رسالة إلى المؤرخ إبن الأثير!

أبو بكر صالح ـ عدن

لم يكن المؤرخ إبن الأثير صاحب كتاب «الكامل في التاريخ» على علم مسبق بوصول قطعان الجاهلية الجديدة الذين ألبسهم لاهوت العصر لباس الجهاد والتقوى وتطبيق شريعة الإسلام التي أطلقت على نفسها «داعش» تيمّناً بداحس والغبراء! إذ أقدموا على فعل لا يفكر الشيطان في ارتكابه أو حتى التفكير فيه؟ وهدموا ضريحه أو قبره ولو كان له تمثال تاريخي يمثل الرجل الذي قدم إلى الأمة تاريخاً يؤسس لتجليات قادمة علّ الأمة تهتدي بها أو تعتبر منها … لهدموه كذلك!

هذه هي الوهابية القبيحة، القادمة من أرض نجد والحجاز، التي تبشّر بمستقبل مظلم، أو مأجور لعظمة الشيطان باسم جميع الأديان.

هذه الحادثة تذكرنا بحادثة مماثلة أقدم عليها برابرة أفغانستان حين أقدمت ما تسمى بحركة «طالبان» على هدم تماثيل بودا التاريخية والتي لم تعد تُعبد من أي فرد من الشعب الأفغاني اليوم، في تعدّ صارخ على تاريخ من تواريخ البشرية. بل لم تُذكر أو سمع بها أحد إلا بعد عملية التدمير المشهورة التي تناقلت وسائل الإعلام خبرها، ولعلّ ذلك يبرّر روح العداء للمسلمين في ميانيمار من قبل البوديين الذين حرقوا ألوف المسلمين وهجروا ألوفاً أخرى بل مئات الألوف! في عملية تهجير وتدمير ممنهجة استهدفت المسلمين بصورة اعتبرها المسلمون عنصرية وبربرية؟ بينما لم يرَ المسلمون ما قامت به «طالبان» أنه عدوان بربري ووحشي استهدف ديانة يعتنقها الملايين فأحدث رد فعل طبيعياً شئنا أم أبينا؟

السؤال الذي يطرح نفسه: هل ما أقدمت عليه «داعش» الإرهابية هو نزوع حركة «طالبان» نفسه لاستثارة الفتنة النائمة؟

لا نعتقد أننا في صدد اختزال التاريخ أو إعادته؟ لكن قد يحمل وجه الشبه دلالات غالباً ما نكون غائبين عنها شعورياً أو نفسياً أو روحياً، وما حدث قديماً من أعمال مماثلة لحادثة ابن الأثير وغيره عملية استدعاء تاريخي يحمل بذور الحقد والفتنة للزج بالأمة في أتون فتنة لا دين فيها ولا شرع ولا قيم ولا مبادئ؟

قد لا نحبذ الإطلالة على اعتداءات أخرى مماثلة لهذه الحادثة طالت طوائف ومذاهب أخرى، فلسنا في صدد تتبّع الحوادث والبحث عن الأسباب التي تنزع إلى الشأن المذهبي أو الطائفي أو الإثني! أسفرت «الوهابية الجديدة» عن وجهها القبيح وكشفت عن حقدها الدفين لثوابت التاريخ والقيم والإنسانية وفضحت عن جوهر دينها الدموي، فهي العدو الأول للتاريخ وللحضارة والنهضة والتقدم، وكم من الويلات تنتظرنا من مثل هذه الحركات الإرهابية والدموية التي قد تستهدف كل شيء، بما فيه الدين والعقيدة والأخلاق والقيم المدنية والحضارية. فهل تستيقظ الأمة من سباتها قبل فوات الأوان وقبل أن نتغنى بتاريخنا بعبارات غير لائقة ونتشدّق بالقيم والأخلاق والكرم والفروسية ونردد قول: يا ليتنا تنبّهنا إلى ذلك… لكن ما نفع التمني والندم؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى