أممية تنظيم «داعش»…

سعدالله الخليل

أن يشنّ تنظيم إرهابي لا يتجاوز عمره العامين هجمات انتحارية في ثلاث قارات خلال أقلّ من خمسة عشرة يوماً أمر يطرح تساؤلات عدة حول حقيقة هذه التنظيمات؟ ومرامي القوى التي تقف وراءها؟ والرسائل الحقيقية من تلك الحوادث؟ فما بعد تفجيرات باريس لن يكون كما قبلها، فمن آسيا إلى أوروبا وأفريقيا وصلت الرسائل «الداعشية» التي تفرض التعاطي الدولي مع الظاهرة بمزيد من الشفافية والوضوح، بعيداً عن التصريحات غير القابلة للتصديق أو حتى للفهم.

فالتنظيم الذي أعلنت واشنطن الحرب عليه على الأراضي السورية قبل عام ونصف العام عبر تحالف دولي، وأكد وزير دفاعها بأنّ القضاء عليه يستغرق عشر سنوات من المواجهة، بات بين ليلة وضحاها معدود الأيام بحسب زعم وزير الخارجية الأميركي جون كيري من دون أن يقدّم نتائج تقييمه لضربات التحالف التي وسعت من نطاق سيطرة التنظيم على الأرض السورية، قبل أن تقلب الغارات الجوية الروسية المشهد وتعيد الحسابات حول قدرة التنظيم الفعلية على الأرض وتكشف الدور الاستخباري الغربي في تمكين التنظيم من تنفيذ عملياته، حيث تثبت الوقائع على الأرض أنّ التنظيم يتخطى كونه مجموعات إرهابية تتلاقى في المصالح والرؤى ليغدو علامة فارقة وماركة لتسويق أفكار ومشاريع تشبه المشاريع التي سوّقتها تفجيرات الحادي عشر من أيلول من حرب عالمية ضدّ تنظيم «القاعدة» قادت إلى غزو أفغانستان والعراق وتعميم مشروع «الفوضى الخلاقة» الأميركي وغيره من البرامج والخطط الأميركية التي تجد في سلوك تنظيم «داعش» خطوة في مشروع التفتيت والتقسيم في المنطقة في المدى البعيد، أما في المدى القريب فإنّ التفجيرات الثلاث تبعث رسائل مدروسة كشفها اختيار توقيت لا يمكن أن يكون محض صدفة، فبالرغم من أنّ التنظيم الإرهابي حاضر في سيناء منذ مدة فإنه لم يتجرأ على استهداف مصالح دولية على الأرض المصرية في ذروة نشاط التنظيم الإرهابي وقبل الحملات المتتالية التي شنّها الجيش المصري على معاقل التنظيم الذي لا يخفي أنّ الاستهداف جاء رداً على الغارات الروسية على الأراضي السورية، وضربة للدور المصري في السياسة والاقتصاد لخدمة أهداف سعودية أميركية في السياسة، وتحويلاً لمسار حركة السياح إلى اليونان وتركيا، فيما يبدو التفجير الداعشي الذي استهدف الضاحية الجنوبية ردّ فعل واضحاً على تقدّم الجيش العربي السورية والمقاومة في ريف حلب حيث تتحقق إنجازات ميدانية تؤهّل للدخول إلى طاولة فيينا برصيد ميداني عال، نتيجة للتنسيق المنقطع النظير بين سلاحي الجو الروسي والسوري والقوات البرية التي تقود العمليات على الأرض، وإذا كان هدف رسالة التفجير إثارة حالة من النقاش حول دور المقاومة في الحرب على الإرهاب على سورية وإثارة شرخ سوري لبناني فلسطيني، فإنّ رسائل تفجيرات باريس تتخطى كونها ارتداداً لرعاية فرنسية للإرهاب، وتغاضي القيادة الفرنسية عن تقارير الاستخبارات المحذرة من الخطر الإرهابي على الداخل الفرنسي في ظلّ علانية عمل شبكات تجنيد الإرهابيين في الداخل الفرنسي، فإنّ التركيز على دور اللاجئين والحديث عن تورّط سوريين في هكذا عمل ضخم على الأراضي الأوروبية عشية لقاءات فيينا وقبل أيام من قمة العشرين، يشرّع الأبواب أمام إمكانية العودة إلى طرح قضايا الحدّ من الهجرة وإعادة توزيع اللاجئين وضمان مكان لائق لإقامتهم على الأراضي السورية، ويدغدغ الأحلام التركية بإقامة المناطق العازلة بما يخلط أوراق التفاهمات الدولية في فيينا.

ثلاثة تفجيرات تكشف رسائلها وطريقة التعاطي معها في عواصم القرار بأنّ تنظيم «داعش» يخرج عن مساره المعلن وليتحوّل إلى آلة استخبارية دولية عابرة للحدود، وهو ما أدركته سورية وروسيا منذ اليوم الأول لإعلان «أممية» تنظيم «داعش»، تكشف مراميه وأهدافه والمواجهة على الأرض حاضرة.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى