تفاؤل حذر بالتسوية
حسين حمّود
بالرغم من الاندفاعة الكبيرة باتجاه تحريك الوضع السياسي الجامد، عبر تسوية شاملة أو جامعة«إنقاذية» تعالج الاستحقاقات الداهمة كانتخاب رئيس للجمهورية وتفعيل عمل المجلس النيابي والحكومة وصولاً إلى وضع قانون انتخاب بصيغة يتفق عليها الجميع. بالرغم من هذا الجو التفاؤلي الذي ساد في الآونة الأخيرة، لا يبدو أنّ الظروف نضجت لمثل تسوية كهذه حتى الآن، برأي أوساط سياسية مطلعة، أو على الأقلّ، ما زال الشك قوياً في الوصول إلى حلول للمسائل المذكورة في الوقت الراهن بحسب أوساط أخرى.
لذا يدعو الجانبان إلى عدم الإفراط في التفاؤل نظراً إلى اعتبارات محلية وإقليمية ودولية عدّة، منها:
1 ـ انشغال العالم بمعالجة المشاكل التي طرأت عليه، ولا سيما موضوع الإرهاب الذي غزا الغرب بصورة عنيفة جداً إلى حدّ الوحشية باستهداف المدنيين في أماكن غير متوقعة كالمسارح والمطاعم والساحات العامة، كما حصل في فرنسا الأسبوع ما قبل الماضي.
وهذا الأمر لا يقتصر النظر إليه كعملية إرهابية فحسب، بل امتدّ التقييم إلى مستقبل الوحدة الأوروبية وبمعنى آخر وضعت عملية «داعش» في فرنسا الهيكل الأمني الأوروبي برمّته على حافة الإنهيار بعدما اكتشف التحقيق انّ العملية تمّ التحضير لها في بلجيكا ثم القبض على إرهابيين في قبرص وقبلها في السويد، ما يعني أنّ النظام الأمني الأوروبي يتيح حرية التحرك للإرهابيين وفق ما يشاؤون. هذا الأمر يأتي الآن في طليعة اهتمام الغرب وهو يحجب ايّ اهتمام آخر في العالم ومنه لبنان.
أما الاستفادة من الانشغال الغربي بمشاكله يسمح «باختلاس» الاستحقاق الرئاسي بتوافق لبناني بحت ليس واقعياً إذ انّ عرقلته ليست صعبة إذا كانت عواصم القرار الغربي غير راضية عن الشخصية المتوافق عليها لبنانياً.
2 ـ وهو الأهم، ارتباط الاستحقاق الرئاسي في لبنان بتطور الأوضاع العسكرية الميدانية والسياسية في سورية، إنْ كان التوجه نحو إيجاد تسوية بين الدولة والمعارضة، أو حسم الوضع العسكري وبالتالي السياسي، لمصلحة أحد الفريقين.
3 ـ وفي معرض الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية، وبناء على ما سبق فإنّ مواصفات الرئيس العتيد تتحدّد وفق التوجه المستقبلي في سورية وارتباطاً بها، مستقبل المنطقة برمّتها. وما زال المستقبل غامضاً حتى الآن على الأقلّ، ولا سيما بعد «تجرّؤ» تركيا على إسقاط طائرة «سوخوي» الروسية في منطقة تماس على الحدود السورية التركية وليس في الأجواء التركية.
هذه الأجواء الملبّدة تشي بأنّ لحظة الحسم العسكري أو التسوية السياسية في سورية ومن ثم في لبنان لم تحن بعد، وكل ما يطرح ويجري من لقاءات في باريس والرياض والتي بادر بها الرئيس سعد الحريري قد تكون غباراً لأمر ما مخفيّ. وهنا تستحضر الذاكرة انقلاب الحريري على الاتفاق الذي عُرف باتفاق السين- سين الذي كان قاب قوسين أو أدنى من إبرامه وتنفيذه، وعاد الحريري وأنكره فجأة بأمر سعودي، ثم تنكر أيضاً للاتفاقات التي نتجت من حوار التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، ولا سيما اللقاءات بين الحريري ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون.
كل ذلك يستدعي الحذر الشديد في التفاؤل بإمكان حصول تسوية في المدى المنظور، وإنْ كان من حسنة لهذه الأجواء المستجدة فهي مساهمتها في تنفيس الاحتقان السياسي وإراحة الأوضاع من التشنّجات في مواقف قوى 14 آذار، ليس أكثر حتى الآن.