العراق والإرهاب بين أميركا والقوى الأخرى
نور الدين الجمال
الدور الأميركي التآمري على الساحة العربية عامة والساحتين السورية والعراقية خاصة لم يعد خافياً على أحد، وترجم هذا الدور عملياً إنّما بصورة كاريكاتورية ساخرة، عندما طلب وزير الخارجية الأميركي جون كيري ممّن يسمّى بـ»المعارضة المعتدلة» دعم الجيش العراقي في مواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي، علماً أن هذا التنظيم صناعة أميركية بامتياز. وتناسى وتجاهل الوزير كيري وجود اتفاقية بين بلاده والحكومة العراقية تقضي بدعم العراق في وجه أي عدوان يهدد سيادته واستقلاله، فأي تهديد أكبر من تهديد تنظيم «داعش» وإخوانه من التنظيمات الإرهابية والتكفيرية المدعومة أميركياً وسعودياً و«إسرائيلياً»، بالإضافة طبعاً إلى الدور المشبوه الذي يلعبه إقليم كردستان بزعامة مسعود بارازاني، إذ كشفت تصريحاته الأخيرة حول مدينة كركوك ومصيرها وإلغاء المادة 140 حجم التآمر الذي يقوم به البارازاني لتحقيق مصالح سياسية ضيقة على حساب وحدة العراق وسيادته واستقلاله.
ترى مصادر سياسية أن المواقف الأميركية واضحة وصريحة مما يحصل على أرض العراق راهناً، وثمة محاولة لربط موضوع المساعدات الأميركية بملف تشكيل حكومة عراقية تضم جميع الأطياف السياسية لإظهار أن ثمة أطرافاً عراقية مهمشة في السلطة. كما تحاول بعض الجهات الإقليمية تسويق فكرة تهميش دور السنّة في العراق، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق، فأصحاب هذه الفكرة يعرفون جيداً أن الواقع السياسي العراقي يحفظ حقوق جميع القوى السياسية والطوائف والقوميات، إنّما لأن الهدف الأساسي مما حصل في محافظة نينوى والموصل عُرف وانكشفت خيوط المؤامرة، فإن الأميركيين ومعهم حلفاؤهم في المنطقة يحاولون ضرب نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة والعملية الديمقراطية الغنية في العراق، بعدما حصلت كتلة الرئيس نوري المالكي على أكثر من مئة نائب في البرلمان الجديد، والأداء الأميركي هذا حيال سورية والعراق يمثل قمة النفاق الأميركي في التعامل مع هذين الملفين.
ترى المصادر السياسية أن ما بين كلام الرئيس أوباما ووزير خارجيته فروقاً واضحة، إذ تحدث أوباما عن إضاعة وقت الإدارة الأميركية في تشكيل ما يسمى بـ«المعارضة المعتدلة» السورية وأن هذه المعارضة باتت «فنتازيا» فحسب وهي غير قادرة على الوقوف في وجه الدولة السورية ونظام الرئيس بشار الأسد، بحسب تعبيره، طالباً من جهة ثانية إلى الكونغرس تخصيص 500 مليون دولار لدعم «المعارضة السورية»! هذه المواقف ترى فيها المصادر السياسية في الشق الأول منها اعترافاً صريحاً بشرعية الرئيس بشار الأسد واعترافاً بواقعية ما يحصل في الميدان السوري. أما الشق الثاني ففيه نوع من استرضاء وتطمين لحلفاء الإدارة الأميركية في المنطقة التي تدعم هذه «المعارضة المعتدلة» وتحديداً المملكة العربية السعودية. لكننا نرى بين مواقف أوباما وجون كيري إرباكاً حقيقياً تعيشه الإدارة الأميركية، لذا كانت زيارة الوزير كيري إلى بعض دول المنطقة وبعض الدول الأوروبية. وهذا الإرباك الذي يسيطر على السياسة الأميركية هو نتيجة ما يشهد العراق من تطورات تتحمل نتائجه الإدارة الأميركية نفسها ومعها بريطانيا، على ما صرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
تضيف المصادر السياسية أنه نتيجة الإرباك الأميركي يتم البحث عن مخارج تحفظ له ماء الوجه، فجميع الأطراف التي تتواصل مع القيادة السورية تؤكد أن انتخاب الرئيس الأسد بات أمراً واقعاً يجب التعامل معه ولا يمكن تجاهله، إنّما لا يمكن لتلك الأطراف أن تتراجع فجأة عن مواقفها، وخاصة الأميركي، لذا المطلوب إنزاله عن السلّم درجة درجة وأن تكون المخارج تحت عنوان لا هزيمة لأحد، والعنوان الرئيسي لإيجاد هذه المخارج هو البحث في كيفية مكافحة الإرهاب، لذلك تفيد المعلومات الدبلوماسية بأن اتصالات بعيدة عن الأضواء تتم على المستوى الدولي قوامها روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة تحضيراً لمؤتمر إقليمي لمكافحة الإرهاب يضم الدول المعنية به والمتضررة منه والداعمة له على مستوى المنطقة، إنما يحول بعض العقبات دون الإعلان عنه في انتظار توافق روسي ـ أميركي حوله، فعندما يحصل اتفاق كهذا فإن جميع الدول الحليفة للولايات المتحدة لا يمكنها أن تعارض تحت أي ظرف أو مبرر.