ماذا جرى بين القيصر والامام في الساعتين…!؟
محمد صادق الحسيني
إنّ ما جرى بين فلاديمير بوتين قيصر روسيا والامام السيد علي خامنئي خلال الساعات الماضية شكلاً ومضموناً سيُحدث انقلاباً حقيقياً وجوهرياً في جغرافيا التحالفات السياسية في الإقليم والعالم لم تشهده الخريطة الاوروآسيوية منذ قرون، هذا ما يؤكده متابعون وثيقو الصلة بالقيادة الإيرانية العليا…
ساعتان هي النادرة في تاريخ العلاقات الإيرانية الروسية منذ عهد القياصرة ستغيّران قريباً جداً خريطة المنطقة ووجه العالم كما يؤكد الذين تابعوا تفاصيل مضمون اللقاء التاريخي – القمة في نهاية شارع فلسطين في العاصمة الإيرانية، عندما حضر قيصر روسيا ضيفاً متميّزاً وخاصاً على طاولة الحوار الاستراتيجي مع الامام السيد علي خامنئي…
مباشرة من الطائرة التي أقلته الى طهران توجّه الى شارع فلسطين، حيث مقرّ الامام متخلياً عن كلّ التقاليد والأعراف البروتوكولية في استقبال الرؤساء، بل وحتى عن المؤتمر الهامّ والخطير جداً والخاص بكيفية إدارة الطاقة النظيفة، أيّ الغاز على المستوى الدولي، معتبراً أنّ مفتاح هذا وغيره مما سيناقش في طهران مع كبار المسؤولين الإيرانيين لا بدّ أن يأخذ بصمته الأساسية أولاً من صاحب الكلمة الأولى في إيران، والذي قرّر أن يوقف مبكراً زحف الغربيين عند بوابات الشام بأيّ ثمن كان، وهكذا كان منذ الأسابيع الأولى للعدوان على سورية قبل نحو أربع سنوات ونصف السنة.
فماذا قال بوتين للقيادة الإيرانية؟ وماذا سمع منها؟
العارفون بخبايا الأمور والراسخون في علم القيصر والامام يقولون:
لقد قرّر بوتين أن يضع كلّ ثقله الشخصي والرسمي الحكومي والدولي خلف كلّ ما يروم إليه محور المقاومة في التصدّي للعنجهية والتعالي الأميركيين وعدوانيتهما المضمرة والمبطنة في وجه إيران ودمشق وحزب الله بما يؤمّن مظلة أمنية استراتيجية لاستمرار هذا التحالف وتوسعته ليشمل المنطقة الواصلة من الاسكندرون الى الاسكندرية وصولاً إلى باب المندب…
في المقابل فقد وعد الإيرانيون بأن يضعوا كلّ ثقلهم في معركة الحرب على الإرهاب بما يمنع وصول طلائع الأطلسي – سواء تلك التي تقاتل بالنيابة أو الممكن أن تنزل الى الميدان بالاصالة – الى حدود الفضاء الحيوي للروس عند مشارف الاتحاد الروسي في أيّ نقطة من نقاط التماس لا سيما الحدود الجنوبية الغربية للاتحاد الروسي، ايّ الحدود السورية التركية…!
طهران وموسكو قرّرتا أيضاً في لقاء الساعتين الذهبيتين أنّ تؤسّسان لعلاقة تحالف استراتيجية شاملة مستقرّة تشمل كلّ نواحي العلاقات من حبة الغذاء والدواء الى المظلة النووية…!
وقد صدرت الأوامر الى القيادات التنفيذية لترجمة هذه القرارات فوراً وبحذافيرها من دون أيّ تأخير أياً تكن التحوّلات الداخلية لكلّ بلد وأياً تكن التحوّلات الإقليمية أو الدولية…!
لقد نقل القيصر الروسي رغبة بلاده بما لا يقبل الشك والتردد بأنها تريد تحالفاً طويل الأمد مع إيران وحلفائها الإقليميين وانهم يمكنهم الاعتماد عليها إلى أمد بعيد في معركة إخراج الأميركي من كل المنطقة العربية والاسلامية بما يؤمن استقراراً وأمناً شاملاً ودائماً ومتكافئاً للجميع…
بالمقابل فقد سمع القيصر من القيادة الإيرانية العليا بان محور المقاومة والتصدي للأحادية الأميركية ذاهب في معركته ضد الإرهاب التكفيري حتى النهاية ولو طالت المعركة لألف عام وأنه لن يسمح مطلقاً لأحد، أي أحد، أن يتلاعب باسم الدين والعقيدة ليفرض على المنطقة هوية غير هويتها القرآنية والمشرقية التوحيدية الأصيلة المتعايشة بشرائعها التاريخية المعروفة…
وأن امام أوروبا باب واحد مفتوح للخلاص إما أن تدخل منه للتفاهم مع أهل المنطقة الأصليين للخلاص من هذا الشر الوجودي المستطير، أي الإرهاب التكفيري السعودي الأصل أو أن تصبح حطباً في معركة طويلة الأمد قررها تحالف التكفيريين والإسرائيليين والأميركيين ضد من يسمّونها بالقارة العجوز…!
هذه بعض مفاتيح تفاهمات الساعتين التاريخيتين بين القيصر والامام، والتي يفترض أن مَن سيترجمها عملياً في الإقليم من الجانب الإيراني اللواء الحاج قاسم سليماني قائد فيلق القدس والتي هي قائمة في جزء منها على قدم وساق في مساهمات ومشاركات ضباط وقادة الاستشاريين الإيرانيين في معارك التطهير التي يخوضها الجيش العربي السوري في مختلف الساحات السورية…
فيما تم إبلاغ المسؤولين الحكوميين الإيرانيين بترجمة تفاهمات التعاون الثنائي بأسرع وأفضل شكل ممكن. وهو ما بدأه الجانب الروسي حتى قبل أن يصل طهران عندما أطلق قرار فتح باب التصدير لإيران كل ما تحتاجه لأجل التخصيب النووي علمياً وصناعياً وتجارياً، والذي توجه باعتماد مبلغ ائتماني بقيمة خمسة مليارات دولار من الجانب الروسي ليصبح تحت التصرف الإيراني لغرض توسعة التجارة البينية على المستويات كافة…
إن الساعتين التاريخيتين ستعنيان عملياً بالنسبة لإيران:
التوجه شرقاً بالسياسات العامة وبقوة مضاعفة بدلاً من انتظار التزامات الغرب غير الموثوق أصلاً على مدى صدق نياته في ما يخص الاتفاق النووي…
التشكيك علناً وبوضوح في نيات الغرب كلها، لا سيما الأميركية منها تجاه قضايا المنطقة وملفاتها الأساسية والتصدي الشفاف لكل محاولات الاختراق أو النفوذ أو التسلل على خلفية الاتفاق النووي….
الإعلان الواضح والصريح بقيام تحالف استراتيجي مع الروس وإشهار صدقيتهم وتأثيرهم في الميدان وفي العمل وإعلان الاستعداد للدخول معهم في إطار جبهة صراع عالمية ضد أي عدوان غربي محتمل على الصعيد العالمي…
بالمقابل، فإن الساعتين التاريخيتين ستعنيان بالنسبة للروس:
ضمان حليف استراتيجي تاريخي معتمد في أي حرب مقبلة ضد الأطلسي وتحالفاته الجديدة…
ضمان شريك اقتصادي وأمني معتمد ومتعاون في إطار يقضي بالحد من التجربة الاستعمارية الامبريالية العالمية المدمرة…
ضمان حيّز وفضاء صديق يمنع أي تمدد أو تسلل أو اختراق يمكن أن يفكر فيه الأطلسي للحدود الروسية انطلاقاً من جبهته الجنوبية والجنوبية الغربية…
إنها الحرب إن اقتضت الضرورة…
والسلم إن أرادوا التنمية المستدامة، كما يزعمون…!
ساعتان رسمت خطوط دفاع جبهة الجنوب ضد الشمال المتغطرس.
ساعتان رسمت خطوط العالم الصاعد مقابل العالم المتقهقر…
ساعتان سيتبين لاحقاً أنها ممكن أن تكون سبباً في هلاك ملوك واستخلاف آخرين…!