الواقع القومي بين التجزئة ومرتكزات الوحدة الاجتماعية
معن حمية
مع بدايات القرن العشرين، غزت المسرح السياسي في العالم العربي، وبخاصة منطقة الهلال السوري الخصيب، موجة كبيرة من تشكل الأحزاب والحركات السياسية، ومعظمها ارتبط، إما بخلفية طائفية، أو بواقع كياني، أو باتجاه أممي. ومصير معظم تلك الأحزاب والحركات، أنها فقدت حضورها، بعضها اندثر، والبعض الآخر بقي مجرد أشكال وأسماء ليس إلاّ. ومردّ ذلك، أنّ طفرة تشكُّل الحالات الحزبية لم ترتبط بقضايا مصيرية وأساسية.
في هذه المقالة لسنا في وارد مناقشة ما آلت اليه الأحزاب والحركات السياسية وأسباب اندثار بعضها وغيابها عن حركة الأحداث، بل نحن بصدد الحديث عن الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي تأسّس في أوائل الربع الثاني من القرن العشرين، 1932 وتميّز بالفرادة في طرحه العقائدي والفكري والثقافي والسياسي، وكذلك في كونه حركة صراع ومقاومة، وهما عنوانان وركيزتان أساسيتان في غايته وفي جوهر ما تصبو إليه هذه الغاية، ألا وهو بعث الحياة في أمة، وما يتطلب ذلك من تأكيد على النهج الصراعي الذي حسم حسماً قاطعاً بأنّ الصراع الذي تخوضه أمتنا ضدّ الاستيطان الصهيوني العنصري يسير متلازماً مع العمل لبناء مجتمع حداثوي مرتكز على المبدأ الحقوقي.
لا شك أنّ المفاهيم الملتبسة في فهم معنى «القومية» تؤدّي الى تفكك العرى بين أبناء الشعب الواحد، وتضعف من قوة الشعب وقدرته على تحمّل مسؤولياته النضالية في مواجهة الأخطار المحدقة بأمتنا وشعبنا. فالتحديات تضع شعبنا أمام اختبار مصيري يحدّد طبيعة هويته ووجوده بشكل عام. فكيف إذا كان هذا التحدّي يتمثل بمشاريع التفتيت والتقسيم والتجزئة وبالإرهاب والتطرف. إنها تحدّيات مصيرية، مواجهتها تتطلب إرادة ووعي وتمسكاً بالهوية القومية. فالهوية هي الانتماء للأرض والشعب، ضمن دورة حياة طبيعية، جغرافياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وحضارياً، تشكل بتفاعلها وتواصلها المتحد الأتمّ الذي هو المعنى الحقيقي لـ»الأمة».
إسقاط واقع التجزئة القومية
الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي مضى على تأسيسه 83 عاماً، كرّس نضاله في سبيل إسقاط واقع التجزئة القومية وفي مواجهة المشروع الصهيوني الاحتلالي، وقدّم باكراً رؤى واضحة تتطرّق إلى مجمل المسائل والقضايا، وفي رؤيته لقضايا العالم العربي دعا إلى جبهة عربية تقوم على أسس المصالح الحيوية والمحور الحضاري المشترك بين أمم العالم العربي، جبهة تستحوذ على كلّ الشروط الاستراتيجية، كون الأمة السورية هي إحدى أمم العالم العربي، وادي النيل والأمة المغاربية والأمة العربية في شبه جزيرة العرب . لكن مشروع الجبهة العربية الذي دعا إليه الحزب لم يتحقق، فيما أصبحت أوروبا كتلة اقتصادية اجتماعية أمنية واحدة، وأصبح لها برلمان واحد وعملة واحدة، محققة بذلك النموذج الذي دعا إليه الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ تأسيسه.
والحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب نهضة فكرية ثقافية تهدف الى ترسيخ وعي صحيح لحقيقة الوحدة القومية المرتكزة إلى حقائق التاريخ والجغرافيا، إنّ وحدة البلاد السورية حقيقة فرضت نفسها، وقد كانت ولا تزال مستهدفة مباشرة من القوى الاستعمارية والمشروع الصهيوني لمنع تحقيقها. لأنّ الأمة السورية الموحدة، موقعاً وتاريخاً وحضارة، تشكل ردّاً عملانياً على المشروع الصهيوني الاستعماري. كما أنّ وحدة الأرض والشعب هي القاعدة الضرورية لتحقيق الولاء المجتمعي الواحد، بما يتجاوز كلّ أشكال الولاءات الطائفية والعرقية والمذهبية والعنصرية المتعدّدة، وهي التي توفر للإنسان ـ المجتمع مناعة حقيقية في تثبيت حقه في الوجود.
وعليه، فإنّ مؤسس الحزب أنطون سعاده، حدّد الأساسيات في غاية الحزب وفي المبادئ الأساسية، وقدّم في المبادئ الإصلاحية رؤى متقدّمة لتصحيح كلّ اعوجاج في المجتمع، وخلال مسيرته الكفاحية عبّر الحزب السوري القومي الاجتماعي تعبيراً صادقاً عن تمسكه بالحق القومي الثابت، وخاض حرب تحرير قومية مقدّماً آلاف الشهداء وعشرات الاستشهاديين ليؤكد بأنّ قضيته ليست مجرد طرح رومانسي، وأنّ التكتيك المرحلي لا يمكن أن يغلب على الثوابت القومية أو أن يكون على حسابها.
وإذا كانت مرحلة التأسيس المتعارف عليها امتدّت من 16 تشرين الثاني 1932 الى 16 تشرين الثاني 1935، تاريخ انكشاف أمر الحزب، فلا بدّ من القول إنها تتعدّى هذه المرحلة لتصل الى 8 تموز 1949 تاريخ استشهاد سعاده.
المرحلة السرية للتأسيس اشتملت على نشر العقيدة واعتناق المقبلين على الدعوة لمبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي وانتظامهم في صفوفه، أما المرحلة التالية فهي التي استكملت فيها العقيدة اختباراتها العملية في كلّ الميادين، لا سيما في تكوين دولة الأمة السورية المصغّرة، وفي تثبيت قيم الصراع. أما المرحلة الثالثة، فهي التي خاض فيها الحزب صراعاً مريراً في مواجهة المشروع المعادي، وكلّ المشاريع الطائفية وأنظمتها التي أسّست للويلات التي نعانيها في أيامنا هذه. وفي مرحلة التأسيس الثالثة قدّم سعاده دمه، في سبيل انتصار قضيته.
السيادة القومية
لقد تأسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي على حقائق علمية وموضوعية، تتعدّى إطار النظم السياسية التي قد تتّخذ أشكالاً متعدّدة، وتحصر الأحزاب في نطاق ضيّق، تضيق معه مساحات النضال بما يعيق تحقيق الأهداف. وهذا ما تجاوزه المؤسس أنطون سعاده عندما شرع في وضع دستور الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أعطى العمل الحزبي مضموناً اكتسب مشروعيّته النضالية اشتقاقاً من مشروع الدولة القومية الاجتماعية. وللدلالة على هذا المرتكز الذي لازم التأسيس، يقول سعاده في رسالته إلى حميد فرنجية من سجن الرمل، 10 كانون الأول 1935: «وبعد درسٍ أوّلي، منتظم، قرّرت أنّ فقدان السيادة القومية هو السبب الأول في ما حلّ بأمتي، وفي ما يحلّ بها. وهذا كان فاتحة عهد درسي المسألة القومية، ومسألة الجماعات الإنسانية عموماً، والحقوق الاجتماعية وكيفية نشوئها، وفي أثناء درسي أخذت أهمية معنى الأمة، وتعقّده، تنمو نموّها الطبيعي في ذهني. وفي هذه المسألة ابتدأ انفرادي عن كلّ الذين اشتغلوا قبلي في سياسة بلادي ومشاكلها القومية. هم اشتغلوا للحرية والاستقلال مطلقين، فخرج هذا الاشتغال عن العمل القومي بالمعنى الصحيح، لأنه لم يعيّن الأمة والقومية، ولم يسعَ لإدراكهما ومعرفة طبيعتهما، أمّا أنا فأردت حرية أمتي واستقلال شعبي في بلادي بتحديد الأمة والبلاد. والفرق بين هذا المعنى التعييني والمعنى السابق، المطلق، واضح… إنّ موقفي أخذ يتّجه رويداً حتى ثبت على الأساس القومي، بينما موقفهم كان ولم يزل على الأساس السياسي. والسياسة من أجل السياسة لا يمكن ان تكون عملاً قومياً». «مختارات في الشأن القومي» مرحلة ما بعد التأسيس
وفي إشارة هي غاية في الأهمية، يلفت سعاده في رسالته إلى حميد فرنجية، إلى أنّ الحزب «لم ينشأ لأنّ الانتداب موجود، بل لجعل الأمة السورية موحّدة وصاحبة السيادة على نفسها، والإرادة في تقرير مصيرها».
ولقد تميّز سعاده، بأنّه أعطى السيادة مفهوماً واقعياً يستند إلى حقائق التاريخ والجغرافيا، وإلى فعل القوة والنموّ، وهو يعتبر في المحاضرة الخامسة في الجامعة الأميركانية 15 شباط 1948، أنّه «لا يوجد حدود طبيعية في العالم تقدر أن تمنع أمة قوية من الامتداد وتوسيع مدى حيويتها وحياتها. وأننا نرى، مع تقدّم وسائل النقل وإتقان الصناعات، أنّ الحدود الطبيعية، إذا لم تؤيّدها قوة انسانية فنيّة، لم تقدر على صدّ جماعات لها فعالية وقدرة على تخطّي الحدود».
وفي نشوء الأمم، صفحة 45 يقول سعاده: «فالحدود الجغرافية تضمن وحدة الجماعة، لأنها تجمعها ضمنها، وتكون العامل الأول في المحافظة عليها، لأنها الحصون الطبيعية في وجه غزوات الجماعات الأخرى»… ويتابع قائلاً: «… فلولا جبال الألب الفاصلة بين بلاد الجلالقة فرنسا وإيطاليا ، لما كان أصاب جيش هاني بعل هاني بال أعظم نابغة حربي في كلّ العصور وكلّ الأمم، ما أصابه من التشتّت والضعف حين زحف على رومة».
بهذا النص يدلّل سعاده على أهمية العامل الجغرافي الذي شكّل مرتكزاً في تحدّي المعيار السيادي والحقوقي. ويقول سعاده في المحاضرة التاسعة من المحاضرات العشر: «نحن لا نبحث اليوم في إنشاء إمبراطوريات. لكننا نبحث في حقٍّ صحيح، في حق الحياة في الوطن الذي هو ملك الأمة». «الآثار الكاملة» جزء 15 صفحة 134
هنا يتضح أنّ تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي يعبّر عن أنّ المجتمع القومي الاجتماعي يمثّل القوة الحقيقية الفاعلة المثبتة وجودها بإرادتها وبزخمها لبلوغ الغاية، وتعبيراً عن إرادة حياة وعن حقيقة سامية في هذا الوجود.
ولذلك، اعتبر سعاده أنّ «المجتمع الذي لا غاية له هو مجتمع لا مكان له في الحياة وإذا كان للأمة السورية مكان في الحياة اليوم، اعترف به المكابرون أم لم يعترفوا، واعترفت به إرادات أجنبية أم لم تعترف. إلى أن يحين وقت اعترافها، فلأنّ هذه الأمة الموجودة على الرغم من كلّ ذلك، هي موجودة لأنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي موجود، وهو يعبّر عن هذه الحقيقة». «الآثار الكاملة» جزء 15 صفحة 223 .
قيم التأسيس الكبرى
لقد اقترنت مرتكزات التأسيس بمفهوم قيام الدولة المنبثقة من صميم الشعب وبتحديد البعد الصراعي للحركة القومية الاجتماعية الصراعية المحاربة، وانطلقت من حقيقة أنّ الحياة القومية تتجسّد في الصراع. ويشير المؤسس إلى هذه الناحية بقوله: «لا يمكن مطلقاً التسليم، باقتناع، أنّه يكفي إظهار حق الجماعة على نفسها في وطنها لتحوز الحق لها. لا يكفي أنّ الحياة صراع، خصوصاً الحياة القومية. وما زالت الإنسانية قوميات لا إنسانية واحدة، لا يمكن مطلقاً الاعتماد على فكرة نظرة حق مجرّد». «الآثار الكاملة» جزء 15 صفحة 128 .
وعليه، فإنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي، بالفكرة التي يحملها، وبالحركة التي يصنعها في مؤسساته، وبالعقلية الأخلاقية التي يرتكز إليها بناؤه، هو خطة العمل القومي باتجاهاتها العامة والعملية والفرعية، والتي تشكّل منطلقاتها التأسيسية جزءاً من المفاهيم الصراعية المجسّدة لمضمون العقيدة القومية، ولمشروع النهضة الثوري المتمثّل بالحزب ومؤسساته نموذجاً مصغّراً لدولة الأمة السورية.
الحزب بعقيدته ومبادئه المحيية يشكّل وحده الضمانة لوحدة الأمة وعزّتها. فتأسيسه جاء ليبعث في الأمة روحها التي اختطفها الجهل، والاستكانة والخمول، والمؤامرات، جاء ليعيد إليها هذه الروح التي تضخّ الحياة، وبالحركة لبلوغ الغاية والأهداف القومية. والحزب هو الخطة العقائدية النظامية الأخلاقية لنهضة الأمة ولوحدتها واستقلالها ولسيادتها، ولإقامة نظامها الجديد.
تنتفي الحاجة لوجود الحزب بدون عقيدته الموحّدة المحيية، وبدون مؤسساته النظامية الحركية، وبدون عقليّته الأخلاقية الصراعية. وكلّ هذه الأمور، متلازم بعضها مع بعض، حيث لا معنى للعقيدة والمؤسسات بدون الأخلاق، ولا معنى للأخلاق بدون عقيدة ومؤسسات.
تأسيس الحزب يعني لنا نحن السوريين القوميين الاجتماعيين قيمة كبرى في الحياة، هي تحقيق الذات القومية وبدء مسيرة غنيّة بالنضال ومتوهّجة بالاستشهاد المضيء، مسيرة نضالية دكّت أسوار التجزئة القومية في سايكس بيكو، وقاومت المشروع التوسعي العنصري الاستيطاني اليهودي الهادف إلى إفنائنا وإلغاء وجودنا، مسيرة لا تزال مستمرة تقاتل الإرهاب والتطرف على أرض الشام، وتقدّم الشهيد تلو الشهيد دفاعاً عن شعبنا وأمتنا.
والتأسيس، هو تجسيد للمعاني التي أرادها سعاده لازمةً للتطوّر والغنى في الفكر، وفي الثقافة، وفي الفهم العميق لتاريخ الأمة وحضارتها، وفي سبيل الارتقاء بالمجتمع نحو الأفضل. وإنقاذ الأمة من التخبّط في التيه والضياع، حتى تكون قادرة على صون قِيَمها وتاريخها، وأن تحافظ على تقدّمها وما قدّمته في مجالات العلم والمعرفة والإبداع، وبما تمثّله من رمز توحيدي وتراث حضاري.
هكذا هي مبادئنا التي يقول فيها سعاده: «نحن اليوم لا نقدّم للناس نظريّات في الحياة، نحن اليوم نقدّم للناس أمّة حيّة، تتحرّك، تتكلّم، تتعاطى، تأخذ وتعطي، تحتكّ بالكون حولها، ومع ذلك لا يصدّقون». وأنّ «الحزب السوري القومي الاجتماعي يعبّر عن حقيقة الأمة، وعن غايتها العظمى في الحياة، وهو من هذه الناحية قد رفع مستوى هذه الأمة، قد رفع الشعب السوري من التخبّط في الغايات الجزئية والحزبيات المتنافرة إلى مستوى حقيقة موحّدة، إلى مستوى مجتمع حيّ».
الصراع
يتّضح أنّ المنهج الذي ارتكز عليه التأسيس، هو المنهج الذي كان ثمرة العقيدة والمبادئ، ويفضي إلى العمل والنضال من وحدة سورية الطبيعية وبهدف القضاء على كلّ حالات التجزئة والتفتيت، ولتفكيك كلّ البنى الكيانية الطائفية والمذهبية والعرقية والعائلية والقبلية والعشائرية لمصلحة العصبية القومية الممثّلة لقوة الدفع القومي المركزي.
إنّ تفشّي أمراض التجزئة، والطائفية، أنتج حالة تخبّط وفوضى كبيرة تمخّضت عنها رؤى مختلفة من التعامل مع القضية القومية، فباتت مسألة فلسطين المركزية، تخضع للمساومات مع مغتصبي الحق، وبات مستند الحق بالنسبة للمساومين ما تقرّره القمم والمؤتمرات، وليس تاريخ أمة وحق أجيال. لقد شكلت أمراض التجزئة والكيانية، وآفات الطائفية والمذهبية عاملاً من عوامل التفريط بالحق لدى البعض، وهذه الأمراض هي التي أسّست لما نشهده راهناً، فالإرهاب والتطرف المنتشر في بلادنا، باسم الدين، هو نتاج الحركة الصهيونية العنصرية، ونتاج التجزئة القومية، ونتاج أنظمة عربية وغربية، تتآمر على فلسطين وتعمل لمصلحة العدو اليهودي. والدليل على ذلك قائم، فالمجموعات الإرهابية المتطرفة التي تمارس القتل والإرهاب في الشام والعراق ولبنان وغير مكان، تغيّب فلسطين عن أجندة «خلافتها»، فـ»الخلافة» التي تدعو اليها هي «الخلافة» الصهيونية الاستعمارية.
إنّ التصدي للمخاطر والتحدّيات يتطلب حركة سياسية نظامية عملية، وبتجديد قوى الأمة وتوحّدها بالعصبية القومية المنتصرة لمصالحها العليا. وهذا ما قامت عليه مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي وعقيدته وغايته، وكلها من أجل تلبية حاجات الأمة الحيوية. ويجب أن لا ننسى أنه بقيام القضية القومية، كفعل أنتجه التأسيس، انبعثت حركة المجتمع السوري في اتجاه وضع حدّ لتأريخ الفتوحات والخضوع، ليبدأ تاريخ الأمة الصحيح.
وإذا كانت الأمة، وهي في طور تكوّنها شهدت مظاهر تصادمية يصفها سعاده حروباً داخلية، فذلك من طبيعة الأمور المتعلّقة بذلك الطور من نشوء المجتمع السوري. لكن البيئة السورية وتجانس الشرائح الأولى المكوّنة للأمة، جعلا من ذلك الطور حقبة مرحلية أدّت بالنتيجة للولوج إلى المجتمع الواحد. وهذا ما يظهر جلياً في مركزية القرار والسلطة الذي سعت إليه أكاد وسومر وبابل وآشور وبابل، وجميعها بنت المداميك الحضارية الأولى لسورية، وهو الاتجاه الوحدوي المركزي الذي حكم تاريخ سورية القديم والحديث. وإذا كانت بعض الحقب «الانفصالية» التي عبّرت عن نفسها في فترات سقوط المركزية الإدارية والسياسية، فإنّ هذا لم يؤثر مطلقاً على حقائق الحياة السورية الواحدة التي احتضنت كلّ الحركات الفرعية.
من وحي التأسيس تعلّمنا في مدرسة النهضة أنّ العقائد الباطلة مصيرها الزوال، وكلّ عقيدة ليس جوهرها الصراع والحرية هي باطلة، وأنّ عقيدتنا هي عقيدة الوحدة والخلاص، وهي عقيدة الصراع والمواجهة، وعقيدة الإنسان الجديد. ومبادئنا هي مبادئ الجماعة المؤمنة الواعية المؤيَّدة بصحّة العقيدة والساعية لبلوغ الحرية بالصراع.
حزبنا، ليس مجرّد حزب سياسي عادي تقتصر طموحاته على أخذ موقع في الحياة السياسية، بل هو حزب نهضة فكرية ثقافية ديمقراطية تهدف إلى ترسيخ وعي صحيح لحقيقة الوحدة القومية الراسخة. ومهامنا ومسؤولياتنا يجب أن تتركز على بناء الإنسان الجديد من خلال نشر الوعي والثقافة والمعرفة والتعريف بمبادئ الحزب وغايته.
مهمات ومسؤوليات أساسية يجب تنكّبها، وهي التشديد على الدفع بحركة الوعي القومي لوحدة البلاد السورية التي جزّأها الاستعمار، والعمل على إعادة تأكيد الوحدة القومية كردّ على التجزئة وكمصلحة لا غنى عنها في عملية النهوض القومي، وكخطوة استراتيجية لمواجهة المخطط الصهيوني الاستعماري. فالوحدة القومية هي أساس وحدة المصير والوجود، والوعي القومي بهذه الوحدة، هو المدخل الأساسي لبعث الأمة القادرة أن تقف أمة قوية بين الأمم الحية.
الآن أكثر من أيّ يوم مضى، نحن معنيون، بالتأكيد على وحدة الأرض والشعب بوصفها القاعدة الضرورية لتحقيق الولاء المجتمعي الواحد، بما يتجاوز كلّ أشكال الولاءات الطائفية والعرقية والمذهبية والعنصرية المتعدّدة.
وتحت هذه العناوين الأساسية تندرج دعوة حزبنا إلى قيام جبهة شعبية لمقاومة الإرهاب والتطرف والاحتلال، ودعوته ايضاً إلى قيام مجلس تعاون مشرقي من أجل تآزر وتعاضد وتعاون كيانات الأمة السورية.
والمسؤولية الأساس هي في الانخراط الكامل والكلي في المقاومة ضدّ الاحتلال والمجموعات الإرهابية المتطرفة. فهزيمة الاحتلال وقوى الإرهاب، هي هزيمة لمشروع التجزئة القومية، وهزيمة للمشاريع الانفصالية والكيانية.
83 عاماً على التأسيس ولا يزال الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزباً وحدوياً مقاوماً ومصارعاً في سبيل الحق والحرية.
مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي