فليتوقّف العرب في الشهر الفضيل عن أكل لحوم البشر
الياس عشّي
بعدما مرّت ثلاث سنوات ونيّف على تلك الحرب العبثية الحاقدة التي شُنّت على سورية، نكتشف ببساطة تامة أنّ الانتصار الذي حقّقه يهود الخارج ويهود الداخل كان قدرتهم على تدمير التراث السوري الإنساني، وهدم البنى التحتية المرتوية بعرق العامل والفلاّح والطالب والجندي والموظّف، ومصادرة أطواق الياسمين التي علّقها نزار في أعناق النساء جميعاً ، واغتيال النوارس التي لطالما لاعبت الأطفال من البسّيط إلى اللاذقيّة إلى بانياس وانتهاءً بطرطوس… ولكنهم عجزوا عن مواجهة التعايش المثالي بين الأطياف السوريّة المتعدّدة.
مع هذه التجربة المريرة، يدخل رمضان بيوت شحّ الزيت في قناديلها ، ويزور جيلاً جديداً من المخيّمات ، ويقرأ الفاتحة على أرواح الشهداء، ويقبّل جبين الذين يخوضون معركة الأمعاء الخاوية، ليس في السجون «الإسرائيليّة فحسب، وإنّما في هذا السجن الكبير المسمّى بالعالم العربي.
ماذا عساه أن يقدّم شهر رمضان للمسلمين وقد أدار بعضهم ظهورهم لجميع الخصال الحميدة التي ترافق الصيام عادة؟ وماذا عساه أن يقول لهم وقد صار الإفطار عندهم ولائم باذخة، ورشى سياسيّة، ومظاهر خدّاعة، وطقوساً وثنيّة لا تمتّ إلى الإسلام بصلة؟
وتسألون : وما هي الخصال الحميدة؟
أحيلكم على الإمام محمّد بن الحسن وقد سئل : لمَ فرض الله الصوم؟
فأجاب: ليجد الغنيّ مسَّ الجوع فيحنو على الضعيف .
وأحيلكم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي قال في الصيام:
«ثلاثةٌ من كنّ فيه منافيا وإن صام وصلّى وزعم أنّه مسلم: مَن إذا ائتُمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف».
وأحيلكم ثالثاً على ما جاء في الحديث الشريف ، وما جاء يدفع إلى الاعتبار بأنّ هذا الشهر الفضيل يستحقّ منّا موقفاً أخلاقيّا ليُعطى بُعْده الديني ، ألم نسمع بقول الرسول العربي الكريم:
«ما آمن بي من بات شبعاناً وجارُه جائع».
أو قوله :
«الساعي على الأرملة ، والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله. وكالذي يقوم الليل ، ويصوم النهار»/
أو قوله :
«لَزوالُ الدنيا جميعاً أهون على الله من دم سفك بغير حقّ».
أليس ذلك هو الإسلام؟ أم أنّ الإسلام شيء آخر لم يعلّمونا إياه في المدارس والجامعات؟ ثمّ ألا يستحق ، وقد أعيت الحرب جميع الأطراف ، هذا الشهر المبارك أن يكون من الأشهر الحُرم التي يتوقف فيها العرب عن أكل لحوم البشر؟
واللهِ يا جماعة، حتّى في العصر الجاهلي كان للعرب ثلاثة أشهر يتوقفون فيها عن القتال، فتعمر أسواقهم الشعرية.