فتحعلي لـ«فارس»: الملف الرئاسي مسأله داخلية لبنانية
رأى سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان محمد فتحعلي، أنّ «كينونة المجتمع اللبناني التي تقوم على التنوع الطائفي والمذهبي والسياسي الواسع تُعطي هذا البلد ميزة تجعله فريداً في محيطه، لا سيّما لجهة التعايش بين مذاهبه وطوائفه وقومياته مع بعضها البعض. وهذا التنوع التكويني للمجتمع اللبناني أدّى إلى تباعد في وجهات النظر وتفاوت في تشخيص أولويات المطالب الوطنية والرُؤى حول مستقبل البلاد، الأمر الذي يؤدي بعد مضي 18 شهراً على الفراغ الرئاسي إلى الحؤول دون انتخاب رئيس للجمهورية».
وأضاف فتحعلي: «أّن الأحداث و الخلافات السابقة أثبتت بأنّ الأطراف اللبنانية قادرة في اللحظات الدقيقة على إيجاد حلول ومخارج لأزماتها، ونحن بدورنا دائماً ما دعونا الأطراف والأحزاب السياسية اللبنانية إلى السعي لحلّ هذه الأزمات حفاظاً على مصالح هذا البلد، وتبرز أهمية هذه المسألة خلال الوضع الراهن الذي تتزايد فيه الأزمات في دول المنطقة، وفي وقت تسعى بعض الأطراف إلى توجيه ضربة للاستقرار السائد في لبنان».
وأشار فتحعلي إلى أنّه «منذ نشأة المجموعات التكفيرية المسلحة وهي تتمتّع بتمويل دائم من بعض الدول، ولطالما كان سعي هذه المجموعات عن طريق مموّليها والمدافعين عنها في السياسيات الدولية أن تتوسع في المنطقة ودولها، ودائماً ما شكّل لبنان أحد أبرز أهداف هذه المجموعات. وسعوا بشكل حثيث إلى إيجاد شرخ كبير في جبهة المقاومة لإشغالها عن العدو الصهيوني وإضعافها، لكن مع وجود وعي وإدراك صحيح من الجيش والمقاومة فشلت هذه المجموعات في تحقيق أغراضها، وتمكّن في المقابل الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية والمقاومة من الوقوف سدّاً منيعاً أمام سعي هذه المجموعات لإيجاد المنافذ للوصول إلى لبنان فحوّلوا هذا البلد إلى حجر عثرة لم يستطع الإرهاب المتفشّي في سورية اجتيازه. وأمام الإصرار اللبناني تدفع هذه المجموعات الإرهابية إلى زعزعة أمن واستقرار هذا البلد بناءً على إيعاز من مموّليها وداعميها».
وتابع: «أنّ ضرب استقرار هذا البلد واقتصاده وخلق المشكلات والنزاعات بين قواه السياسية، لطالما كان هدف المجموعات التكفيرية والدول الداعمة لها، ولحسن الحظ مازالت هذه المساعي غير ناجحة». مضيفاً: «إن الانفجارين اللذين شهدتهما منطقة عرسال قبل أيام، واللذين استهدفا الجيش اللبناني وهيئة علماء أهل السنة، كما انفجار الضاحية الجنوبية لبيروت يستهدفون أطفالاً وشيوخاً ونساء أبرياء، ولا ننسى في هذا الإطار استهداف مقرّ سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان، والمستشارية الثقافية الإيرانية في العام 2013».
وأضاف السفير الإيراني في لبنان أنّ «الإسلام دين رحمة، لا يسمح بأي ظرف من الظروف أن تزهق الأرواح البريئة تحت أي مسمى كان. فأن يقوم عدد من الناس بعمليات قتل إرهابية شنيعة تطال أرواح الأبرياء العزّل وهم يتوهّمون بأنهم بذلك يقتربون من الجنة، إنّما هو مدعاة للتساؤل، وممّا لا شك فيه أنّ الطريقة والأسلوب المبتكرين بتنفيذ هذه الجرائم الوحشية الخالية من أي رحمة إنما يثير الكثير من الفضول، ولهما بحث لا يسعه مقامنا هذا، ومن باب الاختصار لا الحصر يمكن القول إنّ العمليات الانتحارية هذه لها أسباب عدة منها: أولاً – التفسيرات والإدراكات المنحرفة لمفاهيم الدين. ومع الأسف فإنّ المعتقدات الدينية لهذه الجماعات قد انحرف انحرافاً كاملاً، حيث أصبح الفرق بينها وبين الدين الحق شاسعاً لا يقاس، ولو أنها لم تنحو لهذا الانحراف، وهديت إلى التعاليم والاخلاق الإسلامية السليمة لجرى استثمار هذا الحماس الموجود فيها لتحقيق الإنجازات المختلفة للعالم الإسلامي، وفلسطين إحدى هذه القضايا التي لو بُذل فيها هذا المجهود لما عانت اليوم ما تعانيه من الآلام والظلم، ولما هتكت فيها حرمة المسجد الأقصى، ثانياً – الدور الفعّال والمؤثّر الذي تتبعه بعض الدول والأجهزة الاستخباراتية في حرف بعض الأطراف الدينية وإساءة الاستفادة من دوافعها الإسلامية هي من أبرز محرّكات الارهاب المنتشر اليوم. فبعض الدول وأجهزة الاستخبارات تستغل هذه الانحرافات الدينية لتوجيه الحماس الإسلامي الموجود عند الشباب المسلم لتحقيق غاياتها الاستراتيجية غير المشروعة». وتابع: «هناك من يُفتي بإباحة دماء وأموال المذاهب الإسلامية الأخرى. وهذه الفتاوى تلقى صداها من المموّلين والدّاعمين لها بالتسليح والترويج، ممّا يؤدي في النتيجة إلى انحراف الشباب المسلم عن هدفهم الأساس وعدوّهم الأول والأوحد الكيان الصهيوني، وتغيّر بوصلة اتجاههم وأهدافهم نحو باقي المذاهب الإسلامية، وبذلك لا يجب الفصل والتفريق بين أفعال هذه المجموعات الإرهابية وبعض الدول والأجهزة الاستخباراتية لتطابق أهدافها وغاياتها وهي تهدف بكل أفعالها لبثّ الفرقة والاختلاف، وتوسيع الهوّة في صفوف الشباب المسلم. وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، لا يتوانون عن استعمال كل الإمكانات التمويلية ووسائل الإعلام المتاحة للترويج، ولتضليل الرأي العام العالمي عنهم».
وأردف قائلاً: «بداية، أستغلّ هذه الفرصة لاستذكار أرواح الشهداء الإيرانيين واللبنانيين الذين قضوا في هذه الفاجعة الأليمة، في العامين السابقين تعاونت معنا الأجهزة الأمنية اللبنانية لإيصال التحقيق إلى نتيجه ملموسة والكشف عن خلفيات الجريمة ومرتكبيها، وفي هذا الخصوص كنت قد التقيت منذ نحو شهر رؤساء الأجهزة الأمنية اللبنانية لمتابعة آخر مستجدّات هذه القضية، ومن حسن حظّنا أنّ هناك بعض الموقوفين الذين يتمّ التحقيق معهم. وبالتوازي نحن نتابع بشكل دائم وحثيث هذا الموضوع مع الدولة اللبنانية ونؤكّد أنّ الوصول إلى نتيجة نهائية له يسهم أيضاً في استتباب الأمن في لبنان».
وفي الملف الرئاسي، شدّد فتحعلي على أنّ «موضوع رئاسة الجمهورية اللبنانية من الموضوعات الأساسية في لبنان، ونحن نأمل أن تساعد الأجواء الايجابية السائدة اليوم على إيجاد حل لهذه الأزمة، ومن وجهة نظرنا فإنّ هذا الموضوع هو شأن داخلي يخصّ اللبنانيين فقط. وقد طرح مؤخراً من قبل بعض وسائل الإعلام وبعض الشخصيات اللبنانية مسألة مساعدة إيران اللبنانيين على انتخاب رئيس، و غالباً ما تكون هذه الطلبات بإيعاز من أطراف خارجية ذات صلة بتعطيل هذا الملف. و نحن نصرّ دائماً على أنّ هذا الموضوع مسأله لبنانية داخلية بحتة، وأنّ على الأطراف اللبنانية أن تلتقي و تتّفق للوصول إلى خواتيم سعيدة لهذا الملف».
وعن زيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأخيرة إلى لبنان، قال فتحعلي إنّ للدولة اللبنانية موقعاً وأهمية بالغة في سياساتنا الخارجية، لذلك نحرص على إبقاء تواصل دائم وزيارات دورية على جدول أعمال البلدين، و قد زار طهران الشهر الفائت وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، وأتت زيارة السيد أمير عبد اللهيان قبل أيام إلى لبنان في السياق نفسه».
وفي الشأن الإقتصادي، لفتَ فتحعلي إلى أن «هناك حتى الآن بعض المعوقات كالعقوبات المفروضه على إيران والمشكلات الداخلية اللبنانية، التي كانت سبباً في هذا البطء في تطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين بالشكل المطلوب. إلى جانب قلّة معرفة الجانبين بالجوانب الاقتصادية المميزة للطرف الآخر، وفي هذا السياق تمّ ترتيب لزيارة بعض الشخصيات اللبنانية المختصة إلى الجمهورية الإسلامية. إضافة إلى ذلك فإننا نأمل أن يؤدي رفع العقوبات و زيادة الروابط المصرفية بين الطرفين إلى زيادة في زخم العلاقات الاقتصادية».
وأمل فتحعلي بأن تشهد المرحلة المقبلة في لبنان وإيران وخاصة ما بعد سريان الاتفاق النووي ورفع العقوبات، رفعاً لهذه الموانع تمهيداً لتنفيذ مشاريع تفيد البلدين، «نحن نعتقد أن مسألة الكهرباء خاصة، هي إحدى القطاعات الحيوية والأساسية التي يمكن للبنان الاستفادة منها».