مملكة تغرق في شبر ماء

نظام مارديني

على رغم مرور أيام قليلة على الزيارة الخاطفة للرئيس الأميركي باراك أوباما لمملكة الحجاز، والتي سبقها تهليل إعلامي لتغيّرات استراتيجية مهمة في السياسة الأميركية تجاه المنطقة من شأنها أن تحوّل موازين القوى على الأرض في العدوان الدائر على سورية، وما يحقّق توازناً واهماً بين الجماعات الإرهابية والجيش السوري من وجهة نظرهم.


نقول واهم من يفكر في تغيير موازين القوى على الأرض، فالانتصارات التي يحققها الجيش السوري في الميادين كافة، تشير إلى أية درجة من القصور في استيعاب دروس التاريخ، ما زال يواكب سياسة الولايات المتحدة، وأيضاً حلفاءها من آل سعود، منذ تجربتهم مع المقاتلين الأفغان حين أمدوهم وموّلوهم بالمال والسلاح لإسقاط الاتحاد السوفياتي حينها، وفي النهاية كان هذا العمل بمثابة شهادة ميلاد للجماعات الإرهابية التي انتشرت عقب تأسيس تنظيم القاعدة وفروعه.

هناك مقولة مفيدة في تاريخ الصراعات الدولية، تقول: الحرب تبدأ في الرؤوس أولاً. ولعلّ تقريراً للاستخبارات الأميركية نشرت منه مقتطفات على موقع معهد واشنطن للدراسات السياسية، يظهر أن ما قامت به الولايات المتحدة، وعلى رغم هزيمة الروس وانهيار الاتحاد السوفياتي، شكّل تهديداً استراتيجياً للأمن القومي الأميركي، ما زال قائماً على رغم مرور قرابة ثلاثين عاماً على هذه الوقائع، إذ إنه لا يخفى على أحد أن تلك التنظيمات الإرهابية وبمجرد انتهاء مهمتها في البلدان التي تسعى إلى ضرب الأمن فيها، ليس لديها في النهاية سوى الولايات المتحدة نفسها، ولعل أحداث الحادي عشر من أيلول خير مثال، وقد بشر بعض قبل زيارة أوباما إلى الرياض، بأن صفقات الأسلحة باتت وشيكة، وأن أزيز الرصاص بات على الأبواب وكأن إشعال الحروب بالنسبة للإدارة الأميركية ولآل سعود، وإذكاء الدمار وإزهاق الأرواح، باتت استراتيجية تُبتغى وأهدافاً يسعى إليها وإن اختلفت الذرائع والأسباب.

ويدرك حكام مملكة السواد أنفسهم، أن تأجيج الصراع الطائفي عبر تزويد الجماعات الإرهابية ومرتزقة الحروب بأسلحة نوعية ومضادات الطائرات في سورية، سيزيد من توتير الأوضاع وتفجّرها، بل وسنشهد امتدادات خطيرة لها ليس على الساحة السورية فقط، بل وفي دول المنطقة كافة، ومنها هذه المملكة. بالتالي فإن أي مخاطرة من قبيل تزويد أطراف الإرهاب بالأسلحة، ربما تكون لها عواقب وخيمة، ليس أقلها اشتعال حروب طائفية لا تستطيع أي قوة ومهما كانت قدرتها إخماد نيرانها، ومما لا شك فيه أن الولايات المتحدة لن تتورع عن إشعال مثل هذه الحروب إذا ما كانت هناك مصلحة أميركية في ذلك ولكن في الوقت الراهن هي لا تبغي أكثر مما هو قائم فعلياً .

ففي الملف الإيراني ليس لدى الإدارة الأميركية أكثر مما قدمته من طمأنة تشمل قبول قدرات إيرانية محدودة على التخصيب وإجراء الأبحاث النووية السلمية مع ضمان عدم عسكرة برنامج إيران النووي، ولا يبقى أمام الرياض سوى التلويح ببرنامج نووي لا يفتقر إلى الواقعية.

ولعل حكام مملكة الحجاز باتوا أكثر إدراكاً، بعد زيارة أوباما، بأن الأفق لم يعد يحمل أيّ تغير يذكر في الشأنين السوري والإيراني، وأن اهتمامات الإدارة الأميركية باسترضاء حكام المملكة لم يعد كما كان، وأن استراتيجية الانكفاء على الذات وانشغال الإدارة الأميركية بملفات أكثر أهمية في الجانب الشرقي من آسيا والمحيط الباسيفيكي وتراجع الاعتماد الأميركي على النفط السعودي، ما يدفع إلى تشدد الرياض للحفاظ على ماء الوجه، وقد عبّر تصريح الخارجية الأميركية عقب زيارة أوباما وبشكل واضح وصريح عن رفض واشنطن تزويد الجماعات الإرهابية في سورية بأسلحة نوعية ومضادات للطائرات، الأمر الذي يؤكد الصعوبة التي جرت عليها لقاءات الرئيس الأميركي مع حكام المملكة، ما يظهر رفضاً أميركياً صريحاً لرغبة الرياض بإشعال المنطقة… حتى الآن على الأقل.

لا شك في أن قليلين أدركوا أن الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية قد تغيرت، وأن ديناميكية المصالح التي تحكم آليات اتخاذ القرار داخل الإدارة الأميركية تدرك أن صب الزيت على النار في الوقت الراهن، وبخاصة في بعض الملفات الإقليمية والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً في كل دول المنطقة قد يهدد الاستقرار الإقليمي لبعض حلفاء الولايات المتحدة الأميركية، ومنهم السعودية وتركيا العضو في حلف الناتو والمنفذ الصريح لعمليات التسليح لن تكون بمنأى عن هذا الصراع.

ولا نعرف سرّ عدم اتعاظ الحُكّام في مملكة السواد من أن إشعال الحروب الخاسرة ستأتي بنيرانها على الأخضر واليابس في بلدانٍ لا تملك من مقومات الحياة شيئاً، بل هي تغرق في طوفان عادي من مياه الأمطار.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى