السعودية والمستنقع اليمني
حميدي العبدالله
قبل حوالي شهر ونصف الشهر، وتحديداً بعد استيلاء التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية على عدن وعلى قاعدة العند، داعب الأمل قيادات المملكة بحصول نصر حاسم في اليمن يقود إلى نجاح عميلتها العسكرية، ولا سيما في ضوء التهديدات ببدء معركة صنعاء.
لكن الآن، وبعد مرور حوالي شهر ونصف الشهر، بدلاً من أن تتجه قوات «التحالف العربي» إلى صنعاء عجزت أولاً عن الاستيلاء على تعز، وعجزت أيضاً عن دحر الجيش اليمني واللجان الشعبية من مأرب، بل أكثر من ذلك حقق الجيش واللجان الشعبية تقدّماً في بعض المحافظات الجنوبية، وتحديداً في محافظة الضالع، وعلى جبهة باب المندب، هذا إضافةً إلى احتفاظ اللجان الشعبية بالمواقع التي سيطرت عليها داخل الأراضي السعودية في منطقة جيزان.
واضح أنه ليس في الأفق القريب ما يشير إلى نجاح الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في تحقيق أهدافها، وأنّ ما يجري في اليمن سيكون حرباً طويلة الأمد، حرباً مكلفة بشرياً ومادياً للشعب اليمني، ولكنها تشكل في الوقت ذاته حرب استنزاف للسعودية وللتحالف العربي الذي تقوده، وهي حرب لا يمكن ربحها على الإطلاق.
معروف أنّ حرباً مماثلةً في عقد الستينات استنزفت الجيش المصري الذي هبّ لدعم الثورة اليمنية بقيادة عبدالله السلال في مواجهة التدخل السعودي- الغربي.
ومعروف أيضاً أنّ قدرات الجيش المصري أكبر بكثير من قدرات الجيش السعودي، والجيوش الأخرى التي تقاتل إلى جانبه في اليمن، وطالما أنّ الجيش المصري لم ينجح في الحرب اليمنية على الرغم من استمرار الحرب أكثر من أربع سنوات وعجز عن حسمها لمصلحته، واضطر في النهاية، بعد عدوان حزيران على الدول العربية من قبل الكيان الصهيوني الذي احتلّ كامل سيناء المصرية، إلى الانسحاب، فإنّ ما لم يستطيع أن يحققه الجيش المصري لن تحققه قوات «التحالف العربي» بقيادة السعودية.
إنّ السعودية تغرق الآن في المستنقع اليمني، وتعبير مستنقع يستمدّ صدقيته العلمية من كون القوات التي تتقاتل في اليمن، ليست الجيش اليمني واللجان الشعبية من جهة، وقوات «التحالف العربي» بقيادة السعودية من جهة أخرى، بل هناك لاعبون آخرون، لهم دور كبير في خلط أوراق الصراع، وتغيير نمط الاصطفافات والتحالفات، والمقصود بذلك تنظيمات «القاعدة»، سواء تنظيم «داعش»، أو التشكيلات التي لا تزال تعلن بيعتها لأيمن الظواهري، إضافةً إلى جماعات الحراك الجنوبي التي تطالب باستقلال الجنوب عن الشمال والعودة إلى جمهورية اليمن الديمقراطي، وبديهي أنّ وجود هذه القوى وتعارض مصالحها، وصعوبة التوفيق بينها يزيد المشهد اليمني تعقيداً، ويجعل الحسم العسكري من قبل المملكة العربية السعودية و«التحالف العربي» أمر هو في عداد المستحيل.