أحداث فرنسا تحفّز الغرب للقضاء على «داعش»
غريب أمر هذا الغرب، وغريب أمر القارة العجوز، فهل تنتظر الدول الأوروبية أحداثاً دامية كالتي وقعت في باريس ليل الجمعة الماضي، لتعلن الحرب على الإرهاب؟ أين كانت هذه الدول عندما كان الإعلام يحذّر من ارتداد الإرهاب «الداعشي» إلى أوروبا؟
الصحف الأوروبية تدعو إلى استراتيجية واضحة للقضاء على «داعش». وثمّة صحف نصحت باستعمال القوات البرّية. وذهبت أخرى إلى الاعتراف بضرورة التحالف مع الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة «غارديان» البريطانية مقالاً لمايكل كلارك قال فيه إنه لا يمكن للغرب الاعتماد على القوات الكردية وحدها لدحر تنظيم «داعش». وأضاف أن المشاركة المباشرة أمر لا مفرّ منه. وأوضح كلارك أنّ الاعتداءات الإرهابية الأوسع التي ضربت أوروبا مؤخراً، وضعت سياسات الحكومات الأوروبية المتبعة ضدّ استراتيجية تنظيم «داعش» في الغرب في الواجهة، وعلى الأخص، الضربات الجوية في سورية والعراق.
بينما نشرت صحيفة «تايمز» البريطانية افتتاحية جاء فيها: ليس كافياً أن نحمي المدن الأوروبية من الإرهاب بتحويلها إلى حصون، بل يجب القضاء على جذور الإرهاب. وتساءلت الصحيفة عن الهدف التالي لتنظيم «داعش»، مشيرة إلى أن القادة الذين اجتمعوا في «قمّة العشرين» لا يملكون الإجابة على هذا السؤال.
صحيفة «ستراتفور» اعتبرت أنّه حتى يوم 13 تشرين الثاني 2015، كان المهاجمون الثمانية المسؤولون عن ليلة العنف في باريس، مجرد حفنة من المتطرفين الإسلاميين، في كون كبير من المتطرّفين الإسلاميين في فرنسا. عدد من هؤلاء المتطرفين لا عنفيون، في حين أن شريحة صغيرة منهم هي من تعتنق العنف لتحقيق أجندتها الراديكالية، وهو نوع يطلق عليه اسم «الجهاديين». البعض يرون أن الجهاد يجب أن يشنّ في حالات الدفاع فقط لدعم إخوانهم المضطهدين أو الذين يتعرضون للهجمات في أماكن مثل سورية. بينما يدعو البعض إلى شنّ هجمات في دول غربية مثل فرنسا.
«غارديان»: مستقبل سورية يُحدّد من قبل القوات البرّية… ولكن قوات مَن؟
نشرت صحيفة «غارديان» البريطانية مقالاً لمايكل كلارك قال فيه إنه لا يمكن للغرب الاعتماد على القوات الكردية وحدها لدحر تنظيم «داعش». وأضاف أن المشاركة المباشرة أمر لا مفرّ منه.
وأوضح كلارك أنّ الاعتداءات الإرهابية الأوسع التي ضربت أوروبا مؤخراً، وضعت سياسات الحكومات الأوروبية المتبعة ضدّ استراتيجية تنظيم «داعش» في الغرب في الواجهة، وعلى الأخص، الضربات الجوية في سورية والعراق.
وأردف: إن الحملة التي شنّت على تنظيم «داعش» كان لها بعض الفوائد العسكرية. إن تنظيم «داعش» بذل جهوداً كبيرة لاستعادة السيطرة على مدينة عين العرب كوباني ، إلا أنه فشل في تحقيق ذلك، كما أن معقل التنظيم في الرقة في سورية مستهدف دوماً. إنّ العملية التي طال انتظارها ألا وهي استهداف معقل التنظيم في الموصل أضحت قريبة.
وأكد كلارك أن الضربات الجوية التي استهدفت التنظيم، ساهمت في تدمير خط إمدادت النفط غير الشرعية التي كان تدرّ على التنظيم مليون دولار أميركي يومياً.
وأوضح أنّ الغرب فشل في بناء استراتيجية متماسكة لإنهاء الحرب الطائفية في سورية التي أحدثت شرخاً في المنطقة، وعملت على انتشار الإرهاب إلى أوروبا.
وختم: إنّ تشكيل جيش سنّي فقط، مؤلّف من جنود أتراك ومن دول الخليج قد يكون الحلّ للتخلص من تنظيم «داعش». مضيفاً أن الحل البديل الوحيد، أن تؤدّي تداعيات هجمات باريس إلى مشاركة قوات غربية على الأرض.
«ستراتفور»: لماذا يصعب اكتشاف ومنع هجمات الجهاديين في أوروبا؟
كتبت صحيفة «ستراتفور»: حتى يوم 13 تشرين الثاني 2015، كان المهاجمون الثمانية المسؤولون عن ليلة العنف في باريس، مجرد حفنة من المتطرفين الإسلاميين، في كون كبير من المتطرّفين الإسلاميين في فرنسا. عدد من هؤلاء المتطرفين لا عنفيون، في حين أن شريحة صغيرة منهم هي من تعتنق العنف لتحقيق أجندتها الراديكالية، وهو نوع يطلق عليه اسم «الجهاديين». ولكن حتى بين الجهاديين الذين يتبنون العنف، هناك انقسامات. البعض يرون أن الجهاد يجب أن يشنّ في حالات الدفاع فقط لدعم إخوانهم المسلمين المضطهدين أو الذين يتعرضون للهجمات في أماكن مثل سورية. بينما يدعو البعض إلى شنّ هجمات في دول غربية مثل فرنسا. حتى بين المجموعة الأخيرة، هناك تنوعات بين من يطلقون التهديدات في الهواء، وبين من هم في الواقع على استعداد للتحرّك. حتى بين هذه الجهات الفاعلة التي تبدو على استعداد للتحرّك، فإن هناك مستويات مختلفة من التهديد.
بالنسبة إلى السلطات الفرنسية، فإن فرز هذا التجمع الهائل من المهاجمين المحتملين لتحديد هوية الأشخاص الذين يشكلون الخطر الأكبر يمثل تحدّياً كبيراً، كما الحال بالنسبة إلى الحكومات الأخرى. هذه العملية مثل محاولة سمكة قرش اصطياد مجموعة صغيرة من الأسماك من بين قطيع كبير من أسماك الطعم يعوم بانسجام تام. سمك القرش لديه قدرات حسية فعالة للغاية وشديدة الكفاءة في تحديد الفريسة التي يرغب في التهامها بين صفوف أسنانه الهائلة. لكن القطيع يوفر الأمن إلى الدرجة التي تجعل الأمر أشبه بالمستحيل بالنسبة إلى أسماك القرش التعرف إلى الأسماك المفردة التي يريد استهدافها.
هذا هو الوضع بالضبط التي تجد السلطات الفرنسية نفسها فيه. لديها قدرات استخبارية عالية جدًاً مجسات وقدرات شرطية وعسكرية كبيرة أسنان . لكن فاعلية هذه الموارد الاستخبارية والأمنية مقيدة للغاية ويمكن أن يطغى عليها الحجم الهائل من قطعان المهاجمين المحتملين من الجهاديين.
الأمر يتطلب كمية هائلة من الموارد من أجل تتبع المكالمات الهاتفية الحية وتسجيلها لهدف واحد، ناهيك عن المراقبة البدنية لمدة 24 ساعة على مدار الأسبوع. وهذا يعني أن الأجهزة الأمنية تصل بسرعة جداً إلى استنزاف الحدّ الأقصى لقدرتها. ولذا فإنها تحتاج إلى استخدام تقييم المخاطر لتصنيف التهديدات المحتملة، ونشر مواردها بشكل انتقائي ضد تلك التهديدات التي تظنها أكثر خطورة. وهذا ينطبق بشكل خاص على بلد ديمقراطي مثل فرنسا، حيث توجد سيادة للقانون، وليس بالإمكان إجراء مداهمات من أجل اعتقال كل تهديد محتمل ومعروف والزج به في السجن. والحقيقة أنه، حتى في الدول السلطوية، فإن الاعتقال أو حتى القتل ليس وسيلة فعالة للخروج من المشكلة وغالباً ما تخدم التدابير الصارمة فقط في تأجيج الغضب والاستياء والمساعدة في نشر التطرّف.
بسبب هذا الواقع، فإن بعض المهاجمين ينزلقون من الشاشة بغضّ النظر عن مدى كفاءة الأجهزة الأمنية. بمجرد تنفيذ هجوم ما، فإنهم ينعزلون فوراً عن القطعان الضخمة للتهديدات المحتملة ويصبحون عرضة لقدر كبير من التدقيق. تستخدم الإلكترونيات كدلائل ويتم تفتيشها بدقة ويتم استعرض جميع سجلات سفرهم الماضية واتصالاتهم لتوضع جميعها تحت المجهر. تحت هذا التدقيق المكثف، سيجد المحققون مما لا شك فيه بعض التحذيرات والمؤشرات الواضحة التي تثير الاشتباه حول المهاجمين قبل تنفيذ هجومهم. في الواقع، سنجد بعض ـ إن لم يكن كل ـ المهاجمين سبق أن لفتوا انتباه السلطات في وقت سابق.
باستخدام تشبيه آخر: قبل الهجوم يكون لدى السلطات كومة تشبه الجبل من قطع اللغز من دون أيّ إطار مرجعي للصورة. بعض هذه القطع فقط كان من الممكن أن يقودهم إلى هوية المهاجمين. ولكن الفرز من خلال كومة ضخمة من القطع من البيانات ووضع تلك القطع معاً من دون إطار مرجعي، عملية صعبة ومعقدة للغاية. بعد الهجوم: توفرت للسلطات الفرنسية الصورة الكاملة والإطار المرجعي وأصبح بالإمكان اقتطاف القطع الفردية من المعلومات وضعها في سياق باستخدام الإطار المرجعي.
سينتقد كثيرون الحكومة الفرنسية بسبب تجاهلها كل هذه الدلائل والقرائن الواضحة. ولكن ببساطة، إن الذين يفعلون ذلك لم ينتبهوا بما يكفي إلى التحدّي الأوّلي للقطعان الضخمة من المشتبه بهم، والكميات الهائلة من البيانات المرتبطة بكل اسم على حدة. بعد فوات الأوان يمكن أن يكون هناك الكثير والكثير من التبصر الحاد.
«تايمز»: يجب اقتلاع جذور الإرهاب في أوروبا
نشرت صحيفة «تايمز» البريطانية افتتاحية جاء فيها: ليس كافياً أن نحمي المدن الأوروبية من الإرهاب بتحويلها إلى حصون، يجب القضاء على جذور الإرهاب. وتساءلت الصحيفة عن الهدف التالي لتنظيم «داعش»، مشيرة إلى أن القادة الذين اجتمعوا في «قمّة العشرين» لا يملكون الإجابة على هذا السؤال.
وأضافت الافتتاحية أن القادة في القمة ركزوا على اتخاذ إجراءات حماية عملية من بينها: مراقبة الحدود في جميع أنحاء العالم في ضوء مقتل 129 بريئاً الجمعة الفائت في باريس، كما أجمعوا على ضرورة التعاون الاستخباري بين هذه الدول، لتجميد أصول هذا التنظيم وأمواله.
ورأت الافتتاحية أن هذه الاجراءات ضرورية، إلا أنها إجراءات غير كافية لاحتواء التهديد الذي يمثله التنظيم على الغرب وعلى حضارته.
وختمت الصحيفة بالقول إن التخلّص من تنظيم «داعش» يجب أن يكون بإزاحته من معقله في الرقة وقطع خطوط الإمداد عنه من العراق وإليه.