المناورات الروسية فوق المتوسط: هل من دور قويّ لفرنسا؟
ناديا شحادة
الاعتداءات التي شنّها تنظيم داعش في الثالث عشر من تشرين الثاني على باريس أدخلت فرنسا ودولاً أوروبية في حالة من الاضطراب، وبالأخص بعد أن اعتبرها العديد من الخبراء أنها بداية لموجة من العمليات الإرهابية قد ينفذها تنظيم داعش في دول التحالف الدولي الذي يقاتله في العراق وسورية. وهذا ما اشار اليه جان بيار فيلو استاذ العلوم السياسية في باريس، حين قال إن قوة داعش في هذا النوع من العمليات هي في أنها تمتلك عنصر المبادرة فيمكن أن يفاجئنا خلال الأيام المقبلة فمنطقهم يدفعهم إلى الضرب بأسرع وقت في أوروبا بعد التفجيرات التي قاموا بها في باريس فاتخذت إجراءات وخيارات كبرى خوفاً من تكرار هذه الهجمات، وأرسلت حاملة الطائرات شارل ديغول إلى المتوسط حيث غادرت حاملة الطائرات الفرنسية مرفأ تولون العسكري في 18 تشرين الثاني متجهة إلى شرق المتوسط للمشاركة في العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش الإرهابي في سورية والعراق، حسب ما صرح مصدر عسكري فرنسي، وقامت بالتنسيق الأمني والعسكري مع موسكو، حيث تم الاتفاق بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي فرانسوا هولاند على وضع خطة مشتركة لإجراء عملية مشتركة في سورية من البحر والجو ضد الجماعات الإرهابية.
فالأحداث الأخيرة التي استهدفت دولاً غربية فرضت متغيرات على الاستراتيجية التي تتبعها هذه الدول تجاه التنظيمات الإرهابية، ويؤكد المتابعون للشأن الدولي أن المصالح الداخلية والخارجية للدول تبيح تغييرها مواقفها من القضايا الإقليمية أو الدولية تلبية لمصالحها وحماية أمنها القومي، فتأكيد الرئيس بوتين ونظيره الفرنسي على ضرورة التنسيق الوثيق بين الاستخبارات الروسية والفرنسية حول سورية يعتبره المراقبون تقديراً لخطورة الوضع ويثبت أن فرنسا وخدمة مصالح أمنها القومي مستعدة لمخالفة توجهات الاتحاد الأوروبي إزاء علاقتها بروسيا التي تسعى لجذب فرنسا لخيارات أكبر في الحرب.
فإعلان موسكو عن القيام بمناورات بحرية وجوية فوق منطقة المتوسط وتلقي السلطات المختصة في مطار بيروت الدولي برقية من البحرية الروسية تفيد بأن البحرية الروسية ستجري تمارين ومناورات بحرية بموجب إحداثيات محددة لمدة ثلاثة أيام ابتداء من منصف ليلة 20 تشرين الثاني. فالمناورات الروسية فوق لبنان مع وصول الحاملة الفرنسية شارل ديغول يعني عرضاً روسياً لفرنسا بأنه يمكنها لعب دور بحجم الدورين الروسي والأميركي في محاربة الإرهاب في المنطقة. فروسيا طرف في تحالف يضم سورية والعراق وإيران لهزيمة الإرهاب. هذا ما أكده الرئيس بشار الأسد، والتي بدأت أولى ضرباتها الجوية ضد الإرهابيين في سورية في 30 أيلول من العام الحالي بالتعاون والتنسيق مع الجيش السوري برياً، فللروس دور في محاربة الإرهاب في سورية انخرطوا فيه بناء على طلب من الحكومة السورية أي التزموا بالأطر الشرعية في محاربة الإرهابيين بالتنسيق الكامل والتام مع الجيش السوري، وكذلك واشنطن تلعب دوراً في محاربة الإرهاب في العراق بالتنسيق مع القيادة العراقية، حيث التقى مؤخراً رئيس هيئة الأركان المشتركة للولايات المتحدة الجنرال جوزيف دنفورد مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وتباحثا في الشؤون الأمنية والسياسية للعراق وتطورات الأوضاع الميدانية في الحرب ضد داعش.
ويؤكد المراقبون على أن المناورات العسكرية الروسية فوق لبنان هي رسالة تنطوي في إمكانية إيجاد دور قوي لفرنسا في المنطقة ولبنان هو الخيار الأفضل للفرنسيين في استهدافهم منطقة جرود عرسال من البحر، فباريس تعلم جيداً أن عودتها إلى الشرق الأوسط ستكون أسهل في ما لو طرقت الباب اللبناني وتعلم أنها قادرة على جمع اللبنانيين حول المهمة، وبذلك يكون لها دور يقارب الدور الروسي والأميركي في منطقة الشرق الأوسط.
ومع الانتصارات الميدانية للجيش السوري وحلفائه في الشمال السوري، ومع الدور الذي تلعبه موسكو سياسياً بذكاء عالٍ بحكم دورها الجديد كقطب عن طريق استمالة الأردن سياسياً من خلال مركز إعلامي روسي أردني ومساعدة بتحديد الجماعات الإرهابية، حيث كشفت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأسبوع الماضي عن وجود مكتب إعلامي تم إنشاؤه في عمان لدعم جهود روسيا في مكافحة الإرهاب، ومع المناورات العسكرية الروسية فوق المتوسط في محاولة لإيصال الرسالة للفرنسي القادر على جمع اللبنانيين حول مهمته والحصول على قبول عربي، خصوصاً سعودي وعند حصول ذلك روسيا ستكون قد أمّنت خاصرة الحرب من جهة القلمون لجبهتي حمص ودمشق وبذلك ستكون السعودية هي الخاسر الأكبر. ومع هذا يبقى السؤال هل سيبدأ التموضع السعودي الأكثر عقلانية ونشهد تغيرا في موقف المملكة؟