هل يكون الثمن غالياً؟
عبد الحكيم مرزوق
هل كان إسقاط الطائرة الروسية فوق الأجواء السورية مقصوداً؟ وهل صحيح أنها اخترقت الأجواء التركية، أم أنه جاء نتيجة حسابات محور الإرهاب والذي تمثل فيه تركيا أحد الأدوات الفاعلة في الحرب على سورية؟
الواضح للعيان أنّ إسقاط الطائرة الروسية كان مقصوداً، وربما تم التخطيط له من قبل القيادة التركية وذلك لاعتبارات عدة يأتي في طليعتها التقدم الواضح للجيش العربي السوري على كل الجبهات وخاصة على الحدود المتاخمة لها في محافظة اللاذقية وكذلك في معظم المناطق السورية إضافة إلى تضرر المصالح التركية جراء ضرب الطائرات الروسية لناقلات النفط التي كانت تتوجه في طريقها إلى الأراضي التركية، ما يشكل خسارة فادحة للأتراك جراء خسارة النفط الذي سرقته داعش الإرهابية من آبار النفط السورية والذي كان من المفترض أن تتاجر به داخل الأراضي التركية وتحصل من خلاله على مبالغ طائلة، الأمر الذي جعلها تعمى عن التصرف برشد وهي خلال الحرب على سورية ما انفكت تسهل مرور الإرهابيين إلى الأراضي السورية وتمدهم بالسلاح والعتاد وتتاجر بمقدرات الحرب على سورية غير عابئة بالأعراف والتقاليد والقوانين الدولية التي تحكم دول الجوار.
لم تكن القيادة التركية تعمل منفردة في الحرب على سورية بل كانت هناك دول أخرى وللأسف أنها عربية لم يكن دورها تآمرياً فقط بل امتد للدعم المادي والعسكري وهذا الأمر لم يخفَ على أحد إذ إنّ المتآمرين لم يكونوا يتخفون كما في السابق ويعملون من وراء الستار، بل كان دورهم التآمري علنياً واضحاً ومن فوق الطاولة وهذا بالطبع ينطبق على الدور السعودي المذل والدور القطري الوضيع والدنيء في الحرب على سورية خلال ما ينوف عن الأربع سنوات الماضية، والأنكى من ذلك أنّ هذه الدول التي لم تعرف ألف باء الديمقراطية رأيناها تتنطح لتعميم الحريات وأساليب الديمقراطية في سورية وكأنها «تلك الدول» مدرسة في الديمقراطية مع أنها تكاد تكون أمية في هذا الأمر فكيف يمكن لمثل هذه الدول أن تتنطح لأمر لا تعرفه وغير ملمة به… إنه فعلاً زمن أخرق يجعل من تلك الدول تأخذ دور الدول التي تحاضر بالديمقراطية!
من يراقب حقيقة الحرب على سورية يدرك أنّ كلّ هؤلاء هم أدوات منفذة للمؤامرة التي تقودها الإدارة الأميركية على سورية حيث توزع الأدوار وتتابع المشهد وربما تعلق عليه في الظاهر غير ما تبطن وهذا ما يفسّر التصريحات الكثيرة التي تصدر عن أطراف عدة تمثل الإدارة الأميركية وكل واحد يختلف عن الآخر وربما يتضارب معه، ولكن كلّ تلك التصريحات لا شك أنها تهدف أولاً وأخيراً إلى استمرار الحرب على سورية وإضعافها، وبالتالي النيل منها وصمودها خدمة للكيان الإسرائيلي الغاصب حتى تضعف دول محور المقاومة الصامدة أبداً في وجه المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة وعلى رأسها الدولة السورية. ومن تتبع الأحداث والحرب على سورية لاحظ السيناريوات الكثيرة التي اعتمدتها الإدارة الأميركية لإسقاط سورية وكلها سقطت بفضل صمود القيادة السورية والشعب السوري الذي بقي متماسكاً طيلة فترة الحرب.
بالعودة لحادث إسقاط الطائرة الروسية الذي لم يكن حدثاً عادياً بل حادثاً يمكن القول أنه جاء نتيجة الإرباك للدول المتآمرة على سورية قيادة وشعباً وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي أوعزت للقيادة التركية بإسقاط الطائرة الروسية التي أظهرت الوقائع أنها لم تتجاوز الحدود السورية وذلك نتيجة التقدم الكبير الذي أحدثه الجيش السوري على كامل الجبهات، وكذلك الضربات المؤلمة للطيران الروسي على مواقع الإرهابيين في معظم المناطق التي يوجد بها وهذا الأمر جعل أوهام أردوغان الغبي ومشغليه في الإدارة الأميركية تتحطم أمام تلك الضربات الموجعة فأخذ قراره بالانتقام لهزيمته النكراء التي ستجعله يدفع الثمن غالياً في الأشهر المقبلة على المستوى الداخلي والخارجي.
الردّ الروسي بالطبع سيكون مدروساً وناضجاً وسيعلم أردوغان أنّ اللعب مع الكبار لن يكون سهلاً وستكون له عواقب وخيمة عليه وعلى من يقف خلفه، وسيجعله يدرك حقيقة الورم الذي هو عليه وأنه قزم صغير سيندم كثيراً لأفعاله غير المدروسة والتي تؤكد أنه ما زال غرّاً في السياسة ويحتاج الكثير الكثير حتى يتقن فنونها الخافية عليه وعلى إدارته الغارقة في غباء الحسابات السياسية الخاطئة وأرقامها التي تحتاج لمن يفك رموزها في السنوات المقبلة.
كاتب وصحافي سوري
marzok.ab gmail.com