مشاريع الغرب إذ تنقلب عليه وعلى «حلفائه» ونظامه العالمي
محمد شريف الجيوسي
وقعت 3 أحداث إرهابية متباعدة جغرافياً لكن متزامنة على حوافي البحر الأبيض المتوسط ارتكبها حمقى إرهابيي داعش، في حين ظنوا أنهم «يحسنون صنعاً»!؟ ويقتربون بها من الله العليّ عن أفعالهم الدموية العدوانية الإجرامية.
وبقدر ما توفرت عليه هذه الارتكابات من حمق وعمى ألوان ودموية وسوء بصيرة وتدبير، فقد خدمت هذه العمليات الإجرامية محور المقاومة وأوضحت لكل راغب في معرفة حقيقة ما يجري ممن لم يكن بعد قد توصل إليها، صدقية محور المقاومة، وحسن تدبيرها، وصحة خياراتها ومواقفها وحرصها على السلم والأمن والاستقرار والعدل.
لقد وضعت هذه العمليات الغرب الأوروبي بعامة وفرنسا بخاصة التي طالما احتضنت ودعمت كل معاد للدولة الوطنية السورية كما في ليبيا لعبت دوراً قذراً إلى جانب لاعبين دوليين وإقليميين أمام خيارات صعبة، وإلا سقطت الأنظمة السياسية الغربية، ومن ضمنها فرنسا، وما لم تقم هذه الدول باستدارات كاملة أو شبه كاملة، فإن ذلك يعني أن تترك لمجاهيل داعش وشقيقاتها وبناتها.
لقد كان تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء وربما كان لواشنطن دوراً في ذلك للانتقام من الكرملين وتوجيه رسالة للقاهرة التي تتجه وإن ببطء شديد لاتخاذ خيارات خاصة بها بعيداً عن التحالفين الأميركي والسعودي في المنطقة ومن بعد تفجير البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، للانتقام من المقاومة اللبنانية وبغرض خلق فتنة بين اللبنانيين وبين فلسطينيي المخيمات، وفي ذلك إعاقة لما بات يبدو في الأفق من مصالحات لبنانية محتملة، بحيث تنشغل المقاومة ولبنان في مداواة جراح مجابهة جانبية.
لكن سيد المقاومة السيد حسن نصر الله، استبق بحسن بصيرته ورؤيته الاستراتيجية أية ردود فعل غريزية فكشف عن خلفيات التفجير وأهدافه المريضة الفتنوية، وعالج دمامل كان من المحتمل ان تظهر هنا وهناك، وتسفر عن أعمال انتقامية هوجاء وضحايا جدد لا صلة لهم بالتفجيرات، يذهب بنتيجتها من هم حواضن حقيقية للمقاومة، ويستعدي آخرين.
أما تفجيرات باريس المفاجئة والتي قد تتكرّر فيها أو في أي بلد غربي وغير غربي، ممن سبق أن صنّع أو احتضن أو دعم أو موّل أودرب أو شجع أو برّر ممارسة الإرهاب في سورية والعراق واليمن ومصر وليبيا والجزائر… هي في الواقع ليست مفاجئة، فقد سبق للرئيس العربي السوري الدكتور بشار الأسد ان توقع ذلك محذراً تلك الدول والجهات من أنها ستعاني هي الأخرى من الإرهاب الذي خلقته ورعته، داعياً إياها للكفّ عن دعمه قبل فوات الأوان.
وهو الأمر ذاته الذي أكده السيناتور الأميركي ريتشارد بلاك عن ولاية فرجينيا، حيث أكد في رسالة وجهها إلى الرئيس الأسد، «أنّ الحرب على سورية لم يكن سببها اضطرابات داخلية، بل كانت حرباً غير قانونية عدوانية من قبل قوى خارجية صَمّمت على فرض نظام عميل بالقوة… وأنّ هدف الأتراك والسعوديين هو فرض دكتاتورية متشدّدة دينياً على الشعب السوري… ومؤكداً أنّ الرأي العام العالمي بدأ ينقلب ضدّ الإرهابيين وداعميهم».
وكنت قد أدليت بحديث إذاعي لمحطة بريطانية في ساحة فندق الأردن كونتيننتال، قبل قرابة 4 سنوات أكدت فيه أنّ السحر سينقلب على الساحر جراء الحرب العدوانية الغربية والرجعية على سورية.
الآن، ومتأخراً جداً، طالبت فرنسا شقيقاتها الغربيات المتورّطات مثلها في دعم الإرهاب، مساعدتها في الحرب عليه، وعرضت التنسيق مع روسيا الاتحادية التي تشنّ حرباً حقيقية ضدّ الإرهاب، فيما كانت قبل أيام من أشدّ منتقدي روسيا لشنّها الحرب على الإرهاب!؟ وفي حين بدأت الدول الغربية تتخذ التدابير الاحترازية ضدّ الإرهاب الذي رعته، تتوجه جهات عديدة في مجتمعات غربية أُشبعت بالعنصرية والتمييز، للانتقام من الأقليات القومية الإسلامية والعربية من مواطنيها ومن لجأ إليها مؤخراً، ما ينذر بأعمال عنف واسعة وفتن، قد تكون تربة خصبة لتغذية الإرهاب والإرهاب المنفلت المضاد على صعيد دول غربية وجماعات عنصرية فيها.
لقد تدرّجت روسيا في الحرب على الإرهاب، وأعدّت له داخلياً وإقليمياً ودولياً، ولم تترك ثغرة في العمل المتميز ضدّه، في حيت يقع الغرب في متناقضات وخيارات وأكاذيب وتباينات، فجعل من نفسه مضطراً تابعاً لروسيا إن أراد شنّ حرب حقيقية على الإرهاب ومضطراً للتراخي بالتدريج تجاه سورية إن أراد حفظ ما تبقى لديه من ماء الوجه فالحرب على الإرهاب يعني إسقاطه نهائياً وبشكل كامل، وإسقاطه يعني انتصار الدولة الوطنية السورية عليه، والكفّ غربياً عن الكذب بزعم وجود معارضة معتدلة وأخرى غير معتدلة.
لقد بات على الغرب أن يدرك، أنه لم يعد قادراً على رسم خرائط الدول والقوميات ومستقبل الأجيال في المنطقة والعالم، وأنه لم يعد قادراً على كسب الحروب وتحديد نتائجها وأسماء الرابحين والخاسرين فيها، كما لن يعود قادراً على سرقة المقدّرات والأسواق والتحكم في أسعار الثروات الباطنية والعملات الوطنية، فعلى أرض سورية، تتقرّر استراتيجيات وأجندات عالم جديد متعدد الأقطاب أكثر عدلاً واستقراراً وأمناً وتقدماً.
لا بد أنّ الغرب يمشي بـ»ظلفه إلى حتفه» فهو في حين أراد لنا على مقاساته مشاريع مدمرة كـ «شرق أوسط جديد»، و»فوضى خلاقة»، و»ربيعاً وهابياً إخوانياً فتنوياً رجعياً مذهبياً طائفياً عنصرياً جهالياً متبلداً»، انقلبت كلّ مشاريعه عليه وعلى حلفائه وعلى نظامه العالمي، وأزماته الاقتصادية تتوالى، وبعض دوله في طريق التفكك بعد أن أراد إحداث المزيد من التفكيك في منطقتنا وعمل عليه في مناطق أخرى.
يحدث ذلك رغم كلّ التضحيات والآلام والأحزان والشهداء والضحايا والمصابين والخسائر في المقدرات والثروات والبنى التحتية… التي أحدثها الغرب الأوروبي والأميركي والصهيوني في غير ساحة عربية، سواء بشكل مباشر أو من خلال العصابات الإرهابية العديدة.
على العالم أن يدرك أنه على أرض بلاد الشام تنحسر وتضمحل وتتلاشى، موجات الحروب الصاخبة الظالمة الطامعة على مدى التاريخ، مهما اكتسحت نلك الموجات واحتلت من أراض وأسقطت من دول واستعبدت من شعوب.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk