التعاون الروسي ـ الفرنسي: شراكة تكتيكية موقّتة
عامر نعيم الياس
حاول الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند العمل على تشكيل ائتلاف دولي موسّع تكون روسيا جزءاً رئيساً فيه. وقال هولاند في مؤتمر صحافي جمعه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو: «أنا في موسكو معكم للتعرّف إلى الكيفية التي يمكن بها أن نتحرّك وننسق معاً حتى يمكننا ضرب هذه الجماعة الإرهابية داعش، ولكن أيضاً للتوصل إلى حل من أجل السلام». وقبيل لقائه الرئيس الروسي، كان هولاند قد التقى الرئيس الأميركي باراك أوباما، ورئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون، والمستشارة الألمانية آنجيلا ميركل.
وعقب زيارة الرئيس الفرنسي، أعرب وزير خارجيته لوران فابيوس، الذي يعدّ الأكثر تعصباً في النظام الفرنسي ضدّ الدولة السورية، عن استعداد بلاده للعمل مع الجيش السوري على الأرض في إطار مكافحة الإرهاب. وهو بذلك يعترف للمرّة الأولى بشرعية المؤسسة العسكرية السورية الممثلة للدولة السورية، قائلاً: «من أجل مكافحة تنظيم داعش هناك مجموعتان من الإجراءات: عمليات القصف، والقوات البرية التي لا يمكن أن تكون قواتنا، إنما ينبغي أن تكون قوات الجيش السوري الحرّ وقوات عربية سنّية، ولم لا؟ قوات للنظام وأكراد كذلك بالطبع». لكن هل تشكّل هذه التطورات مقدّمة لشراكة استراتيجية فرنسية ـ روسية في الحرب على الإرهاب في سورية؟ أم أن الأمر ينحصر في إطار التكتيك على المدى المنظور؟ هل التحالف الفرنسي ـ الروسي في طريقه إلى إبصار النور أم أنه أُضعِف مسبقاً عبر التنافس القائم بين التحالفات المختلفة المنخرطة في الحرب السورية؟
لم يتغيّر موقف الرئيس الأميركي من الوضع في سورية ولا حتى موقفا الأطلسي والاتحاد الأوروبي منها. حتى على خلفية الاعتداء التركي على الطائرة الروسية. فعلى رغم أنّ أوروبا والأطلسي طالبا بالتهدئة في سورية ولا يريدان أن يصعّدا الموقف ويدخلا في حرب عالمية على خلفية مناوشات حدودية شأنهم شأن الأميركي، إلا أن تأييد العملية التركية لم يخفه أحد من قادة هذه الدول والمنظمات، كما أن معالجة الحالة التركية أطلسياً وأوروبياً وأميركياً ليست في الحسبان أبداً. فتصرفات حاكم أنقرة لم تدفع أحداً إلى إعادة حساباته مع أن أردوغان أظهر أنه معارض وقادر على تخريب أي جهد دولي يخص إحراز تقدم ولو شكلي في مسار الحل الدبلوماسي للأزمة السورية. وهذا ما يفسّر تهرّب هولاند من تحميل تركيا مسؤولية شراء النفط من تنظيم «داعش» الإرهابي كما أثبتت روسيا بصور الأقمار الصناعية.
من جهة أخرى، هناك اختلاف بين الهدفين الروسي والفرنسي من الحرب على الإرهاب في سورية وحتى استراتيجية إدارة المعركة وهذا يتجلى بالنقاط التالية:
ـ سير العمليات وقواعد الاشتباك: على رغم حديث فابيوس عن التحضير لقائمة أهداف ستقدّم إلى روسيا تشمل «المسلحين المعتدلين» إلا أن هذه النقطة ليست حكراً على الإرادة الفرنسية أولاً. وثانياً هناك قواعد اشتباك مختلفة أظهرها الصدام الروسي ـ التركي فوق الأراضي السورية. فهل تستطيع تركيا أن تقصف طائرة فرنسية فوق أحد المعابر الحدودية مع سورية؟ إن افترضنا أن فرنسا قامت بهذه العملية من أساسها؟
ـ الهدف الفرنسي الأساس إنشاء مناطق آمنة غير مباشرة تشمل «جيش الفتح» الذي يضم «أحرار الشام» و«النصرة» وصولاً إلى «جيش الإسلام» في محيط دمشق، وليس انتهاءً بالكتائب الإيغورية والتركمانية، وتجميد عمليات الجيش السوري تمهيداً لاستنزافه في مواقعه مرّة أخرى والتحضير لهجوم معاكس عليه. إضافةً إلى إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وهو عكس الهدف الروسي تماماً.
ـ شكل التحالفات الإقليمية التي تساهم بها كلّ من موسكو وباريس. فهل تلتقي السعودية وإيران تحت المظلة الفرنسية وهي لم تلتقِ تحت المظلة الأميركية؟ ماذا عن استحالة وجود تحالف روسي ـ فرنسي ـ تركي أيضاً وفي هذا التوقيت بالذات؟
فابيوس يريد مشاركة الجيش السوري تحت مظلة المرحلة الانتقالية، أي أنه يريد مشاركة الجيش السوري من دون القائد العام للجيش والقوات المسلّحة الذي يدين بالولاء له، ومن دون الاعتراف السياسي بالدولة السورية. طلبٌ وصفه وزير الخارجية السوري بحضور نظيره الروسي بأنه «حلم إبليس بالجنة». ويبدو أن وليد المعلّم يشير بشكل غير مباشر إلى معجزة أخرى في وجه المحاولات الشكلية الإعلامية للحديث عن تحالف غربي ـ روسي في سورية. تلك المحاولات التي من الممكن أن ترقى حالياً إلى التعاون التكتيكي ليس إلا. هذا إن وصلت إلى هذه المرحلة.
كاتب ومترجم سوري