حول سجن صحافيي «الجزيرة»: الوكيل في الحرب بين قطر والمملكة العربية السعودية
روبرت فيسك
كما أن الاغتصاب أداة الخسّة في الحرب، كذلك هو سجن الصحافيين.
وكأن خطر القتل والموت ليس كافياً، على الصحافيين أن يتحمّلوا أيضاً مخاطر التهديد بالسَّجن، فضلاً عن القتل أو الإصابات الخطيرة. لا ترتبط هذه القضية فقط بالتهم الفظّة، الفاحشة وغير العادلة الموجّهة إلى صحافيي «الجزيرة» المسجونين في القاهرة منذ ثلاث سنوات ـ وقد اعتدنا مثل هذه المعاملة في دول العالم الثالث شبه الثورية، على رغم أنني شخصياً لا أتمنى لمصر مثل هذا الغموض السياسي الحاصل.
إنه لواقعٌ مؤلمٌ وقاسٍ أن يُسجن الصحافيون في بلد يتّصف بالاكتظاظ السكاني، وفي بلدٍ من أكثر البلدان عمقاً في التاريخ، وأن نعتبر أن مواجهة مثل هذه الممارسات أمراً عادياً يواجه الصحافيين في مثل هذه البلدان. وكما أن الاغتصاب نتيجة خسيسة للحروب، كذلك السجن هو الوسيلة الوحيدة لكمّ الأفواه. وبمعنى أفظع، يبدو أن قادتنا الغربيين يذهبون بعيداً في ذلك. فمن المتوقع أن يُطلق سراح كلّ من محمد فهمي، باهر محمد، والأسترالي بيتر غرست يوم الإثنين المقبل، على رغم إدراكهم المسبق أن مصر و«العدالة» لا تمتلكان الكثير من النقاط المشتركة في ما بينهما.
أثار وزير الخارجية الأميركي جون كيري قضية المسجونين الثلاثة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبيل تسلّم الأخير مساعدات من الولايات المتحدة وصلت إلى نصف مليار دولار أميركي يوم الأحد الماضي، والذي قبض الأموال من دون أن يفعل شيئًا للصحافيين. وعندما طلب الأوستراليون من كيري التدخل مع السيسي، قابلهم بمحاضرة «قيّمة» حول مدى «استقلالية القضاء المصري ونزاهته» وثقته بأحكامه. أوه، صحيح، استقلالية، أَوَلَم يكن قرار القاضي «المستقل» الذي صدر الشهر الماضي، والمطالب بإعدام 300 شخص من جماعة الإخوان المسلمين، مروّعاً ومرعباً؟
ولْنعد بالذاكرة قليلاً إلى الخليج العربي… كلّنا يعلم أن «الجزيرة» هي مشروع السياسة الخارجية القطرية، وهي التي دعمت وصول مرسي إلى الحكم في مصر، قبل أن ينقذ السيسي شعبه المحبوب من براثن مرسي ويرميه خارج السلطة، بل وفي غياهب السجن. وبضربة واحدة، قُطعت الإمدادات المالية عن مصر والتي كانت تُقدّر بـ 10 بلايين دولار أميركي، ما جعل قبض مبلغ النصف مليار دولار اميركي من كيري مريحاً جداً بالنسبة إلى السيسي.
وما لبثت أن تدخلت السعودية، بكامل ثقلها، كما تفعل مع الآن مع الفصائل السنّية التي تهدّد العراق، بهدف ضمان مديونية مصر بعد أن يضمن لهم السيسي عدم التدخل في شؤون السلفيين المصريين . لكن ماذا عن معاقبة القطريين «الغدّارين» الذين يدعمون الجهاديين الإرهابيين «في سبيل الله»؟
وبينما أجلس لكتابة هذه الكلمات، أجد أمامي على مكتبي، خرطوشة من معركة دارت بين الجيش اللبناني ومنظمة التحرير الفلسطينية التي كان يتزعّمها عرفات، وبعض شظايا من المدفعية «الإسرائيلية»، وقطعة كبيرة من قذيفة نيو جيرسي رُميت على إحدى القرى الدرزية عام 1983. وقد أثار فيّ هذا المشهد شعوراً بالذنب كوني قمتُ بمساعدة من ينظر إليهم اللبنانيون و«الإسرائيليون» والأميركيون، كإرهابيين.
يموت الصحافيون في ساحات القتال، ويُستهدفون في النزاعات، ويُغتالون في كل قارات العالم، ويُتّهمون بالعمالة، كما حصل مع مراسل «The Observer» فارزارد بازوفت عام 1990، والذي شُنِق ـ بناءً على تعليمات صدام حسين ـ وقد عبّرنا عن غضبنا آنذاك، ثم ما لبثنا أن عدنا إلى حياتنا الطبيعية بغضّ النظر عن كل ما يحصل حولنا. ربما نمضي الكثير من الوقت خائفين على أرواحنا كصحافيين غربيين ـ متناسين المئات من المصوّرين والصحافيين العرب في مصر وسورية ولبنان والعراق وليبيا وغيرها وغيرها، الذين يدفعون حيواتهم ثمناً لمهنتهم إنما تحت رحمة الأنظمة التي يحيون في ظلّها، بما فيها أيضاً إيران، غير العربية.
غير أن ما يفعله ديكتاتوريو الشرق الأوسط كان ليحصل بحرفيته معنا نحن من قبل زعمائنا الغربيين، لو كان باستطاعتهم فعل ذلك. ألم يقل الوفد الأميركي الذي زار صدام قبيل اجتياح الكويت أن مشكلتهم الوحيدة كانت مع الصحافيين؟ ألم يطلق الأميركيون النار على زملائنا في العراق، من دون أي شعور بالذنب أو الندم؟ ألم يقتل «الإسرائيليون» الكثير من الصحافيين ومساعديهم من دون أن يجرؤ أحد على معاقبتهم؟ أعتقد أن السيسي سوف يقوم بإطلاق سراح صحافيي «الجزيرة» الثلاثة، ولسوف نشكره على ذلك من عمق أعماق قلوبنا «الغربية».
نُشر في صحيفة «إندبندنت» البريطانية
ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق