أزمات أبو بكر الأردوغاني المتلاحقة
د. حسام الدين خلاصي
يعمد أردوغان إلى نشر الوجه الحقيقي للمشروع الصهيوني الإسلاموي عبر المتأسلمين الجدد في المنطقة والعالم، وقد وجد نفسه، كممثل للصهاينة الإسلاميين الجدد، مُحرجاً وعلى بداية طريق الخسارة النهائية وهو يشاهد تقدم الجيش العربي السوري معزّزاً بقدرات متدرجة القوة من قبل الروس والإيرانيين على أرض الميدان، ما يؤخر فكرة الحلم الصهيوني المرسومة والمعدة للمنطقة والعالم لسنوات عديدة قادمة مع إمكانية خروجه وعصابة الإخوان المسلمين الدولية من دائرة الشهرة والقيادة الدولية، فحزم أمره واستجمع قواه وشاور حليفيه الصهيوني والأميركي وأعطى الأمر بإسقاط الطائرة الروسية وأكمل تركمان أردوغان من على الأرض المهمة وقتلوا أحد الطيارين وهو يهبط بمظلته في سابقة تحدٍّ مزدوج من قبل أبو بكر الأردوغاني وعصابته، وهنا ظنّ أردوغان ما ظنه واعتقد بما اعتقد به وأحبّ أن يقول أنا هنا قوة عالمية ومتسلح بقنابل بشرية عنقودية انتحارية أستطيع أن أنثرها في كلّ دول العالم. فحذار من غضبي وها أنذا أقابل الدبّ الروسي بكلّ جرأة فهل من مُنازل؟
هي لحظة الحقيقة إذاً، أبو بكر الأردوغاني وجها ًلوجه مع كامل الحلف المقاوم، إذ يضع أردوعان كامل رهاناته السياسية والاقتصادية والعسكرية في الميدان ويقول أنا هنا قوة إسلامية عالمية بكلّ ما أملك من إرهاب دولي أستطيع تصديره إلى أوروبا والعالم وأقدم دولة الخلافة الإسلامية بشكلها العصري فاقبلوني. ويضع مع هذا كامل حلف الطلسي أمام تحدٍّ جديد هو الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب في سورية، هي لحظة الحقيقة التي لا مفرّ منها.
الروس والإيرانيون في هذه الحرب وهذا الصراع هما رأس الحربة وهم مستهدفون بعد سورية، فإلى السعودية الصهيونية أوكلت مهمّة استفزاز إيران عبر الخطاب التحريضي السني ـ الشيعي والذي تمّ العمل عليه منذ بدء وما قبل الحرب على سورية. أما أردوغان فقد أوكلت إليه مهمّة استفزاز الروس عبر خطاب أولي اتهم فيه أردوغان الروس بقصف أبناء جلدته التركمان في جبلهم الوهمي، ما دفعه إلى الدفاع عنهم بإسقاط طائرة «سوخوي 24» الروسية، ولن نستغرب بعد حين إذا قال أردوغان إنّ الروس هم ممثلو الصليبية والذين يقاتلون النهوض الإسلامي في المنطقة!
لم يستجب الإيرانيون للاستفزازات السعودية ـ الصهيونية ولم ينساقوا وراء حرب طائفية بل استمروا في حربهم وهدفهم ضدّ الصهيونية عبر بوابة محاربة الإرهاب في سورية. كذلك الروس، لم تنحرف أنظارهم ولم يتزحلقوا بقشرة الموز الأردوغانية باتجاه فتح حرب فرعية مع تركيا يحلم بها أردوغان و«إسرائيل» للتخفيف من التقدم البري والجوي للجيش العربي السوري ومن الاستمرار في سحق قوافل التسليح والنفط الداعشية المدعومة من قبل العائلة الأردوغانية الحاكمة وضباط الإخوان المسلمين الأتراك.
من هنا، فإنّ أي متابع للأحداث سيرى أنّ من العبث أن يُقدم أردوغان على التحرش بالروس تحت حجة أنّ الطائرة الروسية قد اقتحمت السيادة التركية وهذا أمر يسهل تفنيده وكشف كذب أردوغان فيه ، فماذا كان يتوقع أردوغان من فعلته هذه ولنضع الاحتمالات أو بنك الأهداف الأردوغاني:
ـ كسر هيبة الروس أمام مناصري أردوغان من «داعش» و«النصرة» ليقول أنا هنا أدعمكم ومستمرٌ في دعمكم.
ـ القول إنّ تركيا دولة تحرص على مواطنيها التركمان أينما كانوا ولن تسمح بالتعدّي عليهم تماماً كما تفعل الدول الكبيرة.
ـ الانتقام بعد الخسائر الفادحة التي لحقت به وبـ»داعش» بعد أن كشّر الروس عن أنيابهم بعد قمة العشرين في يالطا وبعد أن قال بوتين إنه وبالدليل هناك 40 دولة تدعم «داعش» ولم يفهم أردوغان الرسالة فضربوا له قوافل النفط المسروق من سورية والعراق.
ـ اعتراض المجرم أردوغان على التفاهم الإيراني ـ الروسي الذي حصل بعد زيارة بوتين لإيران الدولة الهادئة القوية.
ـ خامساً والأهم، ومن قبيل الخدمة للصهيونية العالمية، توريط روسيا في صراع جانبي وحلف «ناتو» في حرب عبثية تؤدي إلى إضعاف كلّ منظومة الدول القوية لحساب تضخم القوة الصهيونية المتصاعدة في الخفاء، الأمر الذي من أجله قام الربيع العربي في هدفه الاستراتيجي.
إنّ الروس وفي ردّ فعل صارم وعلى لسان الرئيس بوتين أكدوا أهم نقطة في جوهر الصراع الدائر في المنطقة الآن قد انكشفت وهي:
إنّ الوجه الحقيقي لأردوغان قد بات مكشوفاً بجدارة وهو يسعى إلى إقامة إمارة إسلامية متطرفة ويريد أن يكون خليفة المسلمين الجديد أبو بكر الأردوغاني وأنه يريد أن يحوِّل دولة علمانية بكاملها إلى قنبلة إسلامية متطرفة سيقسِّمها بحروب أهلية ومن ثم ينشر شظاياها على كامل المساحة الأوروبية، والمستمع إلى كلام بوتين يعرف، من سياق الخطاب، أنّ القيادة الروسية قد حذرت سابقاً بعض دول الاتحاد الأوربي من خطورة المجرم أردوغان لجهة أنه يسعى إلى أسلمة الدولة العلمانية التركية القابعة على حدود أوروبا مباشرة، ما حدا ببعض النواب في البرلمان الأوروبي، بعد تصريح بوتين، إلى استنكار عبثية أردوغان في إسقاط الطائرة الروسية ومحاولة جرّ حلف الأطلسي إلى حرب دمار شاملة لمصلحة الصهيونية العالمية المتمثلة حالياً بالدولة الإسلامية وخليفتها أردوغان وطالبوا بطرد أردوغان من حلف الأطلسي لأنه إذا استمر بهذا المجون ستصبح أوروبا بصورة عسكرية في حدودها الجنوبية ملاصقة لسورية والعراق وفي هذا خطر كبير على الأمن الأوربي في الوقت الحاضر، مع العلم بأنّ كثيراً من السياسيين الأوربيين كانوا يتطلعون في السابق إلى قيام علاقات حسن جوار مع جنوب القارة الأوروبية من دون الوساطة التركية أو الجدار العازل العلماني التركي والذي يحاول أردوغان تهديمه ونسفه حالياً بإرهاب دولة خلافته الإسلامية.
ماذا عن روسية؟
ـ إنّ روسية في ردّها المباشر الأولي، وبالتشاور مع الحلفاء، ردّت بقوة وانتظام على قشرة الموز السخيفة التركية فزادت من عزلة أردوغان الدولية، فبعد أن كان مكروهاً من دول الجوار العربي على الشاطىء الشرقي والجنوبي للمتوسط بات مكروهاً في أوروبا خاصة، وقد أضاف إلى سجله الإجرامي نقطة جديدة في تصديره للمهاجرين والإرهابيين المفتعل إلى أوروبا وهي نقطة سوداء أخرى سبقت محاولة التوريط العسكري لحلف «ناتو» في حرب لا يتمناها مع الروس.
ـ أعادت روسية النظر في قساوة الضربات العسكرية فزادت من حدّتها في اتجاه ضرب مصارد التمويل في العمق الصحراوي السوري وعلى الحدود مع تركيا في منطقة أعزاز فاستهدفت قوافل الأسلحة.
ـ نشرت منظومة صورايخ جديدة تسمى S 400 في رسالة واضحة للولايات المتحدة الأميركية بأنّ المجال الحيوي للقوات الروسية بات قريباً جدا ًمن مناطق كانت مثار حوارات وجدالات وجذب وردّ بين الطرفين سابقاً وما كانت لتحصل لولا الحماقة التركية في إسقاط الطائرة الروسية والتي قدمت المبرِّر للروس في ردّ الفعل الغير متوقع أميركياً، إضافة إلى تزويد إيران بمنظومة S 300.
ـ سيلحق بالاقتصاد التركي أذى كبير جراء عدم تدفق رأس المال الروسي عبر السياحة والتبادل التجاري المتوسط بين الشركات والأفراد الأتراك والروس يقدر بمليارات الدولارات، ما سيغير في المزاج العام في الشارع التركي في القريب العاجل ويزيد حجم السخط على الخليفة أبو بكر الأردوغاني حتى من مناصريه السلميين.
ـ إنّ وقف التفاهمات العسكرية بين الروس والأتراك تدل على أنهما الآن على جبهتي نقيض الأول يحارب الإرهاب والثاني يناصر الإرهاب وأنّ الأهداف التركية التي ستقتحم المجال الحيوي السوري وتضر بالاستراتيجيا العسكرية الروسية ستكون أهدافاً دائمة للصواريخ الروسية من دون سابق إنذار وفي هذا تعطيل لحلم أردوغان في إقامة منطقة عازلة يحميها الطيران التركي، إضافة إلى أنّ منظومة الدفاع الجوي الروسي المتطورة ستساهم في ردع مباشر للصواريخ التي قيل أنها سلمت من قبل السعودية للعصابات «المعتدلة» المسلحة وهي صواريخSAM 3 .
ـ وأخيراً فإنّ الروس أبدوا مرونة سياسية كبيرة وحزماً، في آن معاً، عبر التشاور فهم يعملون مع حلفاء وردّ فعلهم مسؤول بدرجة كبيرة وليس انفعالياً ولكنهم سخروا الحدث الذي حصل لمصلحة البعد الاستراتيجي الذي دخلوا من أجله إلى المنطقة.
من هنا نرى أنّ أردوغان يقترب من حبل المشنقة السياسية والعسكرية في العالم والمنطقة، ولكنّ العين لا يجب أن تغفل عن أنه وفي لحظة ما سيكشف أردوغان عن وجهه الحقيقي لمرة أخيرة في حياته وقد يعمد إلى استخدام قنابله البشرية الإرهابية في كلّ مكان، لو طلبت «إسرائيل» في لحظة الخسارة والهزيمة ذلك، ولكنه في النتيجة لن يحصد إلا الهزيمة هو ومشغلوه.