تشابه الخطاب بين تفجيرات نيويورك وباريس…
جمال محسن العفلق
كانت ردود الفعل بعد تفجيرات باريس متشابهة، وخصوصاً في الغرب، اتفق الجميع على أن ما حدث هو صدمة للإنسانية! واتفق الجميع على محاربة الإرهاب، وعلى أنّ داعش خطر، ولكنهم لا يريدون تبني الموقف الروسي الذي طرح في أنطاليا خلال قمة العشرين، فلماذا أجمعوا إذن على أن الإرهاب خطر على العالم أجمع وأنّ أيّ عاصمة عربية كانت أو غربية مؤشحة لأن تعيش جمعة دامية كتلك التي عاشتها باريس؟
إنّ التصريحات الآتية من عواصم العالم تعيدنا بالذاكرة الى تلك التي أتت بعد تفجيرات 11 ايلول في نيويورك وواشنطن، حيث كان العالم مصدوم واستطاعت الحكومات حينها إقناع الشارع بنظرية محاربة الإرهاب وإرسال قوات برية لتنفيذ العملية فكان لها ذلك وتحركت الطائرات والسفن الحربية لتلقي بأحمالها على أفغانستان ومن ثم تحتلها بحجة أن اجتثاث الإرهاب هو حرب يمكن أن تكون لها بداية ولكنها لا تنتهي إلا بالانتهاء من المهمة… وبعد هذه المدة الطويلة لا الإرهاب انتهى ولكن أكثر تلك القوات عاد الى قواعدة.
ولأننا اليوم نعلم أن من صنع الإرهاب هو الذي يدعي محاربتة دائماً ولكن تلك الادعاءات تأتي في سياق المصالح والأهداف، فالحرب على الإرهاب يجب عنها رجل الشارع العادي ولا تحتاج الى محاضرات وندوات ومنشورات ترهق عقل المتابع من دون نتيجة. وللتذكير فقط فإننا نعلم أن من صنع القاعدة ودعمها بالسلاح والمال هو الذي حاربها عندما وجد أن دورها انتهى ويجب إخراجها من المشهد العام للحياة السياسية، فكانت تفجيرات نيويورك نقطة التحول التي استدارت فيها أميركا وقررت حينها ضرب من دربتهم وعلمتهم القتال وفنون تفجير السيارات وتصنيع الانتحاريين.
واليوم صانعوا داعش يدعون أنهم يريدون ضربة والانتهاء منه فهل هذه هي أهدافهم الحقيقية؟
فمنذ بداية الحرب على سورية دأبت الحكومة السورية على توثيق الإرهاب الآتي إليها عبر البوابات الحدودية ولم تتوقف الدبلوماسية السورية عن تزويد الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالوثائق والصور والتحقيقات التي تثبت تورّط دول تدّعي محاربة الإرهاب بالعمليات الإرهابية وتمويلها ولكن مشروع العدوان على سورية كان يرضى الاستماع أو الاعتراف بهذه الوثائق، فالهدف هو تدمير المنطقة وفتح الطريق نحو أوروبا الشرقية وصولاً الى روسيا ومحاصرة إيران بعد فشل الحصار الطويل عليها والوصول الى اتفاق نووي لم يكن لدى الغرب أي فرصة للتهرب منه.
فهل ستعيد تفجيرات باريس ذكرايات الحرب على الإرهاب ويختار الغرب الدخول البري على سورية بحجة ملاحقة الإرهاب؟
إن رفض الغرب في قمة أنطاليا المقترح الروسي الذي طلب تجفيف منابع تمويل الإرهاب يصبّ في مصلحة الحرب على الجماعات الإرهابية وتضييق الحصار عليها هو رفض غير مبرر لأن من أصول الحرب وإضعاف الخصم هو الحصار، كيف يريد الغرب محاربة داعش وهو الذي يفتح لها أبواب التجارة بالنفط السوري والعرقي ويسلمها الأموال التي يدفع منها داعش الرواتب ويشتري السلاح لعناصره ويؤمن لهم التنقل والسفر وحجوزات الفنادق واستئجار السيارات؟
والواضح أن عملية باريس هي شماعة الحرب الجديدة أو بمعنى أكثر دقة يريد الغرب تغيير قواعد الاشتباك على الأرض من خلال إرسال قوات برية أو تدخل من دون الرجوع الى مجلس الأمن أو الى البرلمانات. فهذا رئيس وزراء بريطانيا ديفد كاميرون يعلن أنه في حال مكبل بقرار البرلمان بخصوص محاربة الإرهاب في سورية وأن حكومته ستتخذ التدابير اللازمة من دون الرجوع للبرلمان، وهذا التصريح بحد ذاته هو إعلان حرب على سورية قبل الإرهاب، لأن الحكومة البريطانية تدرك تماماً أن «إسرائيل» وتركيا والأردن إضافة الى دول عربية حليفة لبريطانيا هي التي تدعم الإرهاب وبريطانيا نفسها هي التي فتحت أبوابها لقيادات من الجماعات الإرهابية وأعطتها لجوء سياسي وإنساني ويعملون على أراضيها.
فلا يوجد الآن ضامن أن تلك الدول إذا ما قررت إرسال قواتها بالفعل الى سورية سيكون هدفها محاربة الإرهاب فالهدف غير المعلن هو دعم الفصائل المسلحة والتي سوف يتم تلميع صورتها على أنها تحارب داعش وبالنتيجة الهدف هو محاربة الجيش السوري الإرهاب.
تأتي هذه التطورات في ظل تقدم القوات السورية وحلفائها على الأرض وتحت غطاء جوي روسي ينجح في تحقيق إصابات مباشرة لمراكز الإرهابيين وتجمعاتهم. والانتصارات في حلب هي التي تقلق اليوم تحالف العدوان على سورية لأن تحرير حلب من الأرهاب سوف يعيد الأمور الى نصابها ويضع تركيا في الزاوية حيث سيكون أي تحرك جديد للعصابات الارهابية من الأراضي التركية التي تقوم اليوم بدور الخط الخلفي الداعم للإرهاب.
فالحرب اليوم هي حرب دولية لإنهاء سياسة القطب الواحد الذي سيطر خلال العقدين الماضيين على العالم وإعادة التوازن الدولي ستحدده نتائج الحرب في سورية، وإن كان اليوم الشعب السوري هو الذي يتحمل العبء الأكبر في معركة محاربة الإرهاب ولكن النتائج المقبلة ستغير وجه العالم من جديد.
إن الغباء الفرنسي الذي تجسد في شخص الرئيس هولاند يعيد إلى الإذهان الدور الفرنسي في الحرب العالمية الثانية حيث اتبع الفرنسيون حينها السياسة نفسها فسقطت باريس وأصبحت فرنسا تحت الاحتلال. واليوم يعيد هولاند اللعبة نفسها فدعم الإرهاب ثم أعلن أنه يدعم محاربته فسقطت باريس من جديد تحت ضربات الإرهاب الذي جلب هولاند نفسه اليها. وسيكون على الأوربيين اليوم مراقبة تلك الأحزاب التي تستثمر في المهاجرين واللاجئين لتحقيق مصالح سياسة هي في النهاية لا تخدم السلم العالمي الذي طالما أرهقنا بالاستماع الى خطابات فرسانه الذين لا يجدون في «إسرائيل» أي خطر بينما يجدون في الشرق كل الخطر.
وأخيراً إذا كانت منطقتنا تريد المستقبل فعلى شعوب المنطقة الوقوف خلف الجيش السوري والمقاومة لإنقاذ ما تبقى من الارض العربية فواقع الأمر أن أكثر الأراضي العربية هي أراضٍ محتلة وتخضع لسياسة الإدارة الأميركية التي لم تكن في يوم من الأيام تهتمّ لمصالح شعوبنا العربية، ولا يعنيها عدد الضحايا، فأساس الفكر الأميركي بدأ بالعنصرية وما زال، وما السجاد الأحمر الذي يُفرش لاستقبال الزعماء العرب إلا وسيلة من وسائل الوهم بأنّ أميركا والغرب ينظرون لهم على أنهم حلفاء ولكن حقيقة الأمر هم ينفذون ما يطلب إليهم. فكم هو مؤلم ذلك التضامن مع ضحايا باريس المئة والثلاثون. بينما يموت في تفجيرات الإرهاب يومياً في عواصمنا الآلاف.