على حطب حلم إبليس بالجنة… جُهنَّم الدولية تتلظَّى

د. محمد بكر

من تابع المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره السوري تلمّس يقيناً علامات الغضب التي ارتسمت بوضوح على وجه الوزير الروسي إثر حادثة إسقاط تركيا للطائرة الروسية، غضبٌ بدّده وغطى عليه للحظات سؤال وليد المعلم في معرض ردّه على أحد الصحافيين قائلاً: هل تسمعون في روسيا بمَثَل حلم إبليس بالجنة؟ مضيفاً أنّ حلم المطالبين برحيل الأسد هو كحلم إبليس في الجنة، كلماتٍ أرست ابتسامات عريضة على محيّا الحاضرين وشكلت في دلالاتها مدى التصلب الروسي السوري في جزئيةٍ باتت الهاجس الرئيس لخصوم موسكو لناحية تعاطيها مع الملف السوري، إذ وفي الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية الفرنسية فابيوس عن أنّ بلاده تدرس إمكانية مشاركة الجيش السوري لمواجهة داعش وفي موازاة دعوة الرئيس الفرنسي إلى تشكيل تحالف دولي موسع لمحاربة الإرهاب، لم يجد فرنسوا هولاند أيّ حرج في القول والترديد مجدّداً بأنه لا مستقبل للأسد في سورية المستقبل وبذات اللهجة تحدث فابيوس، بدوره وبعد صمتٍ قيل عنه إنه في إطار التغيير وإعادة الحسابات ردّد عادل الجبير هو الآخر ما كان يتكاثر على لسانه دوماً لجهة أنّ العمل العسكري لا يزال مطروحاً في سورية، وأنّ بلاده ستستمرّ في دعم المعارضة، كذلك فعل أردوغان أيضاً الذي برز في ظلّ مشهدية الاشتباك الحاصلة ليعلي الصوت ويصدّر مشاهد العناد والثبات على الموقف وبلغة القوة «المسنودة إلى جبل» حذر روسيا مما سمّاه اللعب بالنار، منتقداً دعم موسكو لنظام الأسد وقصفها لـ»المعارضة المعتدلة الحاصلة على الشرعية الدولية» بحسب تعبيره، مضيفاً وفي معرض ردّه عن شراء النفط السوري من داعش: «عليهم أن يعوا بأنهم مفترون»، فأيّ مطرح يريد أردوغان أن يبلغه مع حلفائه؟ وهل ثمة دفعٌ أميركي للتصعيد عبر تركيا لتضييق الخيار أمام روسيا؟ وما هو الهدف الأميركي من ذلك؟ وعلى ماذا يعول الروسي إذا ما تكرّرت طعنات الغدر والخيانة بحسب توصيف بوتين؟

ما وصّفته «نيويورك تايمز» لجهة أنّ إسقاط الطائرة الروسية هو أشبه بالحرب الباردة وسيصعد الاشتباك هو ما يعبّر بالفعل عن حقيقية الحاصل في المنطقة، تتعقد فيها مراحل الكباش وتتنامى حدة الصراع ما يشكل ليس فقط لعباً في النار، إنما نفخاً فيها وإذكاءً لحممها، فما أعلنه قائد سلاح الجو الروسي أنّ حادثة الإسقاط كانت كميناً مدبّراً تمّت إدارته من الأرض إضافة «للنفس القوي» المتكاثر في خطاب أردوغان، وربطاً مع ما أعلنه بوتين خلال المؤتمر الصحافي مع نظيره الفرنسي لجهة أنّ الروس يُعلمون الأميركيين بتحركاتهم الجوية في الأجواء السورية وبأنّ الأتراك استفادوا من تلك المعلومات في عملية الإسقاط، يؤكد ويجزم الإرادة الأميركية الحاضرة في مباركة ومصادقة التصعيد التركي في محاولة لإسقاط «راية الزعامة» من يد الروسي في مساراته التي يسلكها وحلفاؤه في الميدان السوري تماماً كتوصيف «لوفيغارو» الفرنسية.

ما أعلنه الكرملين لجهة أنّ سورية بحاجة إلى قوات برية يقودها السوريون أنفسهم، وبأنّ الغرب غير مستعدّ للعمل في ائتلاف موحد مع روسيا ضدّ «داعش»، إضافة إلى ما قاله لافروف بأنّ عدم تحديد لوائح نهائية للمجموعات الإرهابية وأخرى للمعارضة سيجعل من أيّ اتفاق اتفاقاً غير مثمر، وكذلك وصول خمسين ضابطاً وجندياً أميركياً إلى عين العرب ـ كوباني لتدريب وإدارة الكرد في تلك المنطقة في مواجهة داعش كما تقول واشنطن، إنما يؤكد مجدّداًً أنْ لا رؤى مشتركة ولا جهود توافقية حاضرة في إرادة المشتبكين في الملف السوري لمحاربة الإرهاب، وكلّ تلك المؤشرات إنما تبعث وتولد المزيد من المشاهد التصعيدية في الميدان السوري.

في تلافيف المعقد الميداني السوري، وبين ألسنة «جهنم الدولية» نقف لنسأل؟ ماذا لو استمرّت الطعنات في الظهر الروسي بحسب توصيف بوتين ؟ وهي في اعتقادنا ستستمر وإنْ كان بأشكال مختلفة، وإلى أيّ مدى يستطيع الروسي المضي في الحرب السورية وتحمّل الأعباء الاقتصادية لحملته العسكرية، ولا سيما إذا ما استمرّ الدعم لما يسمّيهم خصوم موسكو بـ»المعارضة المعتدلة»؟ وهو أيضاً سيستمرّ، وماذا لو دخل «الإسرائيلي» على خط الحريق السوري لإذكائه وتغذية نيرانه وقصف مواقع سورية استراتيجية، ماذا سيكون موقف روسيا التي نعتقد أنها ستقابل ذلك بالصمت، وماذا عن السيادة السورية حينها التي لا تنفك الدولة السورية الحديث عنها وكذلك تفعل روسيا لجهة أنّ حفظ السيادة شرط لأيّ مسار سياسي أو أيّ تحالف لمواجهة الإرهاب، هذه السيادة التي انتهكت عشرات المرات من قبل سلاح الجو «الإسرائيلي» ومن قبل طائرات التحالف الأميركي إذ أعلنت القيادة السورية غير مرة أنه لا تنسيق مع الولايات المتحدة في العمليات العسكرية لتحالفها الدولي في سورية، وماذا لو جاء المأمول السوري ارتداد الإرهاب على داعميه الذي تكاثر غير مرة على لسان وليد المعلم بعكس التمنيات والرغبات السورية وضرب في قلب موسكو ولا سيما أنّ نسبة غير ضئيلة من المقاتلين في صفوف داعش هم من منطقة القوقاز.

في كلمة في عيد الشكر تمنى الرئيس الأميركي حياة آمنة وسعيدة لمواطنيه في عطلة العيد، وهو عيد لشكر النعم وحصاد العام، مضيفاً أنّ المعلومات الاستخبارية لأجهزته تشير حتى الآن إلى أن لا وجود لما سماها «بالمؤامرة» على بلاده لناحية تغلغل الإرهاب في الداخل الأميركي، هذا التوصيف ولهجة الخطاب التي أخفت وراءها سيل من الارتياح والشكر لحصاد أعوام أدارها الأميركي باقتدار، وبات بعينين ضاحكتين يرقب «جهنم السورية» وفي قلبها تتلظى إمكانات ومقدرات وشعوب خصومه، حتى السوخوي نفسها، وكأنّ قلمه هو الآخر يخط في السجل الدولي بأحرف من دمٍ ونار: «أن تنالوا من هيبتي وزعامتي، وأن تعوّلوا على صراخي أولاً هو أيضاً كحلم إبليس بالجنة».

كاتب فلسطيني مقيم في سورية

mbkr83 hotmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى