بعد دول «الربيع»… الإرهاب يُهدِّد سياحة أوروبا

إنعام خروبي

الإرهاب والسياحة، طرفا علاقة «غير ودّية» طويلة الأجل. فلطالما كان الأول نقيضاً للثانية، والعكس، وهذا ما يتبيّن من حادثتي اعتداء باريس، وسقوط الطائرة الروسية مؤخراً.

عقب حادثة تحطم الطائرة، ذهبت أغلب التحليلات والتحقيقات الأولية إلى ترجيح كفة فرضية الاعتداء الإرهابي، على حساب ما سواها من فرضيات. وفي انتظار استكمال التحقيقات، أعلنت هيئة الطيران الروسية قرار حظر رحلات شركة مصر للطيران إلى روسيا، الأمر الذي قوبل باستهجان لدى البعض، وبتفهّم لدى البعض الآخر في القاهرة. في الحالتين، هناك ما يبعث على القلق. فمن جهة، تتخوّف موسكو على أمنها من هجمات قد تشنّها مجموعات إرهابية، وما أكثرها، ضدّ المواطنين الروس ومصالح بلادهم، وهذا ما يبرِّر الإجراءات الأمنية الوقائية التي تعتمدها روسيا.

قرار حظر رحلات الطيران من مصر وإليها، لم يكن فقط من جانب روسيا، بل إنّ دولاً غربية عدّة حذت حذوها، كألمانيا وبريطانيا، بما يعنيه ذلك من أنباء غير سارّة للمصريين. ونقل تقرير لصحيفة «إندبندنت» البريطانية عن أحد مدراء الفنادق العاملة في تلك المنطقة، والذي يعمل فيه نحو 500 موظف قوله إنّ 80 في المئة من زبائنه هم من الروس، فيما يشكل البريطانيون نسبة العشرين في المئة الباقية. الأكيد أنّ هناك من يسعى وراء توظيف سياسي لحادثة سقوط الطائرة الروسية، واستجلاب تداعيات كارثية سياسية على مستوى العلاقات الروسية المصرية، وهذا ما يتنبّه له الجانبان.

من جهة أخرى، تُعتبر السياحة من أهمّ مرتكزات الاقتصاد المصري، وأبرز موارد العملة الصعبة للخزينة المصرية. فمن سائقي الأجرة، مروراً بالعاملين في وكالات السياحة والسفر، فقطاع الفنادق وغيرها من قطاعات الأعمال المرتبطة بالقطاع السياحي، تبدو الخسائر المصرية كبيرة. ويكفي القول إنّ عوائد القطاع المذكور تتجاوز الخمسة مليارات دولار سنوياً، وحوالي 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر.

وفي هذا السياق، تكتسي منطقة شرم الشيخ أهمية بالغة، كآخر المعاقل السياحية الهامة، والرافدة لصناعة السياحة في البلاد التي ما زالت تعاني من آثار وتداعيات أحداث «الربيع العربي» قبل سنوات قليلة.

وأشارت تقديرات إلى أنّ نسب الإشغال في مدينة شرم الشيخ تهاوت بشكل كبير، ووصل بعض التقديرات إلى أنّ نسبة الإشغال في فنادق جنوب سيناء بعد الحادثة، تراوحت ما بين 5 في المئة و20 في المئة، ما أدّى إلى تسريح عدد كبير من العمال في المنشآت السياحية في سيناء، ورغم المحاولات الحثيثة على الصعيد الداخلي، لتنشيط السياحة في مدينة شرم الشيخ من خلال السياحة الداخلية، إلا أنّ هذه الجهود ستكون محدودة الأثر في ظلّ استمرار الموسم الدراسي في المدارس والجامعات.

ويرى خبراء أنّ كارثة الطائرة الروسية يمكن أن تكون الضربة الأكبر للسياحة، إذ تحتلّ روسيا المركز الأول في قائمة الدول المصدّرة للسياحة إلى مصر تليها بريطانيا. وبلغ عدد المواطنين الروس الذين قصدوا مصر بهدف السياحة عام 2014 نحو 3.16 مليون سائح، ما يشكل نحو 31 في المئة من إجمالي عدد السياح الذين زاروا مصر.

وتشكل السياحة الغربية، بشكل عام، لا سيما الأوروبية، نحو 76 في المئة من السياحة الوافدة لمصر، بحسب تقديرات البنك المركزي المصري، في حين تشكل نسبة السياح الروس، خمس السياح الذي يسافرون إلى الخارج لقضاء عطلتهم.

وأعلنت شركات سياحية في روسيا بعد الحادثة أنّ المبيعات انخفضت بنسبة تتراوح بين 30 في المئة و50 في المئة. وبحسب تقارير وزارة السياحة المصرية، من المتوقع أن تخسر مصر 280 مليون دولار شهرياً من دخل السياحة بعد إلغاء رحلات السياح من روسيا وبريطانيا.

وتأتي هذه الأزمة في وقت تعاني فيه البلاد من مشكلات في تدفقات النقد الأجنبي، وتراجع الاحتياطي النقدي للبلاد، ولم يعد لمصر من مواردها الرئيسة للنقد الأجنبي سوى تحويلات العاملين في الخارج، التي تقترب من 19 مليار دولار، كما أنّ القطاع السياحي في مصر، لم يستطع على مدار السنوات الخمس الماضية، استعادة أدائه قبل «ثورة 25 يناير» 2011، من حيث العوائد السياحية، التي قاربت نحو 13 مليار دولار، أو عدد السائحين، الذي بلغ نحو 12 مليون سائح سنوياً.

وما زاد الأمور سوءاً، تسجيل تراجع ملحوظ في إيرادات قناة السويس على مدار الشهور القليلة الماضية، وزيادة التزاماتها من خلال استدانتها من البنوك المحلية، فضلاً عن تحميلها أعباء قرض توسعتها في آب الماضي، والتي قاربت مليار دولار سنوياً، كفوائد، ناهيك عن ارتفاع نسبة البطالة التي وصلت إلى 12.8 في المئة، وقد يؤدّي تراجع القطاع السياحي إلى ارتفاعها، وحالة الركود والغلاء التي يعاني منها الاقتصاد المصري.

وكان وزير السياحة المصري، هشام زعزوع، قدّر في تصريح، خسائر مصر بنحو 280 مليون دولار شهرياً في مجال النقل الجوي فقط. وقال: إذا ما استمرّ وقف الرحلات إلى مصر من قبل روسيا وبريطانيا لمدة ثلاثة أشهر فقط، فسوف تقترب خسائر مصر من نحو 900 مليون دولار، فضلاً عن عوائد محلات بيع الهدايا، والمطاعم، والبواخر، وغيرها من المنشآت، وكذلك الرسوم التي تحصّلها المزارات السياحية بالعملات الأجنبية.

وبالعودة إلى حادثة تفجيرات باريس، وبعد أن كانت الحكومة الفرنسية أعلنت سعيها إلى اجتذاب مئة مليون أجنبي العام 2020، فقد بدت المعالم السياحية الرئيسية في باريس والتي يقصدها السياح من كلّ أنحاء العالم شبه مقفرة، وقد شكلت الاعتداءات ضربة للقلب النابض للعاصمة الفرنسية التي تحتلّ المرتبة الأولى بين الوجهات السياحية في العالم.

كان لافتاً إعلان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، الذي كانت لبلاده اليد الطولى في دعم وتمويل المجموعات الإرهابية في المنطقة، خوض «حرب بلا هوادة ضدّ الإرهاب»، فهل تصدُق فرنسا وهل تتخذ دول غربية أخرى إجراءات استباقية وتكفُّ أخيراً عن دعم الإرهاب الذي بات قاب قوسين أو أدنى من تدمير السياحة فيها؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى