من سناء إلى أشرقت: من تلفزيون المرّ إلى «إسرائيل»
ناصر قنديل
– لا وجود للسهو والاستهتار في القضايا الكبرى وإلا فقبول عذر السهو قبول ضمني بمهانة القضية بقبول ضعف المكانة واستسهال العبث بها، فلا صدف ولا جهل ولا حادث فردي ولا مجنون يطلق النار على رفاقه، كلها ألاعيب استخبارية كالانسحاب التكتيكي في تفسير الهزيمة. لم تكن «ام تي في» تشبه نفسها كما كانت في هذا التقرير، وما كان لبنان الرسمي ميتاً حقيقياً يملك شهادة وفاة كما هو اليوم.
– لا مكان لتتراجع «أم تي في» عن أقوالها، وكلّ ما قالته يجب أن يُستخدم ضدّها في المحاكمة، كما تقول شرطة نيويورك لمن يكون قيد التوقيف، زبالاً أم خارجاً من وول ستريت، وبرج التجارة، فقد قالت «أم تي في» وجاء دور المحلفين للحكم. قالت «أم تي في» إنّ من يموت دون وطنه إرهابي أو يائس يفجّر نفسه انتحاراً بلا قضية، أو ناقم يريد أن يقتل الناس لينتقم من الحياة التي يعيشونها، ولو كان الناس هنا هم جنود الاحتلال الذين يغتصبون الأرض والعرض ويسرقون المياه والآثار، ومن يستشهد دون الوطن، ممكن أن يكون ضحية إدمان على مخدر أو يريد التستر على فضيحة اجتماعية أو أخلاقية جعلت حياته جحيماً، واختار بدلاً من صخرة الروشة أن ينحر نفسه بمئة كيلوغرام من المتفجرات يفجرها بدبابات الاحتلال موجهاً النداء للوطن، أنا عروس الجنوب فلا تبكوني، لقد زففت اليوم عروساً.
– جمعت «أم تي في» كلّ عبقريتها في سرقة شريط أعدّته وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية البريطانية، وأخفت المصدر، تأكيداً على تشابه السرقة بالكسل بالنيات السيئة ضدّ الوطن والحق، كي لا تكون السقطة بالمفرد، فجمع السقطات يقوّيها، وخرج الشريط وصار ملكاً للرأي العام، وعلى اللبنانيين كهيئة محلّفين أن يصفقوا لعبقرية «الإبداع اللبناني» بتصنيع ملكات الجمال والعارضات وتصدير البضاعة إلى كلّ أسواق النخاسة باسم «الشطارة اللبنانية»، قبل أن يصدروا حكمهم، بأن يقولوا إنّ الشهداء الذين حرّروا الوطن هم مجموعة من المرضى النفسيّين، الذين لو توفرت فرصة علاجهم لما كنا أحراراً اليوم، وإنّ العودة والحنين إلى زمن لوبراني في النقّاش لا فرق إنْ كان مفخرة أو مسخرة، فتلك وجهة نظر تحتملها الديمقراطية اللبنانية، فلماذا فعل بنا هؤلاء المرضى ما فعلوا. وقالت «أم تي في»، إنّ من تواجههم «إسرائيل» اليوم هم نسخة عن الذين واجهتهم في لبنان، فاشلون في الدراسة أو حاسدون ضيقو العين بسبب فقرهم وجهلهم، وعدم تمتعهم بالتبضع من مراكز «فرجين» التي تنشر الثقافة التي لو أتيحت لهم لبقوا على قيد الحياة يحضرون حفلات التعرّي على أنغام الفرق الأجنبية التي ترعى «أم تي في» الجيل الناشئ باستحضارها، ويتولى فيها «أبطال» من نوع طارق يتيم توزيع كلّ أنواع المخدّرات على الناشئة لتعلم دروس حبّ الحياة رداً على ثقافة الموت التي يشيعها وجود من استشهدوا، في سجل تاريخ الوطن.
– قالت «أم تي في» لـ«إسرائيل» إننا نواجه العدو نفسه، وإنّ الذين اعتدوا في باريس والضاحية على حق الحياة المقدّس لأرواح بريئة هم أنفسهم الذين يقاومون الاحتلال، وإنّ «إسرائيل» أمام عملية الاستشهادية أشرقت طه القطناني، تستطيع استعارة شريط «أم تي في» عن الشهيدة العروس سناء محيدلي وإعادة بثه دون تعليق وإضافة، وإنّ حب الحياة يشمل بحصانته المستوطنين الذي دهسوا أشرقت قرب نابلس طالما شمل بالحصانة نفسها جنود الاحتلال الذين استهدفتهم سناء وهم يتحصّنون بدباباتهم فوق تراب بلدها المحتلّ.
– سناء محيدلي تخاطب الاستشهادية أشرقت القطناني، وتقول لها، أشرقت شمسنا معاً، ولن تغيب، وأقمنا عرسنا معاً، ورصاصنا يصيب، ومثلما أخرج شعبنا المحتلّ من أرضه، سيخرج المحتال والمختلّ من لعبة العبث بعِرضه.
– يبقى أن يقول اللبنانيون كلمتهم، وأن يستفيق ما تبقى من ركام دولة بين أكوام النفايات، ليصرخ في وجه الفريسيين، وعَبَدة الأصنام، ويقول كفى عبثاً بالقيم والأخلاق، والوطن، لستم أهل حياة ولا أهل حياء، وإنْ لم تستحِ فلن نسمح لك بأن تفعل ما تشاء.