أين المسؤولية الوطنية في إقرار مشاريع مالية جديدة؟

هاني الحلبي

طَرَقت الأسبوع الماضي مطرقة رئيس المجلس النيابي طَرقات تردّدت أصداؤها سياسياً، اقتصادياً، مالياً، نفسياً، اجتماعياً والأهمّ وطنياً.

وفتحت أبواب التشريع بعد أن كادت تصدأ أقفاله وقاربت التعطّل الدائم، لولا الصبر اللامحدود لرئيس المجلس العتيد نبيه بري، ينقر جبال التعنّت السياسي بإبرة خبرته السياسية ليحيك نسيج وحدة وطنية تشلّعت إقليمياً ودولياً بين أيدينا. ودولته محترف تدوير الزوايا، وتجسير الخوانق، وربط خطوط الاتصال. ولا شك في أنّ الرئيس بري منحة سماوية للبنان في هذا الزمن.

أُقرّت عشرات اقتراحات القوانين بسرعة قياسية في جلستين تشريعيتين، نهارَي الخميس والجمعة الماضيين توسّطتهما مجزرة إرهابية في برج البراجنة أوجعت قلب لبنان فأدمت روحه وكان ختامهما «ليلة أنس» داعشية دموية في باريس أسفرت عن مئات الضحايا الأبرياء أيضاً.

وفي مناسبة فرصة التشريع اليتيمة عرض لنقاط متعلقة بالقوانين التي أقرّت وتداعياتها:

ـ فقد راكمت مشاريع القوانين المالية التي أقرّت بوقت خاطف في جلستي المجلس النيابي الأسبوع الماضي على أرقام الدين العام أكثر من 5 مليارات دولار أميركي إضافية، كما قال خبراء مختصون. ويبدو هول ما حصل فادحاً مع انعدام أية آلية للسداد الواضح للدين العام وخلوّ الإدارة اللبنانية من أيّ نظرة وطنية مسؤولة تجاه هذا الدين، وعدم طرحها أمام اللبنانيين كيف تفكر معالجة هذا الدين، في وقت لم تتجه إلى ترشيق الإدارة ولم تخفّف من سمنتها الوازنة ولم تؤتمتْها لتسرّع التعامل والكِلَف في معظم الدوائر الهامة. بقيت إدارة ثقيلة بأعبائها بليدة بحركتها ومحدودة الموارد. فكيف تسمح الحكومة لنفسها بإثقال كلّ مولود لبناني بآلاف الدولارات الجديدة من دون سبب يرتبط بالدفاع وبالصحة العامة وبتعزيز الخدمات العامة الأساسية واستطراداً الإنتاج الوطني مباشرة.

ـ بل ما زال ملف حيوي جداً كملف النفط بعيداً عن أيّ بحث جدّي للتنفيذ وبعد أن قاربت سابقاً إجراءات المناقصات وتلزيم التنقيب سُحب الملف من التداول. هل ينتظر خطوط أنابيب سيتمّ مدّها في الإقليم؟ ويكون من ضمن سلة إقليمية للنفط بعد انحسار شبح الحرب عن سورية؟ أم أنّ «كباش» الأقطاب لم يحسم دخانه الأبيض بعد تأمين حصصهم النسبية من الريع أسوة بكلّ صفقة؟

ـ أين خطة التنمية المستديمة للإنتاج الوطني بالشراكة مع القطاع الخاص بقانون عادل يوظف قدراته المالية التي تجتاح الدول العربية بفتح الفروع بدلاً من مراكمة تلك الأرصدة في خزانات المصارف أو الصناديق الدولية. فيتمّ توظيفها في مشاريع خدمية أساسية ملحة أصبح تحققها مستحيلاً في واقع المديونية العامة من دون شراكة القطاع الخاص.

ـ فشلت الإدارة اللبنانية في محاربة الفساد وتثبيت إجراءات الشفافية في آلية مرعية الإجراء، فيحتاج أجير ليقبض تعويضه انتظار أشهر أو أكثر حتى يُعطى له موعد تصفية فيقبض، لكنه ما إنْ يدفع لموظف معروف في الضمان الاجتماعي المعلوم فيتمّ صرف تعويضه خلال 16 يوماً؟ هذه مجرّد عينة ليست إلا! ما هي الضمانات لمنع التحاصص بين أقوياء السياسة والمال على تلك القروض؟

ـ وفساد معظم الإدارة اللبنانية يقود إلى طائفية الإدارة، لأنّ تحت هذا الغطاء تتمّ حماية الفاسدين وتقويَتهم بغطاء طائفي. تعزز هذا حالة تسييس القضاء بخضوع السلطة القضائية لنفوذ السلطات التنفيذية والسياسية. لا بدّ من تعديل النظام إلى سلطات أربع متوازنة القدرة والتأثير: التنفيذ، التشريع، القضاء والإعلام. تترابط هذه السلطات بتعاون وتأثير متبادل واستقلال كلّ سلطة عن الأخرى، حتى يمكن محاربة الفساد بفعالية وجدوى. من دون قضاء مستقلّ وإعلام مستقلّ وحرّ ومسؤول عبثاً نتوقع إصلاحاً جدياً.

ـ في تسليح الجيش، أقرّ المشروع المتعلق بالإجازة للحكومة عقد نفقات لتحقيق عتاد وبنى تحتية ملحّة للجيش. جيد، لكن ما مصير هبات التسليح للجيش بعد انكشاف الدعم الخليجي العربي للإرهاب ضدّ لبنان، أصبح قبول تلك الهبات مسؤولية وطنية: أين هبة الطوافات الروسية؟ ما مصير العرض الإيراني المفتوح لدعم الجيش بالسلاح والاستشارة والتدريب؟ ولماذا سنستدين لدعم الجيش ببنى تحتية ملحة في واقع أنّ حاجته مطلقة للسلاح الفعّال للدفاع عن لبنان، ما دامت لدينا عروض من دول صديقة يمكنها أن تفي بالغرض وتزيد، وما دمنا لم نعد وحدنا في العالم؟

ـ قروض السدود والبيئة، هل تمّت دراسة جدوى السدود في المناطق المحدّدة لها؟ رغم أنّ تقارير عدّة لخبراء أكدت عدم جدواها بل أكدت أخطارها البيئية لأنها ستتحوّل إلى مصارف للصرف الصحي والنفايات الكيميائية والمنزلية، وبالتالي ستعمّم التلوّث والموت البيئي حولها لمسافات كيلومترات عدة كحال نهر الليطاني منذ عقدين من الزمن، التي عجزت إدارات الدولة اللبنانية عن تطبيق برنامج الحدّ من التلوّث، فكيف ستقوم بمعالجته؟ لماذا تريدون تحمّل مسؤولية انتهاك عذرية وادي جنة ووادي بسري الأيقونتين في لبنان؟ وإذا كانت المطامر حبيبة قلب الحكومة اللبنانية وترفض أيّ حلّ آخر للنفايات غيرها، كذلك بالنسبة لها السدود في الثروة المائية. هل لأنّ تلك قروض السدود تدرّ مالاً في الأرصدة كما درّت تلك المطامر ذهباً في الجيوب؟

نتوقع المسؤولية في متولي الشأن العام، لكن التجارب والوقائع تكذّب توقعنا.

ناشر موقع حرمون

www.haramoon.org gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى