قالت له

قالت له اسمعني جيداً فأنا أريد أن أنهي خلافنا، لمرة واحدة أن تعرف أننا نتعلم ونحن صغار أن نشكر وأن نعتذر، فنشكر كل من تصرف نحونا بسلوك يعبّر عن حبّ أو تقدير، أو قدّم لنا أو تقدّم نحونا خطوة. ونعتذر ممن أردنا أن نترك عنده انطباعاً طيباً فسرقنا النسيان أو خذلتنا التعابير أو تبدلت نوايانا الطيبة بغباء لإساءة، وأجمل القيم والاخلاق أن نمتلك شجاعة الشكر والاعتذار، وأنت تقتلني لمّا ترفضهما بينما أعتبر أنني فعلت ما لا أقوى على فعله بهذه الكمية لسواك.

فقال لها المشكلة أننا نكبر وتستمر معادلاتنا قائمة على الشكر والاعتذار، وتتغير المواضيع والاشخاص لكن المعادلة تبقى. نشكر ونعتذر ويشكرنا الآخرون ويعتذرون، ولو سجلت مقاصة لسندات الشكر والاعتذار في العالم كل يوم لفاقت ما يجري تداولة في بورصة نيويورك يومياً من الشيكات بالدولار. فقالت له لكنني كما تعلم لست من صنف من يسهل عليهم الشكر ولا الاعتذار، ولا أدّعي أنّك الوحيد الذي أشكره وأعتذر له، لكنك الوحيد الذي يحظى بهذه الكمية من الشكر والاعتذار. فقال لها هذا ما يقتلني لأنني كنت مثلك وقلت البشر كلهم مثلنا لكنني فجأة أحسست أن الناس وهم في مسيرة الشكر والاعتذار من دون انتباه يشعرون بضيق كما أشعر بهذا الضيق. وتوقعت أن نشعر به عندما يشكرنا أحد ما وهو واحد وليس سواه أو عندما يعتذر. ونقول ليس هذا ما نبحث عنه فالشكر أصغر مما ننتظر، لكنه إحساس بضعف هذا الاحد ما تجاهنا فنحس أنه يصغرنا ونقول لا أريد الشكر أرجوك، وعندما يعتذر نحس اننا نريد اكثر من اعتذار على جرح أو سوء، لكننا نشعر أيضاً بضيق لأنّ الاعتذار يضعف هذا الاحد ما، فنصغر مع انفسنا فنقول أرجوك بلا اعتذار، نريد ونريد فماذا عسانا نريد، تدور الدنيا ونضيع ونبحث لنكتشف أننا نريد أن نعلم لماذا لم يخطر ببال هذا الاحد، أن يفعل شيئاً تافهاً أو بسيطاً يشعرنا أنه أصاب مقتلاً من مشاعرنا بدلاً من الشكر الذي يشكل آلة تعبير شائعة ومشتركة مع الاخرين. وأننا نريد جواباً لماذا لم ينتبه هذا الاحد ما كما ننتبه لكل سانحة نوصل له عبرها الحب والدفء وهو ببساطة وبلادة الانشغالات يعتبر ان الاعتذار كاف ليقول لم أقصد. وسؤالنا لماذا لم تقصد يا ليتك تقصدت، فعدم القصد سهو وعدم انتباه، فلماذا أنتبه ولا تنتبه وأتذكر ولا تتذكر؟ فقالت هل تتهمني بعدم الحب؟ فقال لا لكنني لم أجد جواباً غير أنني وقعت في الحب كما لم يقع فيه أحد من الناس، وأنت وقعت فيه بطريقة يقع فيها كل الناس.

قالت له أيها المتفلسف ألا تعرف كم أحبك وكم تحاسبني؟ أتعلم أن من يمضي وقته في حساب علاقاته ومن يحبّ بالربح والخسارة دوماً والودّ والبعد بالسؤال «لست مضطراً»، و«الجواب»، «هذا أنا»، سيأتيه يوم يكتشف أن من كان في آخر سلّم الحسابات هم من يقفون في أول سلّم الحب، وأنه إذا أتيح له أن يقرأ أفكار الغير لخسر أكثر من نصف أصدقائه، ولو قرأ أصدقاؤه أفكاره خسر نصفهم الثاني، وإن واحداً قرأ أفكاره وسامحه، ولمّا قرأ هو أفكاره بكى وانسحب خجلاً. فقال لها ربما فاتك أنّ نصف النصف بين من نقرأ أفكارهم سوءاً علينا ويقرأون أفكارنا سوءاً علينا، هم أنفسهم، فيبقى ربع الاصدقاء، سيخرج منهم من نندم ويندمون على ما فات، ومنهم سيخرج من يبكي لأننا الاطهر ممن عرف، ونبكي لمن نكتشف انه الأنقى، والمحظوظان فقط سيبكيان دموع الفرح.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى