عندما تضرب الأداة الثلاثية الأبعاد
د. نسيب أبو ضرغم
لم يعد جديداً القول إن المنظمات الإرهابية كافة هي منتجات صهيو ـــــ غربية، صنعتها أجهزة الاستخبارات الصهيو ـــــ غربية لتكون ميكروباً ثلاثي الأبعاد، مهمته القضاء على أي مشروع مناهض للمشروع اليهودي ـــــ التوراتي الهادف إلى السيطرة على بلادنا برمّتها.
أما الأبعاد الثلاثة لهذا الميكروب الإرهابي، فهي التالية:
أولاً: أن تشكل هذه التنظيمات الإرهابية أداةً للفتك بالدولة المدنية التي قامت في العالم العربي، وبالتالي تحطيم بناها السياسية والدستورية والاقتصادية والعسكرية، وتحويلها إلى ركام دول تفوح منها روائح الموت البطيء، وهذا ما شهدناه في ليبيا والصومال سابقاً، وكذلك في العراق وسوريا، وما يحاولون فعله في لبنان.
ثانياً: أن تشكّل هذه المنظمات حالةً إسلاميةً ليست من الإسلام بشيء، تدّعي الإسلام وتعمل في الوقت عينه على تحطيم إسلام محمد بن عبدالله، فتظهر هذا الإسلام أنه مشروع توحّش ونكوص حادّ عن مسير الحضارة، وبالتالي فتكون خيبر القرن الحادي والعشرين قد ثأرت لخيبر القرن السابع وأصبح الإسلام مصدراً مقلقاً وإرهاباً حقيقياً للغرب المسيحي.
ثالثاً: تأسيساً على البعد الثاني، وبعد أن تكون مخيلة الغرب المسيحي قد أُترعت بالصور والوقائع الوحشية التي يقدمها الإسلام الوهابي، المتشكل آنياً بالنصرة وداعش وجيش الإسلام وجيش الفتح إلى آخر التسميات التي لا تنتمي إلى لمسمى واحد هو القاعدة بنت المذهب الوهابي، بعد ذلك، يأتي دور الضرب على رأس النظام العام الغربي بالإرهاب، ويصبح إذاك «الإسلام»، كما أرادته المنظمات الإرهابية العدو الوحيد للغرب المسيحي والحضارة المسيحية.
هذه الأبعاد الثلاثة، هي متلازمة، وتعمل معاً وفق رؤيا واحدة وآلية واحدة، فمن الخطأ الكبير أن نفكّك هذه الآلية، فنستبعد عنصراً منها ونقرّب آخر، تماماً كما فعل الأوروبيون، عندما اعتبروا أن إفساح المجال للإرهابيين في أوروبا بأن ينتقلوا إلى تركيا ومنها إلى سوريا لتحقيق مصالح أوروبية معينة. هو تذاكٍ على هذا الإرهاب المتدخل بعناصره ويمكن الاستفادة منه. وحده اليهودي، صانع هذا الإرهاب ومبدعه، يعرف أن التكتيك الغربي ــــ الأوروبي ــــ الأميركي، إنما هو الفخ المثالي الذي نصبه اليهودي للإثنين معاً، للإرهاب والأوروبيين والأميركيين واستطراداً للعالم المسيحي.
لا أعلم ما إذا كان كثيرون في هذا العالم، يدركون يقيناً بأن اليهودية العالمية تمسك كاملاً بالسلاح الإرهابي، وهي تمثل قمة الرعب الحقيقي للبشرية برمّتها، هل هو من قبيل الصدفة أن يتدفق الإرهابيون للاستشفاء في مستشفيات اليهود في فلسطين المحتلة، أم أن الأمر متفق عليه ومنسق بين الفريقين مسبقاً.
وهل هي صدفة أن لا يتم ضرب «إسرائيل» بـ«قمر ورد» واحد، فيما الإرهابيون يضربون على مدى العالم شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً.
هل أصبح إسلام محمد بن عبد الوهاب يعتبر أن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين والأراضي المحتلة كافة، هي محتلة من قبل أطفال فلسطين وشبابها؟ وليس من قبل اليهود؟ حتى تمتنع هذه المنظمة عن القيام ولو بعملية واحدة ضدهم.
لنرَ كيف تحرك اليهودية العالمية هذه المنظمات، وبأي عقل شيطاني تديرها وعلى مستوى الأبعاد الثلاثة.
تنظيمات إرهابية تدمّر أسس الاقتصادات العائدة للدول المدنية، وكذلك مكامن العدّة العسكرية العائدة لها، ومراكز الطاقة والثروة التي يملكها، الشعب أصلاً، تدمّر الآثار، تسرقها، وتسربها إلى متاحف «إسرائيل».
تسرق النفط وتبيعه لـ «إسرائيل»، تمزق الهيئة الاجتماعية بتصنيف مكوناتها على قاعدة اتنية أم مذهبية، تُسقط الانتماء الوطني والقومي، لمصلحة ولاء مبهم غامض يصب في النتيجة في مصلحة المشروع اليهودي.
تتحرك المنظمات الإرهابية، فتضرب مراكز دينية إسلامية تدمّر مساجد بقِدم أئمة، تنبش قبوراً، تكفّر، وتفرض مفاهيم مشوهة للإسلام، تذبح، تعذب، تظهر الإسلام بأنه العاصفة المدمرة المتوحشة الآتية نحو الغرب، تمزّق النسيج الإسلامي، وتحدث بين مكوّنات المسلمين الصراع المتوحش الذي لا ينتهي، تقدم هذه الصورة الوحشية، حجة لا تقدّر بثمن لـ«إسرائيل».
تتذرّع بواسطتها دفاعاً عن إجرامها بحق الفلسطينيين والعرب، وبالتالي تظهر الصهيونية حامية للقيم الغربية المسيحية باعتبار نفسها الخندق الأمامي المتقدم للغرب المسيحي بوجه هؤلاء الوحوش. في وقت، يعلم الكثيرون، أن «إسرائيل» وأجهزتها هي مَن صنّع هؤلاء، ومَن درّبهم، ومَن يوجه ضرباتهم.
كل ذلك لتقسِم العالم إلى جبهتين: جبهة غربية مسيحية انتابتها الإسلامو ــــ فوبيا، وجبهة شرقية إسلامية، تستحضر أبشع مشاهد التوحّش في مواجهة الغرب المسيحي، فيما اليهودي هو رسول الحضارة في مواجهة هذا التوحّش والمدافع الأول عن القيم الغربية.
إنه صراع الحضارات، النظرية التي وضعها ربيب الصهيونية صموئيل هونتنغتون، ويرعاها اليمين في الغرب، بغباء كامل، ومعه كثير من شرائح المجتمعات التي لا تزال تعيش على الدجل اليهودي.
ضربت الأداة داعش ، وغداً ستضرب أداة أخرى، والنتيجة ربح مضاعفٌ بثلاثة أبعاد لليهودية ــــ العالمية 1 تفكيك الدولة الوطنية والمجتمع، 2 تحطيم الإسلام الحقيقي لمصلحة إسلام متهوّر، 3 استعداء الغرب المسيحي على الشرق المسلم.
عندما تضرب الأداة الثلاثية الأبعاد، يكون عزرا قد انتقم من نبوخذنصر، وعاد أحبار أورشليم يصلبون يسوعاً مرة ثانية، ويكون الانتصار الأكبر لهم، حينما تحارب راية محمد بن عبد الوهاب دين محمد بن عبد الله ويصبح الجهاد ذبحَ الأطفال واغتصاب النساء، فيما فلسطين ومقدساتها نسيٌ منسيّ.
عندما تضرب الأداة الثلاثية الأبعاد، ينبغي أن تبدأ قيامة رباعية الأبعاد أيضاً، حدودها:
معرفة مَن نحن، ومعرفة مَن هم، ومعرفة متى، وكيف نوجّه ضربتنا المقدسة.