الزيارة تتحدّث عن تطابق في الآراء.

ذهب نتنياهو لتسويق معادلة آتية من رحم الفشل الذي مُني به والأميركيون كلّ على حدة في مخططاته، حزب الله «في قراءة «إسرائيل» تقول إنّ لولاه لكانت الأوضاع مختلفة، حتى إيران بدون حزب الله لكان وضعها مختلفاً، وبالتالي فإنّ أيّ تسوية في المنطقة يمكن لـ«إسرائيل» أن تتعايش معها ما عدا حزب الله وتعاظم قواه بعدها، فلا يمكن معها التخلص من حزب الله بحرب عسكرية ولا يمكن ضمان التزامه بحلّ يمنع عن «إسرائيل» أيّ مواجهة مقبلة.

التخلص من حزب الله ورقة قوة، وإنْ كانت مستعصية مباشرة، يمكن أن ينجح من جوانب عدة داخلياً عبر إنهاكه ويساعد في ذلك تهالك مستمرّ للدولة، وإرهابيون يستنزفون بيئته الحاضنة، حيث تمّت ترجمته كأول نتيجة للاتفاق بين أوباما ونتنياهو مفادها «ألا تتركوا جمهور حزب الله يرتاح، يكفي الإزعاج ونزيف الدم والحكومة لا تجتمع ورئاسة لا تتمّ والرئاسة لا تقوم…». هكذا يبقى لبنان مصدر استنزاف سياسي ويصرف أعصاباً وجهداً واضحاً بإشغال حزب الله وحصاره بمنعه من قطف نصره في المنطقة. وهذا جوهر وثمرة التفاهم «الإسرائيلي» ــــ الأميركي، بالتساوي مع فكرة نشر وحدات دولية في القدس المحتلة وباقي الملفات المطروحة في اللقاء.

اللقاء الأميركي ــــ «الإسرائيلي» توصّل إلى يقين بأنه غير قادر على إضعاف قدرات إيران في الشرق الأوسط، والى مأزق غير قادرين على تقبّله بما يتعلق بتنظيم «داعش» والإرهاب حيث لا يمكن التأقلم معه، ولا يمكن هزمه ولا تركه لأن «داعش» ستنتصر حينها.

المأزق الأميركي الذي يقابل بالمأزق «الإسرائيلي» جمع الطرفين على قلب واحد بقناعة ضرورة الانسجام في معركة تطلب أقله ترويض روسيا.

لبنان الغارق في أزماته يخضع لهذا التشخيص، وفي نهاية اللقاء أكد البيان أهمية المباشرة برفع الملفين الرئيسيين إلى أعلى الأولويات، مجدّداً ضرورة التزام واشنطن بأمن «إسرائيل»، وضرورة التصدّي لأنشطة حزب الله و«داعش» في سورية، ويبدو أنّ الجزء المتعلق بـ«داعش» يقلق الأميركيين والجزء المتعلق بحزب الله هو مصدر القلق «الإسرائيلي»، على اعتبار أن لا حرج في الاعتراف «الإسرائيلي» العلني بضرورة مساعدة الجماعات التكفيرية في سورية، وعلى هذا الأساس وبعد استدراج خلايا «إسرائيلية» متعاونة يعيش لبنان اليوم أعلى مستويات الحذر الذي يفرض تكاتفاً لبنانياً غير مسبوق أمام نيات «إسرائيلية» تكفيرية مبيّتة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى