«القومي»: نضالات القوميين والقوى الحليفة أثمرت إنجازات كبيرة في الميدان تشكّل مقدّمةً للانتصارات اللاحقة

لمناسبة السادس عشر من تشرين الثاني، عيد تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، أصدرت عمدة الإذاعة والإعلام في الحزب، بياناً تناول المناسبة ومعانيها، والشؤون والتحدّيات الراهنة في الأمّة.

وجاء في البيان:

أيّها السوريون القوميون الاجتماعيون

تُطلّ علينا الذكرى الـ83 لتأسيس الحزب، في مرحلة حرجة من تاريخنا المعاصر، مرحلة أقلّ ما يُقال فيها، إنها «تاريخية» نسبةً إلى حجم التحدّيات الجِسام التي بلغت حدّاً غير مسبوق في خطورتها على أمتنا السورية ومجتمعنا القومي، وهي تتمثّل ـ وبشكلٍ أساسيّ ـ في الهجمة الشرسة التي تستهدف بلادنا وأمتنا ومجتمعنا السوري من العراق إلى فلسطين، والتي بلغت ذروتها في الحرب الكونية التي تشنّها القوى الاستعمارية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية على بلادنا، من خلال دعمها قوى الإرهاب والتطرّف بالتحالف مع قوى إقليمية ذات أطماع تاريخية في أرضنا وثرواتنا، وبالتعاون مع قوى الرجعية العربية المرتمية في أحضان الراعي الأميركي، والتي تقوم بتنفيذ أجندته المتقاطعة مع أجندة العدو اليهودي الأساس ومشروعه الاستيطاني الاقتلاعي التوسّعي الهادف إلى إعادة رسم خرائط جيو ـ سياسية جديدة من خلال تفتيت مجتمعنا على قاعدة طائفية مذهبية قبلية وإثنية، وبالتالي فرض الهيمنة والسيطرة الصهيونية على كامل بلادنا.

تُطلّ ذكرى السادس عشر من تشرين الثاني هذه السنة، في وقتٍ يبرز أكثر من أي وقتٍ مضى سؤال «الهوية»؟ السؤال الأول الذي أطلقه الزعيم أنطون سعاده منذ عقود القرن العشرين الأولى، باعتباره المنطلق للبحث والتمحيص عن الحقائق التي يختزنها كل التاريخ الحيّ لهذه الأمة التي مرّت بظروف تاريخية صعبة وقاهرة أدّت إلى كل هذا التصدّع في المشهدية العامة للهوية، والانتماء وحقائق الحياة الأخرى.

وفي هذه اللحظة التاريخية بالذات، نتلمّس اليوم أكثر فأكثر أنّ السبيل الوحيد لخلاص أمتنا من هذا المستنقع الآسن، يكمن في تفعيل فعلنا النهضوي المؤسساتي وتزخيمه، في إطار حزبنا الذي يمثّل حركةً سوريةً قوميةً اجتماعيةً نهضويةً عقلانيةً شاملة تُقارب الحاضر والمستقبل وفق منهجية جديدة لا تُسقِطُ فيها أيّ عامل مساعد على إعادة تركيب أجزاء الصورة، ليكتمل المشهد القومي التاريخي الذي يشكّل القاعدة الأساس للانطلاق باتجاه المستقبل، لأنه لا حاضر من دون الماضي، ولا مستقبل من دون الحاضر، ولا بدّ في النهاية من اكتمال الحلقات وتسلسلها لننطلق في مشوار البناء ومسيرة التحرّر والاستقلال الحقيقي والتنمية الشاملة، وعلى الصعد كافة.

تحدّيات جسام

أيها السوريون القوميون الاجتماعيون

تُطلّ علينا الذكرى اليوم، ونحن نخوض صراعاً لا هوادة فيه ضدّ القوى الإرهابية المدعومة من دول كبرى عالمية وإقليمية تهدف إلى ضرب الهوية، وتدمير الحضارة، وإلغاء كلّ مضامين وجودنا القومي والحضاري والإنساني، ما يشكل تهديداً حقيقياً جدّياً لنا بالنظر إلى نتائجه وتداعياته الحاسمة على حاضر أمتنا ومستقبلها بأجيالها الراهنة، وتلك التي لم تولد بعد.

نعيش اليوم أحداثاً جساماً في الوطن السوري كلّه، من الشام التي تتعرّض منذ أربع سنوات وأكثر، إلى مؤامرة كونية كبرى تهدف إلى ضرب الدولة فيها، وإسقاط مؤسساتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والدستورية كمدخل لإسقاط الدور الذي تمثّله الشام باعتبارها العمق القومي ـ الاستراتيجي لكلّ حركات المقاومة في بلادنا السورية من العراق إلى لبنان، إلى فلسطين، وكمقدّمة لتصفية المسألة الفلسطينية، وفرض منطق السلم «الإسرائيلي» الذي تروّج له دوائر القرار الغربي ـ الأميركي التي تدور كلّها في فلك الحركة الصهيونية وتأثيراتها القريبة والبعيدة، وذلك بهدف إدخال وطننا السوري في أتون الصراعات العبثية الطائفية والمذهبية والعشائرية، وتعميم حالة الفوضى لتمرير مشاريع العدو اليهوديّ وإجراءاته في قضم الأرض وتهويدها وضرب كلّ معالم الانتماء إلى الحاضنة القومية والحضارية والإنسانية في فلسطين، ومحيطها القومي.

إلى العراق الذي يقع في عين العاصفة، وفي قلب التهديد لقوى الإرهاب والتطرّف التي مارست وتمارس أبشع أنواع الإرهاب والقتل والمجازر، ومن خلال ما تعيث في مدنه وقُراه من فسادٍ وخرابٍ وتدمير لكلّ المعالم الحضارية والأثرية التاريخية، التي تشكّل بحق خزّان التاريخ والحضارة للإنسانية بأسرها، إلى لبنان الذي يمرّ بمرحلة سياسية حرجة نتيجة هشاشة بنيانه السياسي والاجتماعي وتركيبة نظامه السياسي الطائفي التي تشكّل السبب الرئيس لمشكلاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، والسبب الحقيقي لظاهرة الفساد المستشري في مفاصل الحياة العامة كلّها فيه، وصولاً إلى فلسطين وما تشهده ساحتها من تهويد للأرض ومحاولات الضرب لجذوة المقاومة فيها التي أنتجت وتُنتج حالة رفضٍ ومقاومةٍ شعبية مستمرّة في المكان والزمان للاحتلال وإجراءاته القمعية في الضفة الغربية وقطاع غزّة، وفي كامل الأرض الفلسطينية المحتلة.

إنجازات ميدانية

أمام كلّ هذه التحدّيات والأخطار، يقوم حزبنا بأداء دوره النضاليّ الاستثنائي الذي ترتّبه المرحلة باعتباره طرفاً أساسياً في معادلة الصراع والتحرير والنهضة، إلى جانب كلّ القوى الحيّة في أمتنا، وإلى جانب قوى دولية صديقة نتشارك معها قِيم محاربة الإرهاب، والدفاع عن عالم متعدّد الأطراف، يحترم حريّات الأمم وسيادتها واستقلالها، إذ يقوم السوريون القوميون الاجتماعيون مع كلّ القوى الحليفة بواجب القتال على جبهات العزّ وفي ميادين التحرير وفي كل المجالات، خصوصاً في الشام التي سقوها بدمائهم الطاهرة فأثبتوا بحق مقولة سعاده «إنّ أزكى الشهادات هي شهادة الدم القومي الذي يُسفح على أرض الوطن لتحريره من غاصبيه». وفي «إنّ شهداءنا هم طليعة انتصاراتنا»، وقد قدّم الحزب خيرة مناضليه ومقاتليه على مذبح الشهادة والواجب القومي، إلى جانب الجيش السوري وكلّ فصائل المقاومة والدفاع الشعبي، ذوداً عن حضارتنا وأرضنا وإنساننا، ودفاعاً عن هويتنا الوطنية والقومية، وعن حرّية أمتنا وحقها في سيادتها على أرضها وثرواتها ومقدراتها، وها قد أثمرت نضالات رفقائكم، ونضالات كلّ القوى الحليفة إنجازات كبيرة في الميدان خلال الأيام القليلة الماضية، تشكّل مقدّمةً للانتصارات اللاحقة والآتية حتماً، لتأتي تعبيراً صادقاً وصارخاً في أنّ نصرنا لا مناص منه.

أيها السوريون القوميون الاجتماعيون

في الذكرى الـ83 للتأسيس، نُعيد التأكيد على الدور النهضوي التحريري المقاوِم لحزبكم من خلال ما تتنكّبونه من تضحيات ونضالات، من خلال جهادكم وقتالكم ورياديّتكم في الدفاع عن قضايا أمتكم السورية المحقّة لكي تنهض كطائر الفينيق من تحت الرماد، تعبيراً عن رفضها الصارخ لأن يكون «القبر مكاناً لها تحت الشمس»، ولكي تتبوّأ «مكانها اللائق بين الأمم الحيّة».

صوابية النظرة القومية الاجتماعية

لقد أثبتت كلّ الأحداث وسياقاتها، أنّ حزبكم مثّلَ ويمثّل ماضياً وراهناً ومستقبلاً، مشروعاً نهضوياً تحرّرياً شاملاً، وشكّل ويشكّل نموذجاً للوحدة القومية الاجتماعية الصلبة والمتراصة بالوعي القومي كأساسٍ للانتماء إلى هذه الأمة العظيمة.

في الذكرى الـ83 للتأسيس، تتأكّد أكثر فأكثر أن راهنية الحزب السوري القومي الاجتماعي ـ في هذه اللحظة التاريخية بالذات ـ تنطلق من القواعد الفكرية التي ارتكز عليها في مقاربة المشكلات والمسائل داخل المجتمع الواحد وفي العلاقة مع الأمم والمجتمعات على مستوى العالم، وكلّ التطورات تُثبت صوابية النظرة القومية الاجتماعية في فهمها العميق لواقع العالم ولحقيقة الصراع القائم فيه من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب. وبهذا المعنى، ما فتأت القومية الاجتماعية تقدّم نموذجاً رائداً وصارخاً في كيفية تحصين الأمة من الداخل، بما يؤدّي إلى تحصينها في وجه الأعاصير والعواصف التي تضربها من الخارج.

راهنية الحزب في كونه يمثّل الإطار النهضوي الحقيقي لصوغ الحاضر على قواعد وأسس متينة وقوية بما يفتح الأفق أمام أيّ تطوّر أو تقدّم في المستقبل لشعبنا، لإنساننا، لمجتمعنا ككل.

راهنية الحزب تتجسد في حلّه إشكالية الهوية والانتماء، وإشكالية الهوية كانت على الدوام تقف عائقاً أمام حركة الأمة باتجاه المستقبل، إذ كيف يمكن أن نثبت على أرض الصراع، والهوية تعاني تصدّعاً مشهدياً لا وضوح رؤية فيه.

راهنية الحزب في شموليته البعد المدرحي في فهم علاقة الإنسان مع الإنسان، وفي فهم علاقة الإنسان مع البيئة، هذه العلاقة التفاعلية البنّاءة الرحبة التي أوجدت الأساس العملي لوحدة الحياة ولحلّ كل إشكاليات الانقسامات الأفقية والعمودية، الروحية والمادية، وأوجدت الأرضية لحلّ كلّ مشكلات الأقليات الطائفية والمذهبية والإتنية والعرقية على قاعدة التفاعل والوحدة في دورة اقتصادية اجتماعية صاهرة وجامعة لكلّ أطياف المجتمع الواحد الموحد.

راهنية الحزب في فهمه الشأن الاقتصادي ـ الاجتماعي وضرورة التنكّب لمواجهة تداعيات المسألة الاقتصادية من خلال صوغ المشروع الاقتصادي القومي الاجتماعي القائم على قاعدة الانتاج، وإنصاف العمل، وتوسيع مفهوم العدالة الاقتصادية والاجتماعية وتعميقه، لأنّ الأخوّة القومية الحقّة لا تستقيم في ظروف الظلم والقهر الاجتماعي، وسوء توزيع الثروات القومية.

راهنية القومية الاجتماعية تكمن في اعتمادها العقل باعتباره الشرع الأعلى الذي يقود حركة المجتمع، وعلى ضوء معطيات هذا العقل، يحدّد المجتمع خياراته الأساسية في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والأمن والعلاقات داخل المجتمع الواحد، أو على مستوى العلاقات بين الأمم والشعوب والمجتمعات.

خيار ثابت

إنّ أمّتنا تحتاج اليوم إلى هذا المنهج العلمي القومي الاجتماعي الذي يطرحه الحزب لتحديد أولوياتها في هذه المرحلة التاريخية بما تفرضها من تحدّيات، وهي أحوج ما تكون إلى هذا الجيل الجديد الذي يتبنّى هذا المنهج لإصلاح البُنى السياسية والاجتماعية والأمنية والثقافية والتربوية القائمة، لتستطيع بالفعل لا بالقول، أن تثبت في معترك الصراع العالمي القائم.

في ذكرى التأسيس الـ83، يؤكّد حزبنا خياره الثابت في الدفاع عن قضايا الأمة ومصالح حياتها العليا، ويعاهد الشهداء والجرحى أنه سيبقى على العهد، عهد الكفاح والنضال والشهادة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى