مبايعة داعش: أين المعتدلون في سورية؟
عامر نعيم الياس
ألقى التقدم المستمر لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في العراق تداعيات على شكل الصراع في سورية الذي قادته فصائل إسلامية مختلفة المشارب في البداية تحت مسمى الجيش الحر في مواجهة القوات المسلحة في سورية، ومع مضي الوقت منذ آذار 2011 وحتى يومنا هذا، بدأت تتكشف طبيعة الفصائل المنضوية تحت العنوان الإعلامي العريض المسمى الجيش الحر، فبدءاً من فصائل إخوانية حملت في معظمها أسماء صحابة ورموز إسلامية وحتى طائفية لها رمزيتها في التاريخ الإسلامي الخلافي سيطرت في البداية على المشهد، مروراً بجبهة النصرة التي تقاسمت إلى جانب الحر ولواء التوحيد الإخواني السيطرة على المشهد السوري، وليس انتهاءً بداعش وغيره الذي بدأ يستعرض قوّته في مختلف أنحاء البلاد.
تقدير الموقف السعودي القطري التركي، وعامل الوقت الناتج من صمود الجيش السوري وحلفائه قلب الطاولة على رؤوس الفريق الأول الذي قاد الحرب في سورية وعليها تحت شعار «الحرب المقدسة» الذي لاقى تفسيره الديني في إطار الجهاد وحضرت الفتاوى وفتحت الحدود على مصراعيها، وهنا تبقى المسألة في سورية مسألة وقت ويمكن احتواء تداعيات الصراع الموقت في سورية لقلب النظام وتفتيت الدولة، لكن الصراع طال ومرت ثلاث سنوات ونيّف أفلتت المارد الجهادي الإسلاموي من القمقم ودفعت به إلى العراق تأسيساً لدولة جهادستان الداعشية، وفي لبنان تفجيرات انتحارية وعمليات استباقية في وسط العاصمة بيروت للقبض على خلايا نائمة سعودية، وفي طرابلس شمال لبنان تظاهرات تلاقي «ثورة داعش» إخوة المذهب السلفي وإن اختلفت التفسيرات، أما في الأردن وبعد وصول داعش إلى حدوده مع العراق، خرجت معان خزان الوجود الإسلامي الإخواني الأصل الوهابي القاعدي الهوى رافعةً شعارات تحيي داعش في العراق وترفع رايته مسقطةً راية القاعدة من الحسابات. وفي سورية دفع نصر البغدادي المفاجئ والمترافق مع ضخ إعلامي غربي وعربي لتعظيم داعش يتراوح بين ثورنتها وفق أنموذج الربيع العربي وإعلامه الخليجي، وأسطرتها وفق الأنموذج الهوليودي، دفع هذا النصر كل من يحمل فكر الإقصاء ونبذ الآخر، أي الفكر القاعدي، إلى تقديم فروض الطاعة والولاء والبيعة للمنتصر في العراق، ففي دير الزور دخلت داعش مدينة المو حسن التي تعتبر أحد أهم معاقل الجيش الحر من دون قتال بعد مبايعة «التنظيم المعتدل» بحسب الرؤية والرواية الأميركية والخليجية والثورية الليبرالية السورية، للأمير أبو بكر البغدادي وإعلان الجيش الحر هناك انضمامه للقتال في صفوف داعش، أما في مدينة البوكمال وفي الربيعية تحديداً حصل انشقاق في جبهة النصرة وبايع أميرها هناك المدعو أبو أحمد البوكمالي الأمير البغدادي مجاهداً تحت راية سوداء أخرى أكثر إغراء وأنجع ذبحاً وقتلاً وتحكماً بالبلاد والعباد، بينما انسحب من بقي على مذهب النصرة وقاعدة أيمن الظواهري إلى حقول النفط في دير الزور لحمايتها ومنها حقل العمر النفطي، الحقل الأهم في معادلة التمويل الذاتي للإرهاب الوهابي، تاركاً المنطقة الحدودية لداعش ودولته.
إن صورة المشهد السابق خصوصاً المشهد السوري تؤكد الآتي:
انقسام المعسكر المناهض لداعش في سورية وما يحمله ذلك من استمرار للحرب الدموية أو ما يحلو للبعض تسميته قتال الإخوة، في المناطق التي لا تبايع الأمير البغدادي الذي أفتى بالجهاد القريب كخطوة أساس على طريق التمكين في دولة الدولة الإسلامية.
أجمعت الصحف الأميركية والفرنسية الصادرة خلال الأسبوعين الماضيين على تسمية داعش بالقاعدة الجديدة، وهنا يمكن القول إن شعارات معان وطرابلس وحتى ما يجري بين الفصائل الإسلامية المقاتلة والمتقاتلة في سورية، يشير إلى تحوّل قاعدة الظواهري إلى فصيل ثانوي فقد هالته وتأثيره المعنوي وحتى الشرعي في قاعدة منطقتنا التي باتت خارجة بشكل شبه تام في سورية على سيطرة تنظيم القاعدة، وبشكل تام في العراق.
النصر الملموس الذي حققه داعش في العراق والغطاء الدولي والإقليمي لهذا النصر عبر تحميل سياسات المالكي وحدها مسؤولية ما يجري في العراق، قدّما للانتهازية السياسية الممثلة بالإسلام السياسي فرصة ذهبية للالتحاق بركب داعش، ذلك الأنموذج الصاعد الذي تذوب الخلافات كُرماً للانضواء تحت رايته والتحكم في شمال شرقي سورية وشمال غربي العراق وغداً لا نعرف أين.
صورة مشهد الحرب الدائرة في سورية والعراق ستتحول مرةً أخرى إلى مناطق وجود مصافي النفط والحقول النفطية حيث ستقع المعارك الأكثر دموية على الإطلاق في محاولة لتعزيز أوراق قوة أمراء الحرب على مختلف مشاربهم في سورية، وكسر شوكة الحكومة العراقية على الجانب الآخر، ولعل في التضارب المستمر في الأخبار الواردة عن مصفاة بيجي في العراق ما يدل على ذلك.
لا وجود لمعتدلين في قلب المشهد السوري فالفصائل كافة الموجودة على الأرض متبنية لمذهب التكفير، وإلا كيف يعقل أن يكون الجيش الحر في دير الزور، وفي أكبر تجمع له في المنطقة الشرقية، هو أول المبايعين لداعش.
عصر القاعدة الجديدة في منطقتنا بدأ والغطاء السياسي والإعلامي والمادي الذي قدّم لتدمير سورية لا يبدو أنه أقل مستوىً مما يقدم اليوم للعراق.
كاتب سوري