العراق وتكرار السيناريو السوري
حميدي العبدالله
ردود فعل أطراف عراقية مشاركة في العملية السياسية وأعضاء في الحكومة والبرلمان، وردود الفعل العربية والتركية، وردود فعل الدولة الغربية على انتشار «داعش» في ثلاث محافظات عراقية يؤكد أنّ السيناريو السوري يتكرّر في العراق.
فردود الفعل هذه يجمع بينها قاسم مشترك واحد وهو الحديث عن التهميش، وبالتالي تحميل طرف واحد في العراق مسؤولية ما حصل في الفترة الأخيرة، وما يحصل في العراق منذ فترة طويلة.
بحسب ردود الفعل، لولا تهميش نوري المالكي أطرافاً سنية، لما حدث ما حدث في العراق، ولما تمكن تنظيم «داعش» وحلفاؤه من السيطرة على مناطق واسعة في ثلاث محافظات عراقية جديدة غير الأنبار، تقع وسط العراق وشماله. أما تنظيم «داعش» التكفيري والجماعات المساندة له فإنّ ردود الفعل تتجاهل دورها في مذابح العراق، وفي ما وصل إليه الوضع الآن، إن لجهة عدم الاستقرار، أو لجهة المضاعفات المذهبية والطائفية التي قد تحصل في الفترة المقبلة.
بمعزل عن صحة حالة التهميش، فإنّ المقصود به ليس تمثيل الطائفة السنية في الحكم بما يتناسب مع عددها، وعبر القوى الممثلة فعلاً لها، أو على الأقلّ الغالبية فيها. فالتهميش من وجهة نظر «داعش» و«جيش النقشبندية» القريب من عزة الدوري، أو «هيئة العلماء المسلمين» أو «كتائب ثورة العشرين»، كان موجوداً منذ بدء العملية السياسية عام 2004، وهذه الجماعات لا تعترف بتمثيل «الحزب الإسلامي» وأحد زعمائه هو طارق الهاشمي اللاجئ إلى تركيا وقطر، ولا تعترف بأسامة النجيفي، أو بصالح المطلق ممثلين عن الطائفة السنية في العراق، وتعتبر التهميش واقعاً منذ بداية العملية السياسية حتى اليوم. أما التهميش من وجهة نظر تركيا وقطر والسعودية والحكومات الغربية فالمقصود به رفض حكومة المالكي الامتثال لإرادة النجيفي أو الهاشمي في التعبير عن السياسات التي ترضي الولايات المتحدة ودول المنطقة التي تدور في فلكها، أي أن لكل طرف من هؤلاء مفهوماً مختلفاً حول التهميش، فالولايات المتحدة لم تكن ترى أن ثمة تهميشاً عندما كانت قواتها موجودة في العراق، علماً أن المحاصصة الحكومية بين المذاهب والطوائف والأعراق هي ذاتها، لكنهم عندما وجدوا اليوم أن المالكي لا يمتثل لإملاءاتهم بدأوا يتحدثون عن تهميش، ولم يتورّعوا عن وضع أيديهم بأيدي «داعش» والجماعات التي ساندتها في هجومها الأخير، في محاولة لإضعاف المالكي أو إرغامه على القبول بالإملاءات الأميركية، وإبقاء الوضع الحكومي على ما كان عليه في ظل الاحتلال، خشية أن تكون سياسات العراق العربية والإقليمية والدولية أقرب إلى معسكر الممانعة والمقاومة.
إذن، ثمة تقاطع مصالح بين «داعش» والقوى المشاركة معها في الانتشار في الأنبار وصلاح الدين ونينوى يشبه تقاطع المصالح الذي يجمع الحكومات الغربية وحكومات المنطقة مثل تركيا والسعودية وقطر في سورية، وبدأت حملات إعلامية مكثفة لشيطنة المالكي ورد الاعتبار لـ«داعش»، وبدا من هذه الحملات كأن الغرب وحكومات المنطقة نادمون على شيطنة «داعش» لمصلحة «جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية» في سورية.
لم يعد هناك خطرٌ من «داعش» والإرهاب، بل إن الخطر والأولوية يكمنان في إرغام المالكي على تشكيل حكومة ترضى عنها الولايات المتحدة وحلفاؤها، حكومة لا تقيم وزناً لدروس التجارب السابقة المريرة، ولا لنتائج الانتخابات، وتعيد المعادلة الحكومية ذاتها التي كانت أثناء الاحتلال.