حوار عين التينة اليوم… وشرارة التفاهمات الكبرى

هتاف دهام

قد يكون الحوار الوطني في عين التينة اليوم شرارة انطلاق التفاهمات الكبرى، وجلسة اليوم يتخللها غداء تكريمي يقيمه رئيس المجلس النيابي نبيه بري على شرف أقطاب الحوار ومعاونيهم، ليضفي عليها بعض الأنس.

تجتمع الهيئة استثنائياً في عين التينة عند الثانية عشرة ظهراً، لينتقل المتحاورون بعد نحو ساعتين إلى طاولة الغداء. في الشكل يشيع جلوس المتحاورين إلى طاولة الغداء أجواء إيجابية، فالمتخاصمون سيتشاركون الطعام معاً ويأكلون الفراكة الجنوبية وأطباقاً نباتية، ولا نعلم إذا كانت أطباق المطبخين السعودي والإيراني ستوضع على الطاولة.

يحضر رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون إلى عين التينة اليوم، فما جرى مؤخراً ينبئ بأنّ العلاقة المتأرجحة قد أصبحت على طريق الاستيضاح بعد أن اقتنع الجميع بأنّ هذه الخلافات المتكرّرة على «القطعة» لم تعد تنفع وطنياً، ومن آخر تجليات هذا الاصطلاح انتخابات نقابة المحامين في بيروت، حيث تأمّن الانتصار سواء في العضوية أو في مركز النقيب لمرشح التيار الوطني انطونيو الهاشم نتيجة وحدة الموقف بين التيار الوطني الحر وأحزاب 8 آذار إثر المساعي الإيجابية التي قام بها أصدقاء مشتركون وحريصون كانت في طليعتهم دائرة المحامين في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

كل من فريقَي حركة أمل والتيار البرتقالي يُصرّ على أن «لا أسباب تدفعه للمواقف إلا حساباته الوطنية وأن لا خلافات شخصية بين زعيمَي الطرفين وأن الخلافات تكتيكية بينهما واللقاء الاستراتيجي لم يتزحزح، وأن التفاهم اليوم يبدو وارداً أكثر من قبل على التفاصيل». وفي هذا السياق تقول مصادر التيار الوطني الحر لـ«البناء» إن العماد عون لم يبادر يوماً إلى الخلاف المجاني سواء مع حليف أو مع خصم سياسي لسبب بسيط ومفهوم، وهو أنه صاحب مشروع إعادة بناء الدولة وتركيز المواقع في السلطات الدستورية بين أيدي الأقوياء بمعيار الحيثية الشعبية والتمثيلية. ويبقى أنه للعماد عون مطالب محقّة ومشروعة ليس فقط لمكوّنه، إنما لجميع مكوّنات الوطن، وتتلخّص بصحة التمثيل النيابي وفعاليته، ومن هذا المنطلق كان له مطلب أساسي وهو العودة إلى الشعب، ومَن يرغب بالعودة إلى الشعب لماذا يخاصم وهو يطلب ذلك ويعلم أنّ له حيثية شعبية كبيرة على مساحة الوطن.

تأتي أهمية طاولة عين التينة بعد مبادرة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله المزدوجة والمتعلقة بالتسوية الشاملة والردّ الإيجابي من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، فتلقُّف سعد الرياض لمبادرة السيد الملخّصة بالتسوية الشاملة رئاسة وحكومة وقانون الانتخاب المرتكز الأول لإعادة تكوين السلطة يعني الكثير. وأول ما يعني أنّ ثمة سلة واحدة من التفاهمات الكبرى وليس من التنازلات من منطلق حكم الأقوياء في مكوّناتهم والعودة إلى الشعب وبالتالي سقط منطق أولوية الرئيس على أولوية قانون الانتخاب، بدليل أنه تمّ التأكيد في محضر الجلسة التشريعية أنّ قانون الانتخاب أولوية تشريعية كانتخاب الرئيس، فالتمثيل النيابي الصحيح ينتج مجلساً صحيحاً والمجلس السليم ينتخب رئيساً لا غبار على انتخابه.

من هنا أهمية ما قاله السيد في السلة الكاملة، وما قاله العماد بأنّ الجميع سيؤمّن نصاب المجلس الجديد فور انتخابه على أساس عادل يؤمّن صحة التمثيل للمكوّنات السياسية، ويرضخ الجميع لنتائج انتخاب الرئيس. وأهمية ما قاله رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان في المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس، في عيد تأسيس الحزب «أنّ الإصلاح السياسي للنظام يبدأ بقانون انتخاب قائم على وحدة المجتمع وعلى نموذج يوحّد بين اللبنانيين ويفتح الباب أمامهم ليطمئنوا إلى قانون عادل يحقق مشاركتهم. وأهمية الاتفاق الذي حصل بين حزب القوات والتيار الوطني الحر من ناحية والرئيس بري من ناحية أخرى، والذي أفضى إلى تقديم الاتفاق على قانون الانتخاب كمدخل للعمل التشريعي وللنقاط الأخرى.

سيشكل الحوار اليوم أول عملية امتحان جديد لما قيل عن إيجابيات أرخت بظلالها لتسوية سياسية، بغضّ النظر عن الموقف الذي اتخذه النائب وليد جنبلاط وانتقد فيه ربط الاتفاقات بالاتفاق على قانون انتخاب على اعتبار أنّ ذلك سيدخل الاتفاقات في عنق الزجاجة، لأنّ التفاهم على قانون انتخابي لا يزال متعثراً.

إنّ جلسة الحوار الوطني التي تلتئم لأول مرة بعد تفجيرَي برج البراجنة في الضاحية الجنوبية ومناخ التضامن الوطني العام الذي ساد التعاطي، ستعيد تظهير المشهد واستكشاف فرص إمكانية إطلاق مسار حواري منتج، فردود الفعل الإيجابية من الأقطاب السياسية كلّها أتت من دون ربطها بقتال حزب الله في سورية. والسؤال هل نحن على عتبة مرحلة استكشاف كي نرى ما إذا كنا أمام مسار نوعي جديد لبنانياً وسورياً؟ وهل ما حصل في باريس سيشكل عاملاً إضافياً لإطلاق التفاهمات وتقييم المواقف في ما يتعلق بتنظيم «داعش» الإرهابي.

إنّ تيار المستقبل أمام امتحان اليوم ليثبت أنه قادر على الذهاب إلى لحظة تلاقٍ مع حزب الله بإرادة سعودية أو من دونها لا سيما أنّ المملكة، وبحسب مصادر ديبلوماسية لا تريد التصعيد في لبنان، فهل تشجّع الرياض التيار الأزرق الذهاب، إلى تسوية حارة حريك التي أشاعت جواً من الطمأنينة بتأكيد السيد نصرالله أنّ التفاهمات الكبرى سقفها اتفاق الطائف، بخاصة أنها تعلم أنّ من لا يذهب إلى التفاهمات والتسويات الشاملة تحت سقف الطائف سيكون مسؤولاً عن وأد الطائف.

وهل لدى اللبنانيين القدرة الفعلية على إحداث اختراق داخلي في مقاربة مبادرة الضاحية الجنوبية؟ أم أنهم بحاجة إلى إشارات عربية وإقليمية ظهرت أولى دلالاتها في تصريح السفير المصري محمد بدر الدين زايد من عين التينة أمس، «أنّ مصر تدعم كلّ الجهود الجارية من أجل إنجاح الحوار والتسوية الشاملة». يراقب زايد باهتمام التصريحات الأخيرة التي صدرت عن القوى السياسية والتي تصبّ كلها في اتجاه واضح بأنّ هناك إدراكاً الآن أنّ استمرار هذا الوضع غير ممكن في لبنان، وأنه لا بدّ من تسوية شاملة ويثني على هذه الرؤية الجديدة أو المتبلورة ويأمل أن تسفر عن ناتج إيجابي في القريب العاجل.

وتؤكد مصادر مقرّبة من السفير المصري لـ«البناء» «أنّ كلام زايد يأتي في إطار الملامسة الإيجابية لكلام السيد نصرالله، وإنْ لم يسمّه، بخاصة أنّ مصر تتمايز في الشأن السوري، وسبق أن نقلت قيادات لبنانية عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كلاماً إيجابياً عن حزب الله، أعقبت ذلك زيارات لدبلوماسيّين مصريّين بشكل مضطرد إلى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد». إنّ أهمية تصريح كهذا تكمن أنه صدر عن سفير مصر التي تحاول استعادة دورها الإقليمي بعدما بدّده الرئيسان حسني مبارك ومحمد مرسي، لكن هذه العودة، وبرغم أنها متمايزة عن الآخرين، لا تزال خجولة وحذرة بسبب مراعاة العلاقة المصرية مع المملكة السعودية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى