الشغور الرئاسي مستمرّ فترة طويلة لغياب التوافق الداخلي والتسوية الإقليمية
حسن سلامه
يبقى مصير الانتخابات الرئاسية معلقاً حتى تنضج ظروف داخلية وخارجية مؤاتية لانتخاب الرئيس، إذ لا يبدو في الأفق ما يشير إلى احتمال حصول حلحلة في هذا الملف، علماً أن مواقف القوى السياسية اللبنانية المعنية هي نفسها منذ حصول الشغور في سدة الرئاسة ولا يتوقع أن تتغيّر هذه المواقف في المدى المنظور.
السؤال إذن: ما هي الخيارات المطروحة في شأن هذا الاستحقاق؟ وهل يمتدّ الفراغ فترة طويلة أم تحصل مفاجأة في لحظة معينة تفضي إلى التوافق على انتخاب شخصية مقبولة من معظم القوى السياسية؟
المعطيات الداخلية والخارجية تفيد بأن الوصول إلى حل لأزمة الانتخابات الرئاسية يستلزم توافر الظروف لأحد ثلاثة خيارات محتملة هي:
ـ الأول، ما طرحه العماد ميشال عون في مبادرته أمس من دعوة إلى تعديل دستوري محدود يفتح الباب أمام انتخاب الرئيس مباشر من الشعب، ومن شأن ذلك أن يخرج هذا الاستحقاق من «بازار البيع والشراء» الحاصل في عملية التفاوض، للاتفاق على رئيس تجمع عليه الأكثرية، وبالتالي يتيح للبنانيين ولفترات طويلة اختيار الرئيس الذي يجدون فيه المواصفات لهذا الموقع.
إلاّ أن ردود الفعل الأولية من قوى 14 آذار وما يتوقع أن يصدر عن هذا الفريق حيال مبادرة العماد عون تشير بوضوح إلى رفض شبه مطلق لهذه المبادرة، ما سيقود حكماً إلى استمرار المراوحة في أزمة الشغور الرئاسي. وتلاحظ مصادر سياسية متابعة أن قوى 14 آذار تدرك أن موافقتها على اقتراح الجنرال ستفضي بالتأكيد إلى انتخاب شخصية لا تنتمي إلى هذا الفريق سواء العماد عون نفسه أو غيره من المرشحين، ولذلك فإن التقديرات كلّها تشير إلى رفض المادرة من جانب هذه القوى.
ـ الثاني، إمكان الوصول إلى مرشح تجمع عليه أكثرية القوى السياسية، وهذا الخيار لا يبدو متاحاً في ظل الأجواء الراهنة، وهذا ما ألمح إليه العماد عون في مؤتمره الصحافي أو عندما أشار إلى أن «لا مشكلة إذا تأخرت الانتخابات الرئاسية»، لذا تقول المصادر السياسية إن الحراك الدبلوماسي الغربي الذي قادته الدبلوماسية الفرنسية في الفترة الأخيرة للوصول إلى «المرشح الوسطي» أو المرشح الثالث طالما لا إمكان للاتفاق على ترشيح أحد القادة الموارنة الكبار، لم يفضِ إلى مقاربات جدية في هذا السياق، وتشير المصادر إلى أنه رغم أن المسعى الفرنسي يحظى بنوع من الدعم الأميركي والغربي، إلا أنه يقتصر على «جس نبض» الأطراف اللبنانية من غير الدخول في تسميات معينة، ولذلك ترجح المصادر ألاّ ينتج هذا المسعى أي نتائج جدية قد تفضي إلى توافق الأطراف اللبنانية وفي مقدمها الأطراف المسيحية على شخصية معينة.
الثالث، أن تفضي اتجاهات الوضعين الإقليمي والدولي إلى تسوية أو بداية تسوية في ما يخص الملفات الكبرى الساخنة في المنطقة. لكن مثل هذه التسوية غير ناضجة في الوقت الراهن، بل إن الصراع على الساحة الإقليمية يتجه إلى مزيد من التأزم، والدليل على ذلك مسألتان أساسيتان، الأولى عدم صدور أي موقف خليجي وبخاصة من السعودية يعترض على تمدد تنظيم «داعش» في مناطق عراقية واسعة، ما يعني ضمناً موافقتها على ما قام به هذا التنظيم، والثانية ما يتعلق بالموقف الأميركي أيضاً مما حصل في العراق إذ تتعامل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع تمدد «داعش» بشيء من «اللامبالاة» وفي الحد الأدنى بكثير من الإرباك وبالتالي عدم القيام بأي حراك جدي لمواجهة خطر الإرهاب الذي تمثله «داعش» وأخواتها من التنظيمات الإرهابية، بل تستمر في دعم المجموعات المتطرفة داخل سورية، ما يظهر أن سياسة واشنطن وحلفائها هي دعم توسع التنظيمات الإرهابية وتمددها.
تلاحظ المصادر أن لا إمكان في الوقت الراهن لحصول تفاهم إقليمي، خاصة بين السعودية وإيران يفضي إلى الفصل بين الملف الرئاسي في لبنان وملفات المنطقة. وطالما أن لا تسوية قريبة على الصعيد الإقليمي، فالشغور في موقع الرئاسة سيبقى قائماً، علماً أن قوى 14 آذار ليست في وارد القبول برئيس لا يكون من المحسوبين عليها، أو يكون لها القرار الحاسم في تسميته، وبالتالي لن تسير بمرشح إجماع جدي قبل بلورة التسوية الإقليمية وغير ذلك.
على هذا الأساس، ترى المصادر أنه طالما أن التوافق متعذر رئاسياً في هذه المرحلة، فالخيار الأنسب للجميع ولمصلحة البلاد أن يكون ثمة توافق على عدم تعطيل مجلسي النواب والحكومة، فالمدخل هو الأول لمواجهة موجة الإرهاب التي عادت تطل من جديد عبر «داعش» وغيرها من تنظيمات القاعدة.