لبنان يدخل عاصفة «سوخوي»

روزانا رمّال

منذ قرابة الشهر، حذّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في حديث تلفزيوني، اللبنانيين من مغبّة استمرار المحاولات الرامية إلى تدمير الدولة في لبنان، على غرار ما جرى ويجري خلال السنوات الأخيرة في كلّ من العراق وليبيا وسورية، مؤكداً أنّ بلاده تسعى إلى «إيجاد حلول سياسية لجميع قضايا الشرق الأوسط، بالتزامن مع مكافحة الإرهاب». وأضاف: «إنّ مشكلة تفشي الإرهاب في الشرق الأوسط صارت في نهاية المطاف مرتبطة بتدمير الدولة في العراق وليبيا، والآن في سورية، وربما قريباً في لبنان».

يتبيّن اليوم صدق تحذير الوزير الروسي للأفرقاء في لبنان، فروسيا الساعية، أولاً وأخيراً، إلى إنجاح عملياتها العسكرية ضدّ الإرهاب في سورية، تراقب عن كثب مختلف مواطن الإرهاب والبؤر الأمنية في المنطقة التي تعتبر أمناً حيوياً لها، ويُعتبر لبنان واحداً منها، بطبيعة الحال، مهما حاول فصل واقعه عمّا يجري أو النأي بنفسه عن أيّ تعاون مع سورية، على غرار ما تسلكه الحكومة اليوم، فهي غير متعاونة، على الإطلاق، مع أيّ جهة رسمية سورية أو حتى جهة أمنية في مجال مكافحة الإرهاب القابع أصلاً في جرود عرسال اللبنانية والذي ينغمس في صلب أحياء عرسال البلد.

المهمّة التي تتولاها روسيا اليوم في المنطقة تتوخى النجاح الذي لن يتوانى عن استخدام أيّ ساحة تضمن ذلك، وهي في هذا الإطار، غير مستعدّة لعزل لبنان، عملاً بسياسة نأي بالنفس لا تساوي شيئاً، في المعيار الروسي الذي ينظر إلى طرف لبناني مشارك بفعالية في الميدان السوري وهو حزب الله الحليف لها بالمعنى العسكري. وبالتالي إذا كان من شأن لبنان الرسمي عرقلة المهمة الروسية في سورية عموماً، فهذا لن يكون محطة تتوقف عندها روسيا من دون فكفكتها.

تتقدّم روسيا بإنجازاتها العسكرية في سورية، لكنها تحتاج إلى جبهة لبنان لارتباط القلمون بتدمر وحمص وأهميتهما، وعلى هذا الأساس فإنّ توافر قوة الجيش اللبناني كجيش مجمّد عملياً هو مصلحة للبنان بقوة النار الروسية بالتنسيق مع سورية ومن هنا تأتي زيارة وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل إلى موسكو ولقائه نظيره سيرغي لافروف.

لافروف قال بعد لقائه باسيل إنّ موسكو تعمل على تعزيز العلاقات الروسية ــــ اللبنانية وتدعم الجيش اللبناني والحكومة. وأضاف: «نحترم سيادة لبنان ونساعده على تعزيز أمنه بالوسائل الممكنة». وبذلك، فتح لافروف الباب واسعاً أمام إرساء أجواء تمهِّد لدعم الجيش اللبناني في معركته الحدودية المرتقبة والتي، وإن طالت، فإنها مقبلة من دون شك، لكنّ ما يعني روسيا لإنجاح المهمة هو تعاون جدّي للجيش اللبناني مع غطاء جوي توفره له. فهل يفتح جبران باسيل الباب بالتفاهم مع حزب الله وإيران؟ وهل يعترض تيار المستقبل على ذلك؟

بالنسبة إلى حزب الله، يشكل الدخول الروسي على خط دعم الجيش ومساعدته في عملياته ضدّ الإرهاب مصلحة كبرى تعنيه بالدرجة الأولى ميدانياً وتساهم معنوياً في تعميق مفهوم الجيش والشعب والمقاومة وإجماعهما على أولويات البلاد، عدا عن تشكيل هذا تسريعاً للتخلص من بؤر الإرهاب التي تهدّد المناطق الشرقية التابعة لقاعدة هامة من جمهوره.

أما تيار المستقبل، فسيجد نفسه غير قادر على معارضة مناخ يتجه العالم كله نحوه. فكيف يمكن مثلاً أن يعترض على أي مساعدة روسية أو طلعة جوية تقصف خلايا «داعش» أو «النصرة» في جرود لبنان؟ وبحجة ماذا؟

إنّ الدور النشط الذي تلعبه روسيا، على الصعيدين الأمني والسياسي معاً في سورية، سيُسرِّع عملية البتّ في الجبهة اللبنانية أمنياً، لكي تحكم نجاح مهمّتها.

وإذا كان لبنان لم يدرس بعد إمكانية التقدم بطلب إلى روسيا لتساعده في مكافحة الإرهاب، فإنه على ما يبدو مقبل على هذا قريباً إذا ما التزم أولاً وأخيراً بما تقرّره أي طاولة مفاوضات لحلّ الأزمة السورية في فيينا أو باريس حضوراً وتفاعلاً في مكافحة الإرهاب، وإلا فسيجد نفسه محرجاً أمام روسيا وغير قادر على توقيف بنوك أهدافها في المنطقة المعنية، وبالتالي فإنّ لبنان سيدخل بلا شك عاصفة «سوخوي» الروسية ضمن الهدف العام الذي يعني نجاح المهمّة الروسية.

قد يساعد خصوم روسيا في لبنان حلفاء الولايات المتحدة أو ربما فريق 14 آذار الذي قد يكون أكثر المنزعجين من الدخول الروسي، كمقدمة للتنسيق مع سورية، ما لفت إليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بقوله إنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر الأسطول الروسي، بالتعاون مع الفرنسيين بصفتهم حلفاء، وذلك فور وصول الحاملة «شارل ديغول» قبالة السواحل السورية. إذاً يتوجّب على المعترضين في لبنان قراءة المشهد أكثر وقبول ما قبلت به فرنسا، كحليفة للحليف الأميركي بالتعاون مع روسيا في مكافحة الإرهاب في سورية، جنباً إلى جنب. وفي هذا الإطار يبدو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الأكثر واقعية في قراءته التي وصل فيها إلى هذا الاستنتاج، محاولاً تقديمه كنوع من النكتة على «تويتر»، طالباً من الوزير باسيل تطمين الروس بأنّ المختارة ليست مقرّاً لـ«داعش»، طالما أنهم قادمون حتماً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى