خلافة البغدادي دولة أنبوب… والحكومة العراقية ولادة قيصرية… وتقدم نحو تكريت تهديدات نتنياهو بعد العثور على جثث المستوطنين أكثر من ضربة وأقلّ من حرب
كتب المحرر السياسي
تبدو المنطقة في حالة تسارع نحو المفاجآت التي لا يملك أي فريق معها القدرة على إحداث اختراق نوعي حاسم فيها يقلب الطاولة على خصومه، فبعدما كانت التطورات العسكرية الميدانية في سورية تبشر بفرصة نهاية أشواط المواجهة بترصيد النقاط في حساب حلف المقاومة، صار الهمّ الداعشي متقدماً وصارت حدود الإنجاز السوري بالقياس الإقليمي تكريساً لنصر سورية وخروجها معافاة كسياق لم يعد في الأفق فرص لقطعه أو تغيير وجهته، على رغم الخمسمئة مليون دولار التي قرّرها الرئيس الأميركي باراك أوباما للمعارضة المسلحة، والتي تكفّلت بانشقاقات المعارضة ومعاركها المعلنة بتبديد وهجها، لكنه لم يعد النصر الذي يشكل ضربة الجزاء الأخيرة في مرمى الحلف المقابل، بعدما أدى تمديد الوقت لمباراة الصيف إلى دخول داعش كلاعب احتياط مليء بالمفاجآت، ولو كانت نهاية اللعبة تبدو بكارت أحمر يخرجه من الملعب، لكن ربما بعد تغيير الكثير من المعطيات التي تتيح فرص التوازن في الأرباح والخسائر بين الحلفين المتقابلين.
في قلب هذا الضباب الإقليمي نجت حكومة بنيامين نتنياهو من اختبار صعب بمواجهة قضية تفاوض طويلة ومضنية حول تبادل للأسرى، كان حتمياً لو نجح خاطفو المستوطنين بإخفائهم أحياء أو أموات، لكن نجاح جيش الاحتلال باكتشاف جثثهم منح نتنياهو فرصة التعويض لخسائر فشل المفاوضات وولادة حكومة المصالحة الوطنية الفلسطينية، للعودة بقدر من التوازن أتاح له التبشير بمشروع عقاب لغزة، سيتضمن الكثير من الاغتيالات والقصف، لكنه قد يشعل حرباً متدحرجة لن تكون لإسرائيل فرصة تسجيل النقاط فيها إذا تخطى نتنياهو حدود استخدام القوة وصولاً إلى الحرب، حيث تؤكد فصائل المقاومة جاهزيتها لمواجهة قاسية ستفرض معادلات جديدة إذا تمادى نتنياهو.
نتنياهو كان استبق التهديد لغزة واكتشاف جثث مستوطنيه بالمباركة لولادة دولة كردية في المنطقة، كاشفاً التنسيق الجاري على قدم وساق بين مشروع داعش ودولة كردستان وحكومة الاحتلال، وهو تنسيق يتكامل حول خط نفط كركوك حيفا ليقتطع من جغرافيا سورية والعراق والأردن ولبنان، ما يبرّر السرعة بإعلان داعش الانتقال إلى دولة الخلافة وتخطي صيغة دولة في العراق والشام فقط.
الخلافة دولة أنبوب كما يصفها المتابعون لخرائط أنابيب النفط والغاز، لكنها دولة أنبوب كما يقول واقعها الفيزيولوجي كمولود غير طبيعي وغير قابل للحياة، ومدة بقائه حياً تتوقف على فصل أنابيب الأوكسيجين التركية السعودية، المتمثل لالتفاف القيادات التي تدور في فلك تركي سعودي حول داعش وتسمية حركتها بثورة شعبية، وهذا الإمداد بالمصل والأوكسيجين غير قابل للاستمرار سعودياً وتركياً، أمام مخاطر انتشار عدوى التقسيم التي أطلقتها داعش وظهرت أعراضها في كردستان العراق، ولن يكون سهلاً منع تمدّدها نحو أكراد تركيا ولا نحو شيعة السعودية.
الأردن يستنفر قواته على الحدود، ولبنان يخشى من موصل لبناني يستهدف صيدا أو طرابلس وخصوصاً البقاع الغربي، لتواصله الحدودي مع سورية وتماسه مع فلسطين المحتلة وصولاً إلى حدود الجولان والأردن، لكن المعركة تبقى في العراق الذي نجح جيشه بالتقدم نحو تكريت، ولا تزال مساعي تشكيل حكومة جديدة فيه تبدو بحاجة لعملية قيصرية ولا يزال مصير العملية السياسية فيه غامضاً.
على إيقاع الترقب الإقليمي ترقب لبناني، ووقت ضائع بلا آفاق واضحة للانتظارات، فالحوار بين تيار المستقبل والجنرال ميشال عون متوقف، ومبادرة عون الرئاسية بالدعوة لتعديل دستوري لانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة، علامة يأسه من منح المزيد من الفرص لهذا الحوار، بينما الأجهزة الأمنية لا تملك وقتاً ضائعاً ولا فرص انتظارات، بل متابعة دؤوبة للمعطيات والمعلومات وملاحقة وتتبع للمطلوبين.
القوى الأمنية تترصّد تحرّكات لخلايا إرهابية
وعلى رغم الاستحقاقات الكبرى التي تشغل اللبنانيين، استمر الوضع الأمني يشكّل الهاجس الأول على المستوى الداخلي نظراً للمخاطر التي تحيط بحياة الأمنيين، في ظل تحريك الخلايا الإرهابية ومحاولاتها التعرّض للاستقرار وإشعال الفتنة، خصوصاً بعد إعلان تنظيم «داعش» الإرهابي عن تعيين أمير له للبنان.
وفيما أشارت جهات معنية إلى أن القوى الأمنية تترصد معلومات تمكّنت من جمعها في الأيام الأخيرة تفيد بأن مجموعات متطرّفة تخطط من جديد للقيام بعمل إرهابي يستهدف أحد المراكز العامة لم يتم تحديده، ذكرت مصادر أمنية أن التحقيقات مع الموقوفين من مداهمات الروشة والقلمون أفضت إلى اعترافات من العناصر الإرهابية على مستوى كبير من الأهمية، مكّنت الأجهزة الأمنية من ترصّد تحرك خلايا إرهابية ومن معرفة الكثير من المعلومات عمّا كانت تخطط له هذه المجموعات.
وفي الإطار ذاته، أعادت مراجع سياسية التأكيد على أن البلاد تواجه تحديات أمنية خطيرة بسبب ما يحصل في محيط لبنان من متغيرات كبرى أدت إلى تأمين غطاء سياسي من جهات عربية للمجموعات المتطرفة، بالإضافة إلى ما تمثله من إمكانيات مادية هائلة.
وشدّدت المراجع على أهمية تأمين شبكة أمان سياسية للأجهزة الأمنية لتقوم بدورها، وهذا يتطلب عملاً جدياً لتأمين احتياجات القوى الأمنية ومواكبتها بتنشيط عمل المؤسسات وليس تعطيلها، لأن غياب شبكة الأمان وعمل المؤسسات يوفّران للمجموعات الإرهابية إمكان القيام باختراقات في الساحة الداخلية.
الجيش السوري يضبط سيارات مفخّخة
وفي السياق ذاته، تمكّنت وحدات من الجيش السوري العثور على ثلاث سيارات مفخّخة اثنتان منها تحملان لوحتين لبنانيتين في وادي عين الحصين في جرود القلمون على الحدود اللبنانية ـ السورية.
عون يقترح انتخاب الرئيس من الشعب
أما سياسياً، فالبارز كان أمس المبادرة المزدوجة التي أطلقها رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون «وتقوم على إجراء تعديل دستوري محدود يهدف إلى جعل انتخاب الرئيس الماروني مباشرة من الشعب وعلى دورتين، أولى تأهيلية تجري على مستوى الناخب المسيحي، وثانية تجري على المستوى الوطني وتكون محصورة بين الفائزين الأول والثاني في دورة الاقتراع التأهيلية. وأما الجزء الآخر من مبادرة عون فيدعو إلى الإسراع في إنجاز قانون للانتخابات النيابية «يحقق المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين». ورأى أنه «لا يمكن التوصل إليه إلا من خلال انتخاب كل طائفة لنوابها». معتبراً أن «تطبيق العدالة في هذا النظام يمنع الهيمنة والطغيان بين الطوائف».
14 آذار الرفض المسبق
وعلى رغم أنه لم يصدر موقف موحّد عن قوى 14 آذار من مبادرة عون، إلاّ أن بعض الأصوات في هذا الفريق من نواب وسياسيين سارعت إلى رفض الاقتراح بدءاً من دعوته إلى انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب، فاعتبر هؤلاء أن «اقتراح عون يأخذنا إلى نظام رئاسي ويحتاج إلى مؤتمر تأسيسي»، بينما رأى الرئيس نجيب ميقاتي «أن طرح عون لتعديل الدستور يشكّل انقلاباً فعلياً على الدستور والطائف».
وفيما لن تحمل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية يوم غدٍ أي جديد نظراً لعدم اكتمال النصاب، نفت مصادر عليمة ما يُحكى عن قيام موفد فاتيكاني بزيارة لبنان في الأيام القليلة المقبلة لبحث ملف الانتخابات الرئاسية مع الجهات المعنية. وأشارت إلى أن بعض الأطراف في فريق 14 آذار تسعى إلى استدراج الفاتيكان من أجل التدخّل في الشأن الرئاسي من خلال ممارسة الضغوط على العماد ميشال عون للسير بما يسمى «المرشح الثالث». وأوضحت أن الزيارة الأخيرة لممثل الأمين العام للأمم المتخحدة دريك بلامبلي إلى عون كانت تصب في هذا الاتجاه، مشيرة أيضاً إلى أن السفير الفرنسي في بيروت يتحرّك في سبيل تسويق ما يسمّى بـ«المرشح الثالث».
إضراب ليومين في القطاع العام
في ظل هذه الأجواء، يبقى الهمّ المعيشي في أولوية اهتمامات الطبقات الفقيرة من معلمين وموظفين، بينما تستمر كتلة «المستقبل» وحلفاؤها في عرقلة إقرار سلسلة الرتب والرواتب في مجلس النواب لإعطاء الحقوق لأصحابها.
ولهذه الغاية تنفذ الإدارات العامة والوزارات اليوم وغداً إضراباً شاملاً رفضاً للمماطلة في إقرار السلسلة بدعوة من هيئة التنسيق النقابية التي أكدت أيضاً على المضي في مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية وإصدار النتائج ما لم يتم إقرارها. بينما دعا وزير التربية الياس بو صعب القوى السياسية وكتلها النيابية إلى إقرار السلسلة لإعطاء الحقوق لأصحابها وإنقاذ الامتحانات الرسمية.