عفيف خوري… الرفيق الذي جسّد سعاده في تصرّفاته كلّها
ل. ن.
أوّل ما سمعت عنه كان في ستينات القرن الماضي. كان يُحكى عن المدرّس الناظر 1 الرفيق المثالي سلوكاً وتعاطياً.
مضت سنوات، والرفيق عفيف خوري حيّ في ذاكرتي من دون أن أعرفه شخصياً.
وانتمى ابنه «نداء» إلى الحزب في أواخر السبعينات في وقت واحد مع مجموعة من رفقاء ورفيقات، أذكر منهم مخايل سماحة، تموز قنيزح، رستم مجاعص، استير خنيصر، لينا خنيصر، سمير عطالله الأمين حالياً ، نجيب قربان، دافيد ديب، وآمل ألا أكون قد نسيت أحداً منهم.
ورأيت الرفيق عفيف في ابنه «نداء»، سلوكاً ومناقب. ومضت سنوات أخرى.
عندما رحتُ أتردد إلى ضهور الشوير، حيث كان يصطاف الأمين نواف حردان بعد عودته من المهجر البرازيلي، علمت أن الرفيق عفيف مقيم فيها، وسمعت عنه من الأهالي الكثير مما يُفرح.
قيل لي أنه يجتاز المسافات البعيدة سيراً على الأقدام منذ ساعات الفجر الأولى، يصعد الدرجات المئة وأكثر، من منزله المطلّ على الشوير وعين السنديانة والخنشارة وصنين، إلى الطريق في ضهور الشوير، كلما رغب التوجه إلى الساحة أو إلى أي مكان في الضهور.
وزرته ذات يوم، وجدت أن ما كانوا يقولون عنه أقلّ، إذ نادراً ما تجد إنساناً في صفائه، وأخلاقه وترفّعه وسموّه ومناقبه.
من كلّ مسامه، تطفح المحبة والابتسامة والبشاشة، ومعها حزم وحسّ نظامي وثقافة عقائدية، وإنسان قرأ سعاده جيداً، وجيداً راح يجسّده في كل شيء.
منذ ذلك الحين أتردّد إلى الرفيق عفيف كلما مكنتني ظروفي، سارقاً من وقت انصرافي شبه الكامل لموضوع تاريخ الحزب.
مع كل زيارة يكبر الرفيق عفيف. يتعملق. ويبدو لي مارداً بكل سموّه المناقبي.
كل كلمة لديه تنبع من سعاده. كل تصرّف، فيه من عطر النهضة. كل ملاحظة أو التفاتة أو رأي، لا تخرج إلا من صدر مليء بسعاده وبمفاهيم الحزب.
علمت من العميد الأمين جورج ضاهر أنه يزوره من حين إلى آخر مع رفقاء من كفرحزير، ليس فقط لواجب الاطمئنان، إنما أيضاً لتسجيل ما يعرف، وهو كثير، عن تاريخ الحزب في كفرحزير، وهو كان خسر شقيقه المحامي فائز شهيداً، وأشقاءه الآخرين، واحداً بعد الآخر، وكلهم رفقاء.
ودائماً كان الأمين جورج يشاطرني إعجابي وحبي وتقديري للرفيق عفيف.
أخبرني الامين جورج ان الرفيق عفيف شهق بالبكاء في لقائه معه بتاريخ 11/05/2014 عندما كان يروي له عن شعوره عندما رأى سعاده، في المرة الأولى، عند زيارته كفرحزير. يقول إن سيارة الزعيم، وكانت مكشوفة، توقفت، قرب مقهى لسليم معوض مقابل معصرة الزيتون لصاحبها رجا زخريا ، نزل سعاده من السيارة فأدّى له القوميون الاجتماعيون التحية الحزبية وكانوا قد اصطفّوا إلى جانبَي الطريق أمام المقهى، انتقل سعاده إلى الطابق العلوي من البناء المؤلف من طابقين «عقد».
بعد الاستقبال ألقى الزعيم كلمة جميلة مقتضبة إنما لا يتذكر الرفيق عفيف مضمونها. كان من بين الرفقاء والمواطنين المستقبلين وقد وضعوا شارة الزوبعة على سواعدهم، منهم، على ما يذكر: اسكندر معوض، يعقوب ساسين، عزيز عودة. استمرت الزيارة ما يزيد على نصف الساعة. يضيف أنه، قبيل مغادرة الزعيم القرية، وقع دولاب السيارة التي أقلّته، في عبّارة مفتوحة قرب ساحة البلدة، فقام أهل القرية والقوميون المحتشدون بحمل السيارة وإخراجها من العبارة.
اليوم، وقد قارب الرفيق عفيف التسعين من عمر مليء بالنضال والتفاني، الحزبي والتربوي، أقول له: كنتَ قومياً رائعاً يا رفيق عفيف، واستمررتَ أكثر. لك يحلو أن أقف وأؤدي التحية وأغمرك بكلّ الحب الذي أشعر به نحوك. ولك تحلو الأوسمة وحفلات التكريم. جميل أن يعترف لك أهلك في كفرحزير، وفي ضهور الشوير ورفقاؤك الكثر في كل منهما، بما كنتَ فيه من سمو.
جميل أن يشعر الآلاف ممن تتلمذوا على يديك، بالوفاء لك، وقد عرفوك مربياً وناظراً وإنساناً لم يكن يبغي سوى أن يرتفع تلاميذه نحو الأكمل والأفضل، فكان حازماً بعدل، صارماً بمحبة، ورفيقاً لكل منهم رغم فارق السنّ.
هي دعوة صادقة إلى كل من عرف الرفيق الرائع عفيف خوري. صحيح أن تاريخه الحزبي الناصع، وتاريخه المثالي في المدارس التي عمل فيها، بدءاً من مدرسة «النظام الجديد» في بلدة السودا طرطوس وصولاً إلى مدرسة الشويفات، وساماً كبيراً يبقى في ذاكرة كل من عرفه، إنما التكريم واجب تجاه من كان وفياً لمعتقده، باراً بالقسم، وشاهقاً في تصرفاته كلها.
هوامش
1 إلى توليه مسؤوليات محلية، فإن الرفيق عفيف عُيّن وكيلاً لعميد الاقتصاد الأمين عبد القادر تحوف في فترة رئاسة الامين د. عبد الله سعاده عام 1960، وبقي في المسؤولية حتى قبيل الثورة الانقلابية.