قطر خط احتياط
روزانا رمّال
منذ بدء عملية التبادل بين العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى جبهة النصرة، وبين بعض الموقوفين في السجون اللبنانية، استنفرت القناة الرسمية القطرية للحدث حصرياً بنقل الصورة لكلّ المهتمّين عبرها، وقد جنّدت من أجل ذلك نهاراً طويلاً من النقل المباشر والتحليلات وللإعلان عن شيء رئيس رافق العملية منذ لحظاتها الأولى وهو «إتمام عملية التبادل بين النصرة والحكومة اللبنانية برعاية قطرية».
الحدث اللبناني هو إنجاز قطري بامتياز، والتأهّب القطري سياسياً وإعلامياً يؤكد رصيداً لافتاً لقطر يُطرح في صلب المعادلة اللبنانية، خصوصاً أنّ دور الوساطة الذي تعتبره مهمتها للتقريب بين وجهات النظر وحلحلة الملفات العالقة والتوصل إلى أفضل الممكن من الحلول، وفيها ما فيها من إرخاء أجواء الاطمئنان للجانب القطري في أيّ دور مقبل يمكن له أن يلعب فيه دور الوسيط الرابح والناجح مجدداً. هكذا تعيد الدوحة فرصتها بإعادة تذكير اللبنانيين بقوة بكلّ ما كانت قد قدّمته بعد أزمة 5 و 7 أيار 2008 واشتباكاتها الدموية، ودعوتها الأقطاب اللبنانيين المختلفين إلى الاجتماع في الدوحة، والعودة منها باتفاق على اسم رئيس للجمهورية. وقد أكد هذا الدور اللافت أكثر ما كشفه المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم في الأسبوع الأخير كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يتدخّل يومياً لمعالجة التعقيدات التي كانت تعتري الصفقة ويتواصل مع أمير قطر لتذليل العقبات.
إنّ دخول السيد نصرالله في الأسبوع الأخير، حسبما جاء في كلام اللواء إبراهيم، يؤكد أنّ متغيّراً سياسياً ما قد طرأ، وان هناك معطيات جديدة يجب الانطلاق منها إقليمياً لربطها بالساحة اللبنانية، فالدور القطري التركي تحديداً يشكل رأس حربة في الأزمة السورية، وهو الدور الذي على أساسه اشتدّت التصريحات الكلامية بين المعنيّين من خلاله بالتصويب على دخول حزب الله إلى أرض المعركة في سورية، حتى أنّ «جبهة النصرة» التي احتجزت العسكريين أول ما أدرجت على لائحة مطالبها بداية كان الطلب من العسكريين عبر فيديوات لأهاليهم الضغط على حزب الله للانسحاب من سورية، وهذا ما لم يحصل لكن العملية تمّت بنجاح.
قطر القابعة في محور إقليمي تتصدّره تركيا في المنطقة، والتي تعتبر امتداداً لسياساتها فيها، لا يمكن لها أن تستخدم ورقة المخطوفين من دون حسابات ودلالات عديدة، أو من دون أن تأخذ بعين الاعتبار عوامل وظروفاً جديدة تحدّد المشهد. وهنا فإنّ الرغبة التركية وفريقها بالمفاوضات والتقارب من حزب الله وفتح القنوات واضحة، ويبدو أنّ الطريق قد فتح رسمياً منذ فترة تمهيداً لاقتناص الفرصة المناسبة، بحيث يمكن الاستفادة من الإعلان عنه والفرصة الأنسب أيضاً للاستفادة من ورقة المخطوفين في لحظة إقليمية مؤاتية. وهذا الاستعداد ترجم منذ الخطوة البالغة الدلالة حينها التي جاءت في تشرين الثاني الماضي، حيث استقبل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد القائم بأعمال السفارة التركية الجديد في لبنان شاغاتاي ارجييس، في زيارة أحيطت بالكتمان، لكن معلومات صحافية وصفتها بزيارة «تعارف»، واللافت حينها أنها أتت بعدما أعاد حزب العدالة والتنمية الإمساك بالسلطة في تركيا بفوزه بالجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية.
على أيّ حال ليست المرة الأولى التي تدخل فيها قطر وسيطاً بين «الجبهة» ولبنان من أجل تبادل محتجزين، لكن دخولها هذه المرة يتخذ طابعاً مغايراً، لأنه يأتي من خلال التوقيت الذي بدأ فيه الحديث في لبنان عن رغبة جامعة لانتخاب رئيس للجمهورية وضمن تسويات شاملة، وبدأ طرح اسم النائب سليمان فرنجية جدياً من قبل الرئيس سعد الحريري الذي يتزعّم فريق 14 آذار، والذي يعرف أنّ فرنجية صديقاً لسورية، ومع ذلك يستمرّ بالطرح، وهنا بيت القصيد.
إذا كان الطرح سعودياً كما تشير المعلومات وسلوك الحريري المفاجئ بحيث لا يمكن وضعه كانعطافة إلا ضمن إطار خطة سعودية واضحة كمرجعية له، فإنّ احتمالات نجاحها غير واضحة المعالم حتى الساعة، فحزب الله الذي لا يزال يدعم ترشيح العماد عون للرئاسة لم يُدلِ بأيّ موقف حاسم تجاه الطرح الجديد، وعلى هذا الأساس فإنّ فرصة دخول قطر على خط الاحتياط إذا ما فشل الدور السعودي في الرئاسة واردة جداً، وربما يكون أكثر ما تطمح إليه قطر بالتسويات المقبلة إقليمياً بعدما فقدت الأمل في أن يكون لها دور جديد في لبنان مشابه لذلك الذي لعبته في انتخاب ميشال سليمان.
تبييض صفحة «جبهة النصرة» هو أيضاً أحد أهداف العملية، وخصوصاً الحديث عن المعاملة الجيدة التي تلقاها العسكريون المحرّرون، وفي هذا خطورة كبيرة تتجسّد من خلال استغلال الإعلام اللبناني في تغطيته واستنفاره للحدث «اللبناني – القطري – التركي إضافة إلى «النصرة» هو المؤثر جداً عربياً. وهنا الحساب الإقليمي الأهمّ والذي يشير إلى أنّ تركيا لم تقدّم بعد ما قد يظهر الجبهة إرهابية أو يدفع بعملية الحلّ السياسي في سورية قدُماً خصوصاً لجهة تصنيف المعارضة بين إرهاب واعتدال.
تتقدّم قطر نحو خط الاحتياط داخلياً وتتحضّر لاقتناص أول فرصة لفشل المبادرة الحريرية – السعودية للدخول المباشر على خط الأزمة الرئاسية اللبنانية بعد فرش الأرضية المناسبة لها توقيتاً وخياراً، خصوصاً لجهة نجاحها في التواصل مع كلّ الأفرقاء اللبنانيين، مؤخراً من بوابة ملف التبادل بمن فيهم حزب الله.